موريتانيا وعهد النزيف.../ محمد ولد الطالب ويس

خميس, 2015-10-15 21:37

بدأت أعراض النزيف في الظهور على الجسم المنهك أصلا منذ أغشت 2008، ولم تمض سوى ثمانية أشهر على ظهور الأعراض حتى بدأ أول نزيف، حيث نزف البلد أبرز علمائه، ولد عدود و ولد البصيري، لم يفصلهما سوى أسبوع، وكأنما الأرض فتحت أحشاءها ولسان حالها يقول " باطني خير من ظاهري في عهد الكسوف والخسوف هذا "، كان  الرجلان سيموتان طبعا، ولكل أجل كتاب، لكن، هل تزامن موتهما المتتالي ـ وكأنهما طلقتا إنذارـ مع ظهوره وانشغاله بتمهيد الأرض للخلود جاء صدفة؟ وهل للصدفة علاقة بما يتزامن معها من نحس أو من سعد؟ على كل حال نزف البلد علماءه مع مجيئه وأثناء عنفوان أزمته ولسان حاله يقول " أي خير رفع وأي شر وضع "،! من وقتها بدأ النزيف، مات العلماء وحيي السفهاء، فبدأت القيم تنزف فأحرقت الكتب وسُب النبي صلى الله عليه وسلم وتم التطاول على الذات الإلهية ومُزقت المصاحف وصُفع العلماء بحضرة الجنائز، فأي نزيف،! ونمت المكروبات والفيروسات في جسم المجتمع، وبدأت اللحمة الاجتماعية تنزف فتأبطت كل فئة شرها وعسكرت، "لحراطين"، "لمعلمين"، "الزنوج" وضاع البلد وغاب مفهوم الدولة وفقد كل شيء قيمته، لأن كل شيء أصبح ممركزا بيد ولد عبد العزيز، يتدخل في كل صغيرة وكبيرة، وكأنما هو دب جائع يفتش حتى مغارات النمل، ويتدخل حتى في تجارة الحصى "اكرافي" فلم تعد للمسئول قيمة ولا للدولة هيبة، وكثرت غزوات بدر والإشاعات حول رحلات أمه وعماراتها في دبي والمغرب وابتزازها للمسئولين وحتى لرؤساء الدول الأجنبية، كما تردد اسم أبيه في عصابات المخدرات وتسجيلات المجرمين وأماكن الرصاص الطائش، واخضرت نعال الأقارب ولمعت أسماؤهم في عالم المال وأصبحوا يتحكمون في مصائر الناس ويجرونها لسجون الإكراه البدني بعد أن أغرقوها في بحور الربا والمغامرات،، وأصبحنا وكأنما تحكمنا عصابة من عصابات كمبوديا أو المكسيك،، إن هذا لهو البلاء المبين!، ويستمر النزيف.

 فينزف الاقتصاد بدأ بشركة اسنيم التي بفعل سياسات النصب والارتجال أُجبرت على التدخل فيما لا يعنيها أصلا حسب الخبراء كتمويل الوداديات والأندية وتحويل حساباتها من الخارج إلى البنك المركزي، كل ذلك ليتسنى للأيادي الآثمة أن تطال مقدرات هذه الشركة والتي ظهر عليها الفساد فعلا متجسدا في عدم استطاعتها الوفاء بالتزاماتها لعمالها ومشاكلها المتكررة معهم وانحدارها المستمر والذي بات على كل لسان، وغير بعيد من اسنيم شركة تازيازت والتي عج الفساد فيها حتى طفح وبلغ العدالة الأمريكية، حيث أصبحت هذه الشركة مأوى لقرابة ولد عبد العزيز ومرتعا لنصبه واحتياله حسب جريدة لموند الفرنسية، ولا يجني منها الشعب المضطهد المطحون سوى طرد أبنائه من العمل وتلويث بيئته بالسموم شأنها في ذلك شأن شركة النحاس في اكجوجت والتي شُكل لها مؤخرا فريق برلماني يرأسه قريب ولد عبد العزيز ليستفيد هو طبعا ويؤشر لهذه الشركات المزيد من الاستهتار والفساد،، إن هذا لهو البلاء المبين!، ويستمر النزيف.

