ظاهرة العبودية بموريتانيا

اثنين, 2015-12-07 15:32

مع استقلال موريتانيا عن الاستعمار الفرنسي في 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 1960 شرعت الدولة الوطنية في محاربة العبودية باعتبارها الظاهرة الأكثر تجذرا والأكثر انتشارا والأكثر إعاقة لبناء المجتمع المنشود، ومع ذلك فإن القوانين التي تُحرم الظاهرة لم ترَ النور إلا مع بداية عقد الثمانينات و بضغط من قادة الإطار الحركي المُتشكل حينها حديثا ( حركة الحر).

شكل هذا الإطار أبرز أُطر شريحة " لحراطين" (السود)، وقد تعهد هؤلاء الأطر بالنضال الجاد من أجل الانعتاق والمساواة والكرامة، فصدر مرسوم رئاسي سنة 1981 يدعو الموريتانيين إلي نبذ الظاهرة و تجريم الاسترقاق، ورغم أن البعض قام بتحرير عبيده تحت ضغط هذا القانون إلا أن الظاهرة لم تتلاشَ حسب بعض المنظمات الحقوقية.

انتخاب أول برلمان تعددي حقيقي سنة 2006 جاء بمسعود ولد بلخير وهو أحد أفراد شريحة "لحراطين" سابقًا كما أنه أحد مؤسسي حركة " الحر"، رئيسا للبرلمان الموريتاني فدفع بالقانون المجرم للعبودية إلي البرلمان ليتم إقراره بالإجماع سنة 2007،  لتتوالى القرارات و المراسيم المتعلقة بالظاهرة، فتم إنشاء محكمة خاصة بالنظر في الجرائم المتعلقة بالعبودية، وإنشاء وكالة برتبة وزارة سنة 2013 عهدت لها الحكومة مهمة اجتثاث بقايا الظاهرة وتنفيذ برامج إنمائية لمصلحة الأرقاء السابقين، وأقر البرلمان الموريتاني مطلع عام 2015، قانونا يعتبر أن الجرائم المرتبطة بالاسترقاق هي جرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم.

تتحدث الحكومة الموريتانية عن وجود مخلفات ورواسب ظاهرة العبودية فقط لا غير، وتقول إنها تسعي جاهدة للقضاء عليها، وتنفي أن تكون الظاهرة لا تزال ممارسة في البلد، في حين تؤكد منظمات حقوقية وجودها وخصوصا في أعماق البلاد و في أماكن البؤس و مثلث الفقر، حيث غياب التنمية وانتشار الجهل والأمية ، وحيث تمارس هذه الظاهرة علي مدار اليوم علي شريحة "لحراطين" .

موقع CNN توجه إلى أعماق موريتانيا حيث معقل الأمية ومنبع ظاهرة العبودية، وذلك لغرض رصد أهم تجلياتها وأبرز مظاهرها، لكنه اصطدم بسوار الصمت الذي تضربه ساكنة المنطقة على الموضوع، تنفيذا لأوامر وجهائها و بتواطؤٍ من الجهات الرسمية معهم.

"هابي "وشقيقها "بلال" كسرا جدار الصمت وقررا الحديث لنا عن تجربتهما المريرة وهما يعيشان في نير العبودية ويُعاملان كقطعة من أثاث ومتاع بيت "سيدهم" فلا وزن لمشاعرهم ولا قيمة لأحاسيسهم ولا مراعاة لآدميتهم.

"بلال"هو رجل أربعيني لا يعرف متي وُلد، لكنه يعرف أنه وُلد وهو مملوك لأسرة (...) التي لها الحق التام في التصرف فيه كيف تشاء، فكان يقوم بسقاية قطعان الإبل، و جلب الماء لأسرة "مالكه" حتي لا يستيقظ والمياه غير متوفرة لأن ذلك يعني معاقبته بالصفع والجلد والحرمان من الطعام لأيام .

زهاء أربعين سنة قضاها "بلال" وهو يرتشف كأس الذل و المهانة حتى الثمالة، ويصبح و يمسى علي عبارات السب والشتم، والذم والقدح التي لا تطاله لوحده وإنما تتجاوزه لتشمل والدته و أخواته، وكان كلما استشار والدته في ذالك أشارت عليه بأن تحمُل ذالك هو واجب ديني وحدثته عنه ضرورة الصبر و الاحتساب  من أجلها .

كان "بلال" دائما ما يشهد علي عملية اغتصاب والدته و شقيقاته من طرف سيده و أبناء سيده فكانت والدته تقول له بأن تصرف السيد فيها و في بناتها يكفله له الدين والشرع. يقول "بلال" لـ CNN بالعربية:

"كان في داخلي إحساس يرفض هذه الممارسة و يريد التمرد عليها وكلما أسررت لوالدتي بتلك الأحاسيس حاولت وأدها، لكن ممارسة " الأسياد" كانت تغذي تلك المشاعر إلي أن خيرتُها بين أن أرمي نفسي في البئر وانتحر أو أن تسمح لي بالتمرد و الهروب من هذا الجحيم  فقبلت بتمردي علي مضض، فكانت بداية مشواري مع الحرية، وكان أول يوم في حياتي التي تجاوزت الأربعين  يمر علي دون أن أسمع عبارة سب أو شتم أو تعيير أو تحقير، وكان تصميمي علي تحرير والدتي وشقيقتي لا يماثله إلا كرهي لذالك الجو البغيض".

أما " هابي" فتصرح لنا بالقول  إن عودة شقيقها "بلال"سنة 2007 ( بعد ثلاثين سنة من استرقاقها) رفقة منظمة حقوقية مناهضة للعبودية، وفرقة من الدرك الوطني لتحريرها من براثن العبودية و الاستغلال والاغتصاب كان بمثابة نصر من الله و فتح عظيم، وتمضي في القول:

"نعم لقد أصبحت حرة وسيدة نفسي و أفعل ما يحلو لي دون أن ينهرني أو يضربني أو يشتمني أحد، تفكيري الآن هو في كيف أضمن مستقبل أولادي بينما كان تفكيري في الماضي هو في كيف أتقي بطش وغضب و جبروت " سيدي"، أن يمضي يوم واحد  دون أن يتم ضربي أو تقييدي أو التنكيل بي فهو يوم سعادة بالنسبة لي" .

"بلال" و"هابي" يجزمون أن هناك الآلاف يعيشون في نير العبودية و هم يؤكدون أن من لم يُجرب مرارتها لا يستطيع تصورها.