في الترحيل : مهن الفقر ملاذ العاطلين

خميس, 2016-02-18 08:38

الشاب ولد سيدي لم يجد سوى العمل في منفذ لبيع السمك

يسابق البائع عبد الله ولد سيدي الوقت لجمع آخر رزم الخضروات من على طاولة العرض التي افتتحها قبل أشهر عند تقاطع 16 بترحيل الرياض ، إنه يتهيأ للعودة إلى مسكن أسرته بالرياض بعد يوم شاق عادة ما يبدأ ما قبل طلوع الفجر ..

