ملحمة "الإخوان" في "محاربة النظام للقرآن"

أربعاء, 2016-01-06 18:05

بقلم: محمد ولد الطالب ويس

يقول جبران خليل جبران في قصة "القس والشيطان" "إن القس بينما هو سائر إلى إحدى المدن لإقامة قداس إذ سمع أنينا مزعجا يحمل ألما شديدا، فعرج إلى الصوت ليجده شيخا مسنا ينزف دما وقد غرزت سكين في صدره، فقال له القس من أنت وما بك، فقال له الشيخ أنا الشيطان وقد فعل بي قطاع الطرق ما ترى ورموني في هذا الحقل الموحش وإني سأموت إن لم تنقذني، فقال له القس : لعنك الله فالتمت وهم بالانصراف فناداه الشيطان، أيها القس إنك ذاهب إلى قداس عن المحبة وأنا كنت ذاهب إليه وإن لم تنقذني فسوف تفقد وظيفتك في الكنيسة والتي هي محاربتي وطردي عن الناس فإذا ما مت فسوف تفقد هذه الوظيفة ولن يكون لوجودك معنى، ففكر القس مليا ثم حمل الشيطان على ظهره للعلاج وهو يقول شيطاني العزيز لا تمت أرجوك..."،

هذه القصة تذكرني بالساسة و الأزمات، فهم بدون أزمة لا معنى لوجودهم تماما كالقس مع الشيطان، ولو أنهم وجدوا أزمة ستموت لأحيوها، فالنأخذ منهم العذر إذا اختلقوا الأزمات وأحيوا ميتها فذلك ما يتطلبه العمل،! من تلك الأزمات المختلقة لضرورة العمل طبعا هذه الضجة الكبرى المثارة حاليا تحت عنوان " محاربة النظام للقرآن "،. هذه الضجة لو أنها بقيت صرخة "تواصلية" من صرخات هذا الحزب ضد النظام لكان الأمر بسيطا ولا يحتاج لكثير حبر يسيل من أجله، لأن القضية ببساطة تكون مجرد تحريك من هذا الحزب لمياه النظام حتى لا تبقى صافية، وهذا أمر مستساغ لأن صفاء مياه النظام يغظ معارضيه الذين لا يحسنون الصيد إلا في المياه العكرة، والسياسة لعبة تحريك لمياه الخصم، وأدوات التحريك تختلف طبعا حسب قدرتها على الإثارة، وإنَّ اختيار التواصليين لأداة "محاربة النظام للقرآن" لتعكير صفاء النظام أو صفاء البلد بأسره ـ نتيجة لقداسة القرآن ـ ينم من جهة عن رغبة ملحة لدى هؤلاء في أن تبقى الأجواء عكرة غائمة مظلمة تسمح للصوص وعسس الليل بالنشاط، كما ترمي من جهة ثانية إلى إقحام العلماء في المسألة لعل ذلك يضيف لها من البهارات والتوابل ويعطيها من المساندة والدعم ما عجز التواصليون عن الحصول عليه من أقطاب المعارضة الأخرى نتيجة لتذبذب علاقتهم بتلك الأقطاب، ونتيجة لعدم اقتناع تلك الأقطاب بهذه الفكرة أصلا، فكان إقحام العلماء بديل عن دعم سياسي لقضية سياسية بامتياز كان من المفترض أن يأتي من قبل الساسة لا من قبل العلماء وأهل الدين، فدخل العلماء مع الأسف المعمعان ولولا دخولهم فيه لما سال من الحبر في هذه القضية ما سال وما سيسيل، وهكذا دخل العالم الجليل محمد الحسن ولد الددو ولا شك أن دخوله أفرح "الإخوان" أيما فرح لأنه أولا سيكون لهم بمثابة المجن الذي سيقيقهم الكثير من سهام النقد وسيكون لهم ثانيا بمثابة "المشرعن" أو "المُديِّن" لقضيتهم السياسية في الأصل والحقيقة، وهكذا يكسبون به قوة هم في أمس الحاجة إليها لتحريك المياه التي يغظهم سكونها،! فصرح الشيخ تصريحاته تلك والتي جاءت حادة وصريحة بدرجة رأى الكثيرون أنها لا تتناسب مع وقار الشيخ المعهود ورزانته ودماثة خلقة المشهود له بها والتي لا غرابة فيها، فقد رضعها من آبائه وأخواله وبعد ذلك من ثدي علمه المدرار، ربما، ضغْط التواصليين المحيطين به في تلك اللحظات هو ما أدى إلى تلك الحدة الغير معهودة من فضيلته، والتي تعتبر بمثابة ضوء أخضر لغوغاء الإخوان و للمندسين من منتهزي فرص الفوضى للتحرك والعبث بأمن البلد الذي يعتبر في غاية الهشاشة، وربما، وأقول ربما غابت عن فضيلة الشيخ أثناء تصريحاته تلك ـ في سياق هشاشة أمن البلد والحرية الشيطانية التي يعيش ـ الآية الكريمة: " واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة"،! هذا ما تنبهت له رابطة العلماء