ولد احمد مسكه وآن آمدو بوبالي يستذكران ولد محمد السالك

جمعة, 2015-12-18 13:19

أحمد بابا مسكه يستذكر الرئيس المصطفى ولد محمد السالك

في ذكرى مرور أربع سنوات على وفاة العقيد المصطفى ولد محمد السالك، أول رئيس للجنة العسكرية للخلاص الوطني، رئيس الدولة الموريتانية الأسبق (1978 ـ 1979)؛ يروي السياسي المخضرم والكاتب الموريتاني المعروف أحمد بابا مسكه شهادته على مسار هذا القائد الوطني المتميز، من خلال تجربته الشخصية معه..

 

لقد ادخر التاريخ للمرحوم الرئيس المصطفى ولد محمد السالك دورا خاصا؛ هو دور المنقذ لموريتانيا. 

تعرفت عليه قبل استقلال البلاد بسنوات، في فترة تأسيسنا رابطة للوطنيين الشباب؛ الذين كانوا يطمحون لحمل هم البلد والدفاع عنه. وقد أنشأنا تلك الحركة التي يمكن القول إنها حركة عصيان أو حركة ثوار لا ننبع لأي إيديولوجية لأن الإيديولوجيات لم تجد بعد آنذاك في موريتانيا. الإيديولوجيات كانت دائما موجودة بشكل أو بآخر، لكن ما يسمى الإيديولوجيات الحديثة وصلت إلينا بعد. سواء الغربية منها أو العربية أو الإفريقية.

في الواقع كان الشباب المتعلمون في المدارس العصرية غالبا في المقدمة. ليس دائما لكن عددا منهم؛ خاصة المدرسين والمعلمين. وقد كان الرئيس المصطفى ولد محمد السالك رحمه الله، في فترة ما، مدرسا، وبالتالي كان منخرطا ومناضلا حازما في رابطة الشباب الموريتاني. ولم يكن في النهضة. وقد ترك الحركة الشبابية ليلتحق بالجيش الوطني سنة.

بعد ذلك بفترة طويلة اندلعت حرب الصحراء التي دامت ثلاث سنوات. وكانت حربا كارثية بالنسبة لموريتانيا وخطأ فادحا.

حرب أشقاء، ظالمة، غير شرعية، وغير مشروعة

كانت موريتانيا مفلسة ولم تعد لديها أي وسائل لمواصلة تلك المغامرة. كان الضباط والقادة العسكريون خير من يمكنهم إدراك حجم تلك الوضعية الخطيرة فاجتمعوا عدة مرات لتقييم الموقف وبحث كيفية إخراج البلد من وضعية كتلك قد استغرق ذلك، ربما، عاما من التحضير.

كان من بينهم من انخرطوا في فكرة إنهاء الحرب وآخرون أقل تحمسا بكثير. وفي الأخير كان من ضمن الذين قادوا العملية حتى النهاية؛ أساسا؛ الرئيس المصطفى وهو حينها قائد أركان الجيش؛ ثم الرائد جدو ولد السالك، قائد المنطقة العسكرية الشمالية. 

كان الرئيس المصطفى خلوقا، كتوما جدا، ولم يكن أي شخص قادرا على معرفة ما يدور في ذهنه. قاد كل شيء، مع أنه هو من تولى إدارة ذلك التغيير الذي طال انتظاره؛ من البداية حتى النهاية.

 

لقد قرروا ـ إذن ـ وقف الحرب، وكانت الطريقة الوحيدة لوقفها؛ أمام تعنت النظام آنذاط، هي الاستيلاء على السلطة. وذلك ما فعلوه. 

الرئيس المصطفى شخصية تاريخية، لعب دورا مهما في بلده.

اليوم يمكن أن نحفظ له أنه، أولا، كان وطنيا  عظيما، مناضلا من الرعيل الأول و اختار مساره المهني ليكون حيث يحناجه وطنه. لعب دورا حاسما في تاريخ موريتانيا. وقد ادخر له التاريخ، أساسا، لعب دورا أساسيا ومتميزا. وهو تخليص موريتانيا من حرب حمقاء سببت لها الكثير من الضرر وكان لابد من إنهائها بأية وسيلة. 

أحمد بابا مسكه

كاتب وسياسي

في ذكري رحيل الرئيس المصطفي ولد محمد السالك آن أمادو بابالي يستذكر

قبل ثلاث سنوات، رحل عن دنيانا الفانية، المرحوم المصطفى ولد محمد السالك؛ أول رئيس للجنة العسكرية للإنقاذ الوطني (1978ـ 1979). وبقيت ذرى هذا الرجل الورع، النبيل، الوطني والديمقراطي؛ حاضرة في أذهان الموريتانيين.

أحد معاونيه السابقين؛ العقيد المتقاعد آن أمادو بابالي، أول مسؤول للتموين بالجيش الوطني، والوزير السابق؛ يقدم فيما يلي شهادته عن الرجل..

