غزة تدفع ثمن المكايدات وتصفية الحسابات

خميس, 2014-07-17 23:23

كل دقيقة قد تعني مأساة بالدنيا وما فيها بالنسبة لطفل او امرأة او رجل فيغزة. كل دقيقة تترك آثارا مدمرة في مستقبل اطفال شهدوا ثلاث حروب خلال السنوات الست الماضية. نحو مليوني انسان ينتظرون خلاصا مرتهنا بموازين قوى وحسابات ومكايدات سياسية ليسوا طرفا فيها. الحرب مازالت تملأ الافق، والضحايا يسقطون كأوراق الخريف، والملاسنات تزحم الاثير والشاشات، ونقطة الضوء تستعصي على البصر في نهاية النفق. 
انها مأساة انسانية يفاقمها واقع مثقل بتعقيدات سياسية لانهائية، ما يستلزم الشفافية في معالجته، احتراما لأرواح الشهداء، ومعاناة الجرحى والنازحين، ومن يعيشون الموت في كل لحظة، ومن لم يتمكنوا من مجرد الخلود للنوم بسبب القصف المستمر على مدار الساعة طوال احد عشر يوما من العدوان.
ويصعب على المراقب ان يجد طرفا لخيط طويل كهذا من الاخطاء السياسية، تورطت فيه كافة الاطراف، والا ما كانت النتيجة بهذه المأساوية. ومع هذا يمكن التوكؤ على هذه الهوامش بدون ادعاء انها تلم بتعقيدات هذا المشهد التراجيدي:
اولا- لا يتورع بعض العرب عن انتهاز هذه المأساة لتسجيل نقاط سياسية في اطار من المكايدات والاجندات المسبقة، سواء بتوجيه الاتهامات الى حركة حماس او النظام المصري. وفي الحقيقة ان هذا النهج يمثل اكبر خدمة لاسرائيل في هذه الظروف. وهو يتجاهل حقيقة ان المسؤول الاول عن مأساة أهل غزة، بل الشعب الفلسطيني بأسره، هو اسرائيل باحتلالها واجرامها، وهي من يجب ان تشن عليها «حملات الردح الاعلامي»، وان تقاضى امام المحكمة الجنائية الدولية على ما ترتكبه يوميا من جرائم ضد الانسانية. 
ومع ذلك يجب توجيه انتقادات الى كافة القيادات والانظمة العربية التي فشلت في التحرك لانقاذ اهل غزة، وهم يتعرضون لهذا العدوان في ايام كهذه يفترض ان تكون لها حرمتها وخصوصيتها، لكن بدون توزيع تهم الخيانة والفاظ السب والقذف بلا دليل.
ثانيا – لم يكن يجب ان تؤخر الحساسية السياسية في العلاقة مع حماس تدخل النظام المصري لطرح مبادرته لوقف العدوان، او الفتح الدائم للمعبر لتخفيف المعاناة عن اهل غزة، حتى اذا كان البعض استغل العدوان لشن حرب اعلامية عليه، في تصفية حسابات تتعلق بموقفه من جماعة الاخوان. وفي المقابل فان حماس كان يجب عليها ان تناقش المبادرة المصرية والعمل على تعديلها لتحقق اهداف المقاومة، بدلا من الرفض المطلق الذي استفاد منه المجرم نتنياهو كغطاء للتصعيد، وكذلك البعض في مصر من المعروفة مواقفهم تجاه غزة، اذ وجدوا فيه مبررا لمطالبة النظام برفع يديه بدعوى «اننا عملنا اللي علينا». وفي الموقفين كان واضحا ان للمكايدة السياسية دورا واضحا واستهانة لا تليق بتضحيات اهل غزة ومعاناتهم. 
ويبدو ان ثمة صراعا سياسيا وراء الكواليس قد يسهم في اطالة الطريق نحو الخلاص السياسي. اذ ان النظام المصري لا يريد ان يجبر على تطبيع سياسي مع حماس التي يعتبرها فرعا للاخوان، بينما تصر حماس على دور مشرف في مشهد النهاية، يعيد اليها «سلطة فعلية واهلية سياسية» في غزة توازي قدراتها العسكرية، خاصة بعد ان تخلت نظريا عن حكم غزة. وليس سرا ان هناك من سيدفع الجانبين الى الاصرار على موقفه، مهما كانت النتيجة بالنسبة لاهل غزة. 
ورغم كل العواصف السياسية والاصوات الاعلامية الشاذة هنا وهناك، فان موقف الشعب المصري لم يتغير في جوهره قط تجاه فلسطين، وهو ما دعا محللين اسرائيليين لمحاولة الصيد في المياه العكرة، وللاسف ابتلعت بعض الصحف العربية الطعم ونشرت سمومهم على الصفحة الاولى، غير مدركة ان هؤلاء جميعا يعملون ابواقا للاستخبارات العسكرية في وقت الحرب.
ثالثا- كان يفترض ان يكون العدوان الاسرائيلي مناسبة لتوطيد اركان المصالحة الفلسطينية، وحكومة التوافق التي انتجتها. الا ان ما حدث لوزير الصحة الفلسطيني لدى وصوله الى غزة، وما شهدنا من حرب تصريحات بين السلطة وحماس يثير مخاوف جدية من ان المصالحة قد تكون اول ضحايا هذه الحرب. ومن الانصاف ملاحظة ان الرئيس الفلسطيني فشل في التأكيد على ان المقاومة بكافة السبل الممكنة ضد الاحتلال هي حق مشروع تكفله كافة الشرائع السماوية والارضية، بما فيها معاهدات جنيف التي وقعها قبل عدة شهور. وعلى الجانب الاخر، فان شرعية المقاومة المسلحة للاحتلال، لا تعني القفز فوق السلطة المنتخبة، او التضحية بالوحدة الوطنية حتى مقابل انتصارات عسكرية على العدو.
وليس انصافا ان يهون البعض من حجم هذا الخلاف. فحماس لن تقبل بعد كل هذه التضحيات ان تكون غزة مستباحة امام قوات الاحتلال، او خاضعة لراية «النضال عبر المحافل الدولية» التي يرفعها عباس، واثبتت الاحداث الاخيرة فشلها الذريع. كما ان عباس لن يقبل ان تكون غزة تابعة نظريا فقط للسلطة، فيما تحتفظ حماس فيها بالسلطة العملية والصلاحيات السياسية والعسكرية الكاملة، بدون مراعاة لاهمية الحفاظ على وحدة القرار الفلسطيني واستقلاله، ما يعني استمرار الانقسام عمليا.
اما الواقع المر فهو انه لا توجد اجابة سهلة. والمشكلة مرة اخرى ليست في مبادرة او سياسة معينة، بل في حقيقة ان اسرائيل لا تحترم اصلا اي اتفاقات او ضمانات دولية، ولا تكترث باصدقائها قبل اعدائها، وهي شر لمن يصادقها او يعاديها. اما للذين يصيدون في المياه العكرة: اطمئنوا لا احد يكترث بكم اصلا.
كاتب مصري من أسرة «القدس العربي»

خالد الشامي