الموريتانيين وحدا بها إلى إصدار بيان يدعو إلى التريث والتثبت ونبذ الخطابات التي من شأنها إثارة الفتن والقلاقل، وكان هذا البيان مع الأسف فرصة للذين لا يجدون ذواتهم إلا في سب وشتم العلماء المسالمين والذين من المؤكد أن لديهم من التبحر في الدين ما يبررون به فتاويهم والتي لا يتكئون فيها إلا على المحجة البيضاء التي تلزم العالِم بالطاعة ولزوم الجماعة والوقوف في وجه الفتنة، إضافة إلى الفهم السليم لمقتضيات الدولة التي ينبغي أن يخضع الجميع لسلطانها ولا يقابل ظلمها لمواطنيها ـ إن تم ـ بالخروج والعصيان، وظلم الدولة قد يقع وهو كثير إلا أن الحَكَمَ فيه يبقى دائما هو الدولة والقضاء وليس شيء آخر، هذا هو ما تقتضيه المدنية و الشرع،،! فتَعَرضَ هؤلاء العلماء مع الأسف لموجة شرسة من الهجوم من طرف الغوغاء وحتى من طرف من يحسبون أنفسهم "نخبة" ماتت لديهم بقية أخلاق هذا الشعب وكل قيمه النبيلة التي تحترم الكبير حيث هو، خصوصا إذا كان هذا الكبير عالما شابت ذوائبه في الإسلام، فلم يرعوا في هؤلاء الشيوخ شيخوختهم ولا علمهم ولا شيب رؤوسهم فانهالوا عليهم بالسب والشتم والتجريح والغمز واللمز، رغم أنهم لم يسبوا ولم يجرحوا، وما قالوا إلا ما بدا لهم أنه هو الصواب من مواقعهم العلمية الكبيرة التي يشهد عليها القاصي والداني ممن عافاهم الله من ورم السياسة الخبيث، فيا حسرة على هؤلاء! إن احتقار هذا الخلْف المضيع للقيم للعلماء الأجلاء يؤكد بجلاء أن هذا الخلْف إنما هو نسل للفكر الخارجي الذي كفر علياًّ كرم الله وجهه وازدرى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك الفكر الخارجي الذي كان هو سبب مأساة الإسلام ونكسته، اعتنقه منذ نشأته رجال علماء فصحاء بلغاء وشجعان مظاهرهم جذابة لكن بواطنهم تنطوي على السوء، وإن ذلك الفكر مازال يعيش فينا اليوم ويتستر تحت ألف ستار ويعتنقه من الرجال ما إن رأيتهم حسبتهم من فئة الأنبياء، فالمظاهر خداعة كما يقال،،؛ كل هذه الضجة إذن وما انكشف خلالها من عورات ما كانت لتحدث لولا زج العالم الجليل الددو في قضية سياسية لا جدال أنها كذلك، فلولا تصريحاته لما أخذ الأمر أي زخم، فالتواصليون منذ أسابيع وهم يقصفون بمثل هذا الكلام الفارغ،؛ تارة ولد حدمين يحارب القرآن وتارة النظام يحارب القرآن فلم يجدوا لذلك القصف أية نتيجة لأنه لا يعدو كونه{تعمار اشدوك}، فالقرآن معافى على هذه الأرض ولله الحمد، بل إنه في أزهى عصوره، والكل يشهد على ذلك يرى ويسمع ويلمس، المصاحف الموريتانية بالخط المغربي وبرواية ورش عن نافع تزخر بها المساجد والمنازل بعد أن كانت عالة على المصاحف المشرقية برواياتها وخطوطها، وإذاعة القرآن الكريم تشنف مسامع حتى ركاب العيس في القفار وركاب السيارات في الحضر، وقناة المحظرة التي جسدت المحظرة الشنقيطية بفطرتها السليمة وبموسوعيتها واعتدال منهجها تجاوز تدريسها الموريتانيين إلى المسلمين في كل أرجاء المعمورة، والإعانات التي أصبحت تجري على المحاظر بعد أن كانت في عزلة وجفاء، و الرواتب التي أصبحت جارية للأئمة والإعانات الغذائية التي تصلهم كل رمضان بعد أن كانوا ممنوعين من بيت مال المسلمين، والترحيب بالدعاة إلى الله أينما  حلوا وتسهيل تحركاتهم ومؤتمراتهم بعد أن كانوا مضايقين مضطهدين، وترخيص المراكز والمعاهد الدينية والقرآنية التي كان أصحابها "إرهابيون" في عهد "الحليف" مديرا لأمن الدولة؛! الحقيقة أنها مزايدة ومزايدة مفضوحة و الحقيقة الكبرى أن القرآن لم يجد من الاهتمام منذ إنشاء الدولة ما يجد اليوم في عهد هذا النظام، ومن لا يحمد القليل لا يحمد الكثير، فاليتوقف المرجفون عن الأراجيف الباطلة المكشوفة واليُخرجوا القرآن من فقاعات استفزازهم السياسية الوسخة، فالقرآن طاهر، وعلى هذه الأرض سيظل مصون،.

