من أجل إنشاء ساحة الجمهورية بانواكشوط

خميس, 2016-02-11 16:57

بقلم  ذ/ محمد سالم ولد عبد الله الكوري

محام لدى المحاكم

حاصل على الماستر II في الشريعة والقانون 

من جامعة شنقيط العصرية

تعود فكرة هذا المقال إلى سنة 2009 حيث شاهدت  في عدة شوارع من نواكشوط منصات ترويجية ملونة لمباني شاهقة وعمارات عالية  تمثل تخيلا معماريا لوسط مدينة انواكشوط، حاول مصمم تلك المخططات المثبتة على المنصات أن يقنع المشاهدين - ومنهم كاتب هذه السطور- بأن تصميم المباني المذكورة  يمثل الواقع  وذلك عندما  أبرز المصمم في خلفية اللوحة منارة  المسجد السعودي  كما هي في الوقت الحالي.

إن تلك التصاميم والمنصات وبغض النظر عن جمالها الفني  واتقان المصمم للرسوم المثبتة عليها،  فإنها تشكل  طموح غالبية المواطنين لشكل ومستقبل عاصمتهم، ومعروف أن أكثر  الإنجازات الهندسية روعة وجمالا تبدأ في الخيال ثم تتحول إلى فكرة  يلي ذلك تجسيد  المخطط على أرض الواقع فيتم حفر الأساس، ويرتفع البناء، ثم يكتمل  بإنجاز اللمسات الأخيرة.

 ثم تنطلق مرحلة لا تقل أهمية عن تخيل الفكرة وإنجازها، وهي مرحلة المتابعة، والصيانة، التي يعجز عن بلوغها الكثير من المجتمعات المتخلفة  فيتعرض الجهد الفكري والمادي للضياع، وتحرم الأجيال اللاحقة من تراكم منجزات الأجيال السابقة.

وفي سنة 2016 داهمتني هذه الخواطر عندما كنت أتابع إحدى نشرات الأخبار وهي تستعرض تعليقا مصورا  يظهر مخططا هندسيا لجسر دوار في ملتقى طرق مادريد.

وخلاصة تلك الخواطر أو اللمحات الإعلامية للمشهد العمراني لمدينة نواكشوط تصب في فكرة واحدة مفادها أن بناء مدينة عصرية تؤدي وظيفة العاصمة السياسية، تتطلب تضافر الجهد الهندسي المعماري مع الجهد المالي، للتمويل فضلا عن الجهد الثقافي، الذي يضفي مسحة على المشروع تنقله من مجرد خلط الاسمنت مع الخرسانة والتنفيذ طبقا للتصاميم لكن الحاجيات المادية والروحية للإنسان  تشكل بذلك فضاء يحترم خصوصية السكان وتاريخهم ويخلق جوا من الألفة بين السكان  والمكان  ومتى تم نسج  هذه العلاقة بين السكان  والمكان فإن علاقة  الحنين والحب تنشأ ويساعد ذلك على خلق إرادة العيش المشترك بين مختلف المواطنين من مختلف العناصر والفئات. 

إن علاقة الحب بين السكان والمكان تنجم عنها نتيجة أخرى أكبر أهمية والحاجة إليها أكثر مساسا في هذا العصر وهذه النتيجة: هي أن مشاعر العدوانيةاتجاه الغير تقل ويرتفع منسوب الإنسانية في عقول وقلوب  السكان فيقل العنف، وينتشر الاحترام، والتعاون، بين المقيمين، وللوصول إلى هذه النتائج الهامة  فإني أدعو أصحاب القرار على تخصيص موقع وسط العاصمة يعرف "بساحة الجمهورية" يكون مكانا للنفع العام  ومقصدا لسكان العاصمة، على أن يعلن قبل افتتاحه عن مسابقة بين الفنانين التشكيليين والمهندسين المعماريين لإعداد تصور للتصميم النهائي للساحة بحيث يمكن ذلك التصميم من تشييد نصب تذكارية للأحداث الهامة التي توحد الموريتانيين مثل:

  • إعلان الإستقلال 28 نوفمبر 1960
  • تأميم شركة ميفرما سنة 1974
  • سك العملة الوطنية
  • دعم الهوية الثقافية بالنص على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية  وأن اللغات الوطنية هي: العربية والبولارية والسونكية والولفية. المادة (6) من الدستور الموريتاني لسنة 1991.