تعرفت على المرحوم المصطفى المرحوم المصطفى ولد محمد، للمرة الأولى في يناير 1965 حيث كان قد التحق بالجيش الموريتاني الفتي ويتولى قيادة السرية الأولى للاستطلاع بأطار. كنت أنا عائدا من فرنسا حيث أكملت تكويني كضابط إداري.

كانت مهمتي في أطار تتمثل في حصر المعدات التي تركها الجيش الفرنسي. جعلني على صلة بالضباط الشباب الذين كان علي أن أعمل معهم. يتعلق الأمر بكل من محمد سيدينا ولد سيديا، وديينغ نذيرو، وأحمد ولد منيه رحمهم الله جميعا. لاحظت، أدركت في الرجل على الفور، روح المسؤولية والاستقامة وعزة النفس.

بعد ثلاث سنوات، تم تعيينه قائدا لأركان الجيش. كان شغله الأول هو سد الفراغ الذي خلفه خروج الفرنسيين استمرار الإسناد الفني، لذا أوكل لي إدارة المكتب الفني؛ وهو جهاز يشرف على جميع المعدات الفنية للجيش: سيارات، أسلحة، ذخيرة، محروقات، بنايات... 

لقد انطبعت في ذاكرتي تلك الرحلة إلى دوالا بالكاميرون والتي التي جمعتني ـ أنا و العقيد آتيي هامات ـ مع المرحوم المصطفة قائد الأركان حينها.

كان الهدف من الرحلة هو الاطلاع على التجربة الكاميرونية في مجال الهندسة العسكرية؛ حيث كان المصطفى يسعى لتزويد الجيش الوطني بجهاز مشابه. أعجبت بخصاله، ليس كقائد فحسب بل ـ أيضا ـ كأخ وكصديق وكوطني كانت رغبته الوحيدة بناء جيشنا الوطني الناشئ.

توليت، إذن، إدارة تلك الهيئة في الجيش الوطني تحت إمرته في قيادة الأركان إلى أن تم تفريغه لتولي وظائف مدنية؛ خاصة والي ومدير شركة للدولة (سونمكس). لكننا احتفظنا بعلاقات جد ممتازة، بالنظر إلى الذكرى التي بقيت لدي عنه والتي لا تنسى؛ فقد كان أول ضابط موريتاني يقودني.

التقينا مجددا خلال توليه قيادة الأركان مرتين.  وفي تلك الأثناء تمت ترقيتي ضابط تموين منذ سنة 1973 ولما عاد وجدني أصبحت ممونا.

ولدى عودته الأخيرة لقيادة الأركان؛ كانت حرب الصحراء في أوجها. وكان عائدا من الجبهة (المنطقة العسكرية بأطار). وأتذكر مساعديه الرئيسيين، وهما ـ حينها ـ العقيدان معاوية ولد الطائع؛ المكلف بالعمليات، ويال عبد الله المكلف باللوجستيك. وكنت تابعا لهذا الأخير. 

لم تكن لدى الجيش إمكانيات كافية وفي صراع لم تستعد له. لكن رغم كل ذلك قام المصطفى دائما بإدارة كل الأوضاع الصعبة، بكثير من الدقة والمسؤولية. وذات يوم،  دعاني معاوية الذي كان قائدا مساعدا للأركان مكلفا بالعمليات؛ من أجل تحضير رواتب وأغذية الوحدات المرابطة في مواقع منقدمة ببئر أم اكرين؛ على أن يتم شحنها جوا في اليوم الموالي. كنا بحاجة إلى ثلاثين مليون أوقية؛ لكن المبلغ لم يكن موجودا في الخزينة.

استغرب معاوية الأمر ووصل نقاشنا، بصوت مرتفع، إلى مسامع المصطفى؛ فالتحق بنا سأل ما الذي يجري؟ شرح له معاوية ما قلت له لنوي من أنه المال غير موجود لدفع رواتب الجنود ومؤونتهم الغذائية.

عندها قال المرحوم المصطفى لمعاوية: "ألا تعلم حقا أن هذا البلد في حالة خراب؟ لا يوجد أي شيء هنا..."قبل أن يأمرني بالذهاب إلى الخازن العام للدولة.

عدت وأبلغت القائد بنتيجة مهمتي؛ فقام على الفور بالاتصال بسالم فال، الذي كان ـ يومها ـ أمينا عاما لوزارة الدفاع، لكنه كان أيضا صديقه وزميله بنفس الدفعة؛ الذي وجد لنا حلا لتلك المعضلة.ثم ذهبت لجلب المال. ورغم كل ذلك الضغط، تصرف المصطفى بهدوء تام. ولم أشعر لديه، في أية لحظة، أبسط انفعال رغم حالات الضغط الشديد التي مر بها، خاصة عندما يجد المرء نفسه في مكتب لمدة 24 ساعة متواصلة. 

لقد استطاع دائما، بفضل الله، أن يسيطر على أصعب الظروف وينظم الفريق الذي يحيط به لكي تكون مرتاحين في أداء واجباتنا.

حظي الرجل بتقدير نظرائه وجميع مرؤوسيه. رحمه الله

العقيد (متقاعد) آن أمادو بابالي.