الترحيل.. معاقل القهر والتهميش وخرق القانون (صور)

اثنين, 2016-01-11 02:36

باتت أحياء الترحيل الجديدة داخل العاصمة نواكشوط شبة مقاطعة مستقلة، رغم أن التقطيع الإدارى المعمول به فى الوقت الراهن قسمها إلى ثلاثة أجزاء، لكل مقاطعة من جوارها نصيب غير منقوص.

أكثر من 100 ألف نسمة يعيشون داخل مساكن متواضعة، مع انعدام كامل لكل ظروف العيش الكريم، وارتفاع مذهل لأسعار المياه خلال الأشهر الأخيرة بفعل توقف الشركة المزودة للمياه عن ضخ الماء فى الحاويات المتناثرة، والتى باتت مجرد معالم قديمة يرجع إليها الوافدون الجدد لمعرفة المنازل ، ويلعب بها الأطفال وقت الظهيرة.

داخل الترحيل ثلاث مفوضيات للشرطة، ولاوجود لحاكم أو مستشار أو مدير ، فالدولة العميقة منشغلة بالأحياء "العصرية" ومشاكلها، بينما تدار مشكل الترحيل فى الغالب من طرف وكلاء الشرطة غير متفرغين ،وشيوخ الأحياء المتاجرين بالكتل الانتخابية، وبعض حليقى الرؤوس، ممن باتوا أسياد المنطقة فى الليل، ومصدر ازعاج لقاطنيها فى النهار.

 

ساهمت بعض الشوارع فى فك العزلة عن أحياء الترحيل، وساهمت مراكز "قندهار" و"ترحيل سيدي ولد الشيخ عبد الله" و"شارع المختار ولد داداه" فى توفير خدمات صحية محدودة لطالبها وهم كثر، لكن لاتزال أحياء أخرى واسعة مقطوعة عن العالم الخارجى، بفعل غياب الشوارع وصعوبة المنطقة الوعرة، وانعدام المياه والمتاجر والنقاط الصحية فيها، بل إن أكثر ما يؤرق ساكنيها هو حمل المرضى بشكل دائم على ظهور الحمير وفى أوقات متأخرة لتفادي الأسوء واعتمادهم على سياسة الأبواب المفتوحة لضبط الأمن والتدخل عند الحاجة، فى ظل وجود خمسة وكلاء بكل مفوضية على اكثر تقدير.

 

خلال زيارة قصيرة قمنا بها اليوم لكزرة الشباب ( أبرز مظاهر انهيار الإدارة المحلية أمام الضغوط)، كانت الصور صادمة، والآلام حاضرة، لقد احترقت ثلاثة أعرشة أمامنا دفعة واحدة، وسط صراخ الأطفال والنساء، بينما كانت الحماية المدنية المتمركزة على بعد 3 كلم من الحريق عاجزة عن الوصول إلى مكانه بفعل غياب أي طرق فرعية يمكن استعمالها أوقات الحاجة، لقد كانت لحظة شعور بالمرارة لاتقاوم، وكان اندفاع رجال الحى إلى اللهب للسيطرة عليه، كافيا لإشعار الجميع بفقدان الأمل فى الدولة، رغم الخطب الرنانة والوعود التى استمعوا إليها قبل سنتين فقط فى مهرجان مهيب بأقرب الملاعب للترحيل.

 

تقول الحكومة إنها قررت منع أي كتل جديدة، وإن سياستها الأخيرة فى مجال الإسكان تعتمد توفير قطعة أرضية لكل أسرة ، مع منع أي احتلال غير مشروع للأراضي، لكن الإدارة الإقليمية وقفت عاجزة أو متواطئة وهي تشاهد الآلاف يجتاحون الترحيل، ويحتلون مساكن الغير، و الساحات العمومية، لقد تحول أول أحياء الترحيل وأقربها للمجال الحضري إلى أهم حي عشوائي بنواكشوط خلال العشرية الأخيرة.

لم يزر وزير الإسكان سيدي ولد الزين المنطقة منذ تعيينه، ولم تشغل والى نواكشوط الجنوبية آهات المعذبين فيها،ولم تستطع القوى الأمنية وضع حد لبؤرة باتت تفرخ الجريمة بشكل غير مسبوق فى تاريخ المنطقة كما يقول السكان.

لامجال للثقافة رغم وجود دار لها فى المنطقة معطلة، وتعتمد الحياة الثقافية على مواعظ يقدمها بعض الأئمة بعد كل صلاة،لقد باتوا رسل سلام ينثرون الحب بين الناس، ويحاولون لملمة جراح مجتمع يحمل آلام الماضى ويعيش الحرمان فى الحاضر، ويسير أموره من دولة، ويصنع مستقبله خارج الأطر المتعارف عليها، إنها "إمارة الفوضى" تنمو بشكل متدرج ومدروس داخل العاصمة نواكشوط.

 

ويعانى سكان الترحيل من أزمة نقل خانقة، وقد تضاعفت مأساة عماله بعد تعطل الباص الوحيد الذي كان يتولى نقل الشغيلة إلى ميناء نواكشوط، بينما تحاول وزارة التهذيب مواجهة التحدى الذي فرضته الحياة الجديدة داخل الحى بتوفير بعض المدارس واحتواء الطلب المتزايد على الدراسة عبر بناء مدارس جديدة، رغم أنها لاتزال عاجزة عن فتح اعداديات جديدة داخل الأحياء لمنع تسرب الأطفال أو لاتمتلك رؤية لفعل ذلك..

 لقد بدت الحاجة ماسة ولكن من يحس أحاسيس السكان؟

المصدر زهرة شنقيط