 

كما يمكن إضافة أحداث أخرى أو طموحات توحد الموريتانيين في الأمل على غرار وحدتهم في رفع التحديات  والمخاطر المختلفة وتمسكهم بالقيم التي تجسد تلك الأحداث والطموحات  في لوحات ملونة مختلفة من قبيل:

 

  1. الوحدة الوطنية والتضامن بين مكونات الشعب من العنصر العربي والإفريقي
  2. الانسجام والتعاون بدل التنافر والصراع بين فئات المجتمع المختلفة (الحراطين، لمعلمين، إيكاون) وذلك عن طريق التوزيع العادل للثروة، وفرص التعليم، والمساواة أمام القضاء.

 

وكخلاصة فإن الإعلان عن "إنشاء ساحة للجمهورية" بانواكشوط ترمي إلى إشاعة قيم الجمهورية التي لخصها الموريتانيين في شعار " الشرف – الأخوة – العدل"، فلو أن النشء والبالغين ترسخت هذه القيم في عقولهم  وقلوبهم لما أنفقت الدولة على حملات  إعلامية ومتابعات قضائية  للوقوف في وجه الفساد الإداري والمالي لأن هذه المسلكيات منافية لقيم (الشرف)، ولو أن نفس الفئات الاجتماعية ترسخت فيها قيم (الأخوة)  لما كان هناك  مجال للدعاية العنصرية وللتمييز بين الأبيض، والأسود أو بين الفئات الاجتماعية: امعلم، إيكيو، رقيق سابق)، وستكون ساحة الجمهورية فضاء لتلاقى العائلات الموريتانية  من جميع فئات المجتمع ليتجاوز "التعايش المشترك" مرحلة الرغبة الأخلاقية المجردة إلى مرحلة التصرف السلوكي الذي تحميه منظومة قانونية تتضمن جزاءا رادعا على كل اعتداء على إرادة العيش المشترك بين المواطنين الموريتانيين.

إن الفقيه الفرنسي في القانون الدستوري (ديكوي) يعتبر أن إرادة العيش المشترك  من شروط القول  بوجود الدولة، وأن من وظائف الدولة الدفاع عن هذه الإرادة وخلقها وتنميتها بين أفراد الشعب الذي يعتبر المكون الرئيسي للدولة: الإقليم- الشعب – السلطة.

إن ساحة الجمهورية يمكن أن تتحول إلى معرض للأفكار  التي تعود بالخير على المواطنين من قبيل الأفكار المتعلقة بالتنمية المستديمة والمحافظة على البيئة ، فيمكن عرض تصاميم صديقة للبيئة تكون نموذجا لبناء المدن الخضراء، التي ستكون هي مدن المستقبل، ويمكن  كذلك عرض تصاميم لمحطات لتوليد الطاقة المتجددة، وتشكل ساحة الجمهورية مكانا ملهما للسكان  للاستفادة من التجارب الإيجابية في مجال التنمية المستديمة مثل : بناء محطات الطاقة المتجددة والبيوت الخضراء.

إن لقاء العائلات القاطنة في نواكشوط  صحبة أطفالهم  وتقاسم اللحظات الممتعة وتبادل الرأي وتقوية الاتصال يقوي الثقة بين الأفراد ويحقق أحد مقاصد الشريعة الإسلامية من التجمع البشري مصداقا لقوله تعالى : "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى  وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا  إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير". صدق الله العظيم.