 وينزف التعليم الذي لم يعرف سوء وانحدارا وارتجالا أكثر مما عرف في عهد ولد عبد العزيز الذي يمكن أن يسمى عهد القشور والارتجال، حوله مع مجيئه إلى وزارتين ثم وزارة دولة يتبع لها وزيران أقرب ما يكونان ل "ابزازيل لقجل" ثم أعاده لسيرته الأولى، وأقام له منتديات، ثم أهداه من فضله وكرمه "سنة" وأوصى له بالطاولات ودخل هو نفسه الأقسام وأمر ببناء بعضها، واكتتب آلاف الأميين لتدريس الأطفال وتعهد لهم في زياراته " الغير كرنفالية " بدمجهم في الوظيفة العمومية،! وكأن التعليم: وزارة تؤزها المحسوبية وطاولات تربح منها ورشات "خاصة" وأقسام تستفيد من بنائها شركات مقاولة "خاصة" وآلاف الأميين للتدريس من أقارب الوزير والأمين العام ومدير المصادر البشرية والمديرين الجهويين والمتنفذين! لله درك يا أبا بدر! أما رسم سياسة تعليمية جادة ومراجعة المحتويات والبرامج وتفعيل دور المدرسة العمومية وتحديد الأهداف التربوية الكبرى وتوفير الوسائل لتحقيقها فإن هذا لا يعدو كونه "شعرا" ذلك الشيء البغيض الذي لا يملأُ خزينة ولا يُصلح آلة ولا يزيد على كونه هذرا لا يخرج إلا من الأفواه المهذارة الحاقدة على التقنيين والعلميين والميكانيكيين، إن التعليم في هذا العهد فقد أبسط أدواره وهي صهر المجتمع، والمحافظة على قيمه، وتنقية التراث البشري المليء بالشوائب لأجياله، فلا هو صاهر للمجتمع بل هو عامل تفرقة وتنافر لأنه يعمل على تشكيل جيلين متباعدين متنافرين، جيل من الأغنياء تخرجه المدارس الحرة عاريا من قيم المجتمع ضعيف المناعة متعاليا على الجيل الآخر الذي تخرجه المدارس العمومية جاهلا عاريا هو الآخر من قيم المجتمع يشعر بالغبن والظلم مما يهيئه لأن يكون قنبلة انحراف جاهزة للانفجار على المجتمع، ولا هو محافظ على قيم المجتمع، فالمجتمع اليوم منفسخ متفسخ يكاد ينبت من جذوره، وما موجات الإلحاد وحملات الترهيب والتلصص و الاغتصاب إلا دليل على ذلك، ولا هو ينقي التراث البشري الذي يقدمه الغير لأجيالنا على حين غفلة منا في المدارس الخاصة " الإفوارية والتركية والفرنسية وووو"، كما تقدمه لهم وسائل الإعلام ووسائط الاتصال،،، فالمدرسة يا أبا بدر أكبر من أن تكون مجرد حجرة وطاولات ومعلم جاهل مكتتب أو معلم عالم متذمر!. إن هذا لهو البلاء المبين،،، ويستمر النزيف.

 وتنزف الصحة التي يتحكم فيها غول الخوصصة وتزوير الأدوية وتردي الخدمات التي تقدمها المستشفيات العمومية.

