أحرقوهم وهم أحياء… إنه أمر القائد العام

ثلاثاء, 2014-07-15 16:19

 من شقته المتواضعة في الحي الصناعي في السيدة زينب قدم القائد العام، كان كل حلمه ان يصبح مشرفا تربويا في محافظة بابل، لكنه وجد نفسه بيدقا على رقعة الشطرنج التي كان يلهو بها الحاكم الامريكي بريمر في المنطقة الخضراء في بغداد. سقط احد البيادق فقدمه الحاكم الامريكي في الخط الاول للرقعة، استهوته اللعبة فنسي تاريخ بابل التي شرّعت اول قوانين البشرية في الحقوق والمساواة، لكنه لم ينس تاريخه في حزب الدعوة عندما كان مسؤولا عن ارسال الانتحاريين الى بغداد في ثمانينيات القرن المنصرم. انتظر بفارغ الصبر تخفيف القبضة الامريكية كي يمارس عمله السابق في الحزب، وليس عمله الجديد باعتباره المسؤول التنفيذي الاول في الدولة.
وعندما حانت الفرصة قارن الرجل بين امكانات الماضي والحاضر فوجد الفرق كبيرا. كان عمله السابق باشراف المخابرات السورية، وبهوية صادرة من مكتب شؤون العراق في القيادة القومية في دمشق، ويستخدم الطريق العسكري في تنقلاته بين دمشق وبيروت، وكلها محددات لعمله وفيها كلف سياسية يجب ان يدفعها للمخابرات السورية، ومع ذلك ابدع في حوادث التفجير في الداخل العراقي، فكيف سيكون ابداعه اليوم وكل السلطات بين يديه. 
كانت الولاية الاولى له لتعزيز سلطة الحزب في اجهزة الدولة، الذي لم يكن يمتلك من الاعضاء اكثر من عدد اصابع اليدين، لكن المال الوفير ورمزية السلطة قادرة على جلب الانتهازيين بالمئات. والمهمة الثانية هي بناء سلطة المكتب الخاص من المُسلّط عليهم سيف الاقصاء والاجتثاث، فهم الوحيدون الذين سوف ينفذون التعليمات كما يريد القائد العام، لانه مَنّ عليهم بالاستثناء واعادهم الى الاضواء، فباتوا مخلصين له حد الموت.
اما الولاية الثانية فهي مرحلة التنفيذ الفعلي لما خطط له في الولاية الاولى، دعوا البناء والعمران وتنمية الانسان الان، فالقائد العام مشغول ببناء الذات والصعود على الاكتاف ووطء جثث الابرياء بالاقدام وكعوب البنادق. قوله انه شيعي اولا وهم كبير وضحك على ذقون الشيعة قبل غيرهم. صحيح انه ظهر على التلفاز يلطم صدره في ذكرى عاشوراء، لكنه يريد من المناسبة خلق معسكر طائفي يخوض به المعركة مع الاخرين. صحيح انه وصف الاخرين فقاعة نتنة، وانهم جيش يزيد، لكن هذه المصطلحات في مفهومة لا تنحصر بطائفة واحدة، بل تنطبق على كل من يقول لا، سواء كان من هذه الطائفة او تلك. تذكروا كيف هاجم مقتدى الصدر ووصفه بانه جاهل في السياسة ولا يفهم الدستور، بسبب انه انتقد اداءه السياسي وعرّى ممارساته الخاطئة، بينما الرجل من البيت السياسي للمالكي نفسه. ذهب الى شمال العراق وعانق مسعود بارزاني وكان في حديثه الى الصحافة يُكنّيه ابو مسرور تحببا، وها هو اليوم يقول ان اربيل غرفة عمليات الارهاب. اما شركاؤه في العملية السياسية من الطائفة الاخرى فمعروفة قصته معهم. اين طارق الهاشمي ورافع العيساوي وغيرهم الكثير؟ ألم تكن قواته قد جعلت من مناطق الانبار والموصل وصلاح الدين وديالى وكركوك وحزام بغداد ساحة عمليات لها؟ لقد حرص القائد العام على ان تكون ولايته الثانية ذات صبغة حمراء من دماء الابرياء، وكان له ما اراد، كي ينطلق الى ولاية ثالثة في ساحة سياسية خالية من كل صوت مُعارض او منتقد. فالرجل مسكون بنظرية المؤامرة ودستوره الحالي هو المادة اربعة ارهاب ولا غير ذلك، حتى فاقت جرائم حكومته كل المشاهد الجرمية التي عرفها التاريخ. تقول بعثة الامم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) بان 4704 مواطنين عراقيين وقعوا بين قتيل وجريح في شهر حزيران/يونيو الماضي، ثم تعلن منظمة هيومن رايتس ووتش بان 255 سجينا من السُنة اعدموا على يد الجيش والشرطة والميليشيات في الاسبوع المنصرم، كما ان البحث جارٍ لتحديد هوية خمسين جثة معصوبة العينين وترتدي ملابس مدنية وجدت في محافظة بابل. اما ما حصل مع اتباع المرجع الديني الشيعي محمود الحسني الصرخي، فقد لخصه الناطق باسمه مهند الطائي في مؤتمر صحافي في اربيل قبل ايام قليلة، حيث اعلن ان مئة جريح من اتباع الصرخي الذين اصيبوا في هجوم القوات الحكومية على مقراته، قد احرقوا وهم احياء وتم التمثيل بجثثهم، واضاف بانه مازالت العشرات من الجثث في مستشفيات المنطقة الجنوبية لم تُسلّم الى ذويها، مما دفع نائب محافظ بابل الى الاستقالة من منصبه لانه لا يتشرف بالعمل مع هذه الحكومة التي ترتكب الجرائم في عموم العراق، على حد قوله. 
واذا كان اهالي المحافظات الست جرى اعلان الحرب عليهم وفق المادة اربعة ارهاب، بسبب مطالباتهم بالحقوق بصورة سلمية لمدة عام، فان المرجع الديني الصرخي بات مشمولا بهذه المادة هو وجميع اتباعه، لانه فضح الممارسات الطائفية للقائد العام. لقد خاطبه بكل وضوح قائلا، «لا تلوموا احدا على التعامل مع الشيطان، فلقد فعلتموها انتم قبل ذلك وتعاونتم مع الشيطان الاكبر، ووافقتم على احتلال العراق وتعاونتم مع المحتل، فلماذا نلوم السنة ان يتعاونوا مع داعش». انه توصيف حقيقي لازدواجية المعايير التي يتعامل بها الساسة في العراق، والتي يسعون من خلالها إيهام العامة من الطائفة التي يدُعون تمثيلها انهم جاءوا من اجلهم. انهم يُجرمّون المهمشين والمقصيين في المحافظات المنتفضة، فقط لانهم خرجوا بصورة سلمية مطالبين بحقوقهم كبشر، بينما يحتفلون سنويا بما يسمونها الانتفاضة الشعبانية التي جرت عام 1991، والتي احرقوا فيها الممتلكات العامة والخاصة وقتلوا فيها الاف الابرياء، وسُرقت فيها مخازن الغذاء والدواء، وكانت باشراف ايراني مباشر. كما انهم يُجرّمون الجيش السابق لانه قام بقمع انتفاضتهم كما يدّعون، بينما يفتحون ابواب التطوع للشباب لمقاتلة اهلهم في الانبار والموصل وصلاح الدين، ويُعيدون تنظيم ميليشياتهم باشراف ايراني، ويشترون حتى الطائرات المستعملة القديمة لتدمير المدن وحرق القرى وقتل الابرياء، ويسمونها بطولة. وامام كل هذه الجرائم يبقى القائد العام مصرا على الاستمرار في السلطة لسفك المزيد من الدماء، بل ان اعوانه يبررون تمسكه بالمنصب على انه ملتزم بما قالته صناديق الانتخابات، متناسين ان هتلر جاء الى السلطة بالانتخابات ايضا، كما ان هنالك بعض الاعوان يدّعون بان تخليه عن الولاية الثالثة في هذا الوقت، ستكون ضربة كبرى تصيب معنويات الجيش، باعتباره القائد العام للقوات المسلحة، متناسين ان القائد العام هرب هو وفرقه العسكرية الست امام اعداد بسيطة من الثوار وليس جيشا جرارا. انها اصوات نشاز تعبد طريق الباطل للطغاة الذي يقودون العراق بجهل مُطبق، وليس لديهم من مؤهلات سوى الحقد والضغينة.. انهم اميون بكل شيء لكنهم جهابذة في النفاق.

٭باحث سياسي عراقي

د. مثنى عبدالله