إن هذه القضية اختلط فيها السياسي بالديني والخبيث بالطيب، ومن أجل ميز السياسي فيها عن الديني والخبيث عن الطيب فإني أقترح على السيد الرئيس استدعاء فضيلة الشيخ الددو لمناقشة الموضوع بكل صراحة، ففضيلة الشيخ ليس عدوا للوطن، والسيد الرئيس ليس عدوا للقرآن، والرئيس بحاجة إلى النصح وفضيلة الشيخ ناصح أمين، وإذا لم يفعل الرئيس ذلك فإني أتوجه بالاقتراح إلى فضيلة الشيخ، أن يطلب لقاء الرئيس، فهو وجيه في الدنيا وفي الآخرة إن شاء الله، ولا أظن أن الرئيس سيرفض لقاء فضيلة الشيخ فيشرح له الموضوع ويستمع منه إلى ما عنده، فربما عند الرئيس من مقتضيات السلطة والحكم ما ليس عند فضيلة الشيخ دراية به، وربما عند فضيلة الشيخ عن هذا الموضوع بالذات ما لم يكن في حسبان الرئيس، وعلى كل حال فإن الرجلين سيخرجان من لقائهما وقد تميز السياسي في القضية عن الديني والخبيث منها عن الطيب، و تنتهي هذه القضية دون أن يخطئ أي من الرجلين في حق الآخر فهما أكبر من ذلك، ويُسحب البساط من تحت أقدام الساسة ليبحثوا عن قضية أخرى لاستفزاز النظام لا يتضرر منها الدين ولا العلماء، كل هذا لأني من المصرين على عدم إعطاء فضيلة الشيخ للإخوان المسلمين، ففضيلة الشيخ لنا جميعا ـ أو هكذا ينبغي ـ مسلمين و إخوان مسلمين.