 من البديهيات أن الحبل وُضع على القارب للعيادات الخاصة لتلسع المواطن وتلدغه كيفما شاءت، لقد انتشرت هذه انتشار النار في الهشيم، فلا يوجد طبيب إلا وله عيادة خاصة، ولا يوجد طبيب إلا ومعظم وقته في عيادته الخاصة، ولا توجد عيادة خاصة إلا ومعظم أثاثها مسروق من المستشفيات العمومية، وإن المواطن إذا ما أراد أن يجد طبيبا فما عليه إلا أن يزوره في عيادته الخاصة والتي سيجدها غاصة بالمراجعين حيث إن الطبيب في عيادته الخاصة يستقبل في الليلة الواحدة أكثر من 50 زائرا! وهذا الطبيب يداوي المرضى بالمعلومات التي تخرج بها ولو سنة 1960 ، لأنه لا توجد سياسة صحية تجعل الطبيب مواكبا للتطورات في مجال اختصاصه، لا توجد سياسة صحية تجعل الطبيب في ظروف مادية تسمح لجانبه الانساني بالطغيان، لا توجد سياسة صحية تراقب الأطباء لمعرفة هل مازالوا صالحين لممارسة المهنة، إن الطبيب عندنا تخرج طبيبا إنسانا لكنه وجد أمامه فوضى صاخبة رقص عليها حتى داخ، وخرج من دوخته تلك نهما جشعا يستطيع التهام جيف البشر، ولا رقيب عليه، ونتيجة هذا الجشع والإهمال جلية في مرضانا الذين تعج بهم مستشفيات دكار والمغرب وتونس، ولا أحتاج لزيادة الوضع سوء بما يتعانق في المستشفيات العمومية من مرض وبعوض وذباب وحر وإهمال، هذا في الغرف وحتى في الممرات، فأين رقابة الدولة على هذا الوضع السيئ؟ وأين رقابة رئيس الصحة الذي يتبجح بفعل كل شيء للصحة؟ أين رقابتهم على الأدوية المزورة والتي تباع تحت الأشجار وفي الحوانيت وفي أوكار الأجانب؟ لماذا يُمنح الطبيب رخصة ممارسة العمل الخاص ويمنع المدرس من تلك الرخصة؟ أليس من الأجدر أن يمنع منها الطبيب لأنه يعالج آلاما لا تحتمل الانتظار وقد لا يملك المعاني منها ثمن العلاج؟ أما المدرس فيعالج جهلا لا يتألم منه صاحبه بل قد يرفعه إلى أعلى المراتب! لماذا الحملة الممارسة اليوم على المدارس الخاصة، لا تُمارس حملة موازية لها على العيادات الخاصة؟ لماذا لا نمتلك وسائل الكشف عن أنواع الفيروسات رغم أن كل الدول المحيطة بنا: ـ المغرب، الجزائر، السنغال، مالي،ـ تمتلكها، أم أن غول الخوصصة والسمسرة يقف دون ذلك حتى لا تتضرر مصالحه والنذهب نحن إلى الجحيم؟

 إن الوضع الصحي في هذا البلد سيء للغاية سوء الوضع التعليمي، و سوء الوضع الاقتصادي وسوء الوضع القيّمي وسوء الوضع السياسي وسوء الوضع القيادي وسوء الوضع القاعدي، سوء في سوء، وقد ازداد الوضع الصحي سوء بالحمى التي تقعد المواطنين وتفزعهم منذ ما يزيد على ثلاثة أشهر لتتطور أخيرا إلى حمى نزيفية تتستر عليها الدولة لتقر بها أخيرا إقرارا خجولا مرتبكا وتغالط مواطنيها مغالطة تفضحها رسالتها السرية إلى منظمة الصحة العالمية، إن هذا لهو البلاء المبين،،، ويستمر النزيف!

كل هذا النزيف ويطل علينا أبو بدر من جديد ليقنعنا ـ لأننا أغبياء فعلا ـ بأنه الملاك الذي تهادى إلى الأرض ليحيي روح السلام والصحة والتعليم والاقتصاد بحوار عبثي نخلده على إثره فوق الرؤوس،! صحيح، " إذا لم تستح فاصنع ما شئت " إن هذا لهو البلاء المبين،، ويستمر النزيف