البنوك الأوروبية تتردد في العودة لإيران خشية التعرض لعقوبات أمريكية

خميس, 2016-02-04 21:34

تتدافع الشركات الغربية للعودة إلى إيران بعد رفع العقوبات عنها والحصول على حصة من فرص الأعمال، إلا ان البنوك الأوروبية، التي لا تزال تعاني من وطأة الغرامات التي فرضتها واشنطن بسبب ما اعتبرته خرقا للعقوبات، تتريث في انتظار تطمينات بان تعاملاتها ستكون في أمان.
وذكر مصدر في بنك فرنسي بارز طلب عدم الكشف عن هويته «رغم رفع العقوبات إلا ان الأمور لا تزال غير واضحة».
وأضاف ان التفسيرات الأمريكية والفرنسية للوضع الحالي «ليست متناسقة (…) لن نقوم باي مبادرة في هذا الشان».
وخرجت إيران من الجمود الدبلوماسي العميق بعد التوصل إلى الاتفاق النووي مع القوى العالمية ما فتح الابواب امام مجموعة من الشراكات الجديدة الواعدة. ورحبت فرنسا بهذا العهد الجديد، واستقبلت الرئيس الإيراني، حسن روحاني، الذي ابرم عددا من الاتفاقيات الاسبوع الماضي اثناء زيارة إلى باريس ابرزها اتفاق لشراء 118 طائرة من صنع «غيرباص».
ولكن عندما يتعلق الامر بالقطاع المالي، الذي لا يمكن لعجلة الأعمال ان تبدأ بالدوران من دونه، تسود حالة من التردد على الأقل لدى البنوك الأوروبية. وقال فرهاد علوي، المحامي المتخصص في الشؤون التجارية ومن بينها العقوبات، ان «الغرامات الكبيرة التي فرضت على هذه المؤسسات المالية خلال فترة العقوبات، جعلتها قلقة بشكل خاص».
واضاف ان «البنوك الأوروبية تواجه ليس فقط خطر فرض عقوبات عليها، ولكن كذلك التعرض لملاحقات بموجب القوانين والممارسات المصرفية العالمية».
والحذر هو السائد بين المصرفيين الذي لم ينسوا بعد العقوبات الضخمة التي فرضتها عليهم واشنطن.
وتقول الرئاسة الفرنسية ان فرنسا وافقت على اتفاقيات مع الجمهورية الإسلامية تزيد قيمتها عن 15 مليار دولار. إلا ان تفاصيل هذه الاستثمارات وكيفية تمويلها يتطلب تدخلا مباشرا من البنوك.
وفي الماضي عندما تصرفت البنوك في صفقات متعلقة بطهران، فرضت عليها واشنطن عقوبات باهظة لانتهاكها نظام العقوبات القديم.
ومن أبرز الأمثلة الغرامة الباهظة وقدرها 8,9 مليارات دولار التي فرضت على بنك «بي.إن.بي/باريبا» في العام 2014.
وتقلق هذه القضية كذلك المصرفيين في دول أوروبية أخرى، من بينها المانيا، حيث دفع بنك «دويتشه» العملاق غرامة قدرها 258 مليون دولار في تشرين الثاني/نوفمبر، لإتمامه عمليات مالية مع كيانات كانت خاضعة لعقوبات أمريكية، ومن بينها إيران وسوريا.
وقال المتحدث باسم البنك «لقد لاحظ بنك دويتشه تخفيف العقوبات الأمريكية والأوروبية المفروضة على إيران (..) الا ان المجموعة ستبقى على قرارها ولن تقوم باية اعمال مرتبطة بإيران حتى اشعار اخر».

 استمرار حالة عدم التيقن 

قال ايف تييو دو سيلغي، نائب رئيس مجلس ادارة «ميديف انترناشونال»، التي تقوم بعمليات الاتصال بين القطاع الخاص لحساب كيانات مثل البنك الدولي وغيره من بنوك التنمية والمنظمات الدولية «تسود حالة من عدم اليقين في القطاع المصرفي».
وصرح دو سيلغي لاذاعة «فرانس انفو» الأسبوع الماضي انه رغم ان واشنطن رفعت العقوبات المتعلقة بالملف النووي الا ان اجراءات أمريكية اخرى – خاصة المتعلقة بالقضاء على تمويل الإرهاب – لا تزال قائمة.
وقال وزير الدولة الفرنسي لشؤون التجارة الخارجية، ماتياس فيكل، الخميس الماضي انه طلب «توضيحا» من واشنطن حول رفع شروط العقوبات والجدول الزمني لذلك.
ويتعين على مكتب ضبط الأصول الخارجية، الذي يشرف على تطبيق العقوبات والتابع لوزارة الخزينة الأمريكية، توفير المعلومات.
ويعتقد تيري كوفيل، من مركز الابحاث الفرنسي للدراسات الدولية والاستراتيجية، ان واشنطن سعيدة باستمرار حالة عدم اليقين.
واوضح أنه «ربما تكون سياسة أمريكية مقصودة القول +كونوا حذرين، الوضع معقد+ حتى لا يفهم الناس ما يجري ويعتقدون ان العقوبات لا تزال مفروضة».
واضاف «من الناحية القانونية يمكن للبنوك ان تقوم ببعض الامور» إلا انها لا تزال تحتاج إلى «جميع التطمينات الممكنة قبل ان تعود إلى إيران».
واوضح «ان ما فعله بنك بي.إن.بي/باريبا ليس امرا غير قانوني في الحقيقة» ،لا ان واشنطن «لا تزال لديها سبل للضغط على البنوك».
وحتى لو كان البعض مستعدا للعودة إلى السوق الإيرانية، فان البنوك لم تكشف عن نواياها بعد.
وقال كوفيل «لا افهم كيف يمكن لمجموعات كبيرة ان تبرم عقودا دون وجود الدعم المالي».
ويعتقد باسكال دي ليما، كبير الاقتصاديين في مجموعة «سيل» الاقتصادية، انه تتوفر في إيران العديد من الفرص، إلا انها لا تزال «بلدا عالي المخاطر» بسبب «الوضع الجيوسياسي مع إسرائيل». وأضاف ان «ثقة البنوك ضعفت بسبب العقوبات على بنك باريبا».
وفي مسعى للطمأنة كشفت باريس يوم الثلاثاء من الأسبوع الماضي عن اتفاق يقدم ضمانات حكومية لدعم الاستثمارات الفرنسية في إيران من خلال شركة «كوفيس» لإدارة الإئتمانات، لتغطية أية مخاطر بعدم تسديد المبالغ.
وأكد فيكل كذلك على ان فرنسا شكلت فرقا من الخبراء في العقوبات تعمل في وزارتي الخزينة والخارجية، لمعالجة الأسئلة التي ربما تكون لدى الشركات فيما يتعلق بقانونية عملياتها في إيران، وما اذا كانت تتوافق مع القانون الأمريكي.
ورغم ذلك إلا ان كوفيل اعرب عن اسفه للخطأ الاستراتيجي «الذي يتم دفع ثمنه الان»، وهو السماح لمكتب ضبط الاصول الخارجية الأمريكي بممارسة «ضغوط مباشرة على البنوك الأوروبية» فيما يتعلق بالعودة إلى إيران.
واضاف «من الناحية السياسية هذا أمر مؤسف بالنسبة للأوروبيين. هذا سلاح مالي وجيوسياسي لن تتوانى واشنطن عن استخدامه مجددا في ظروف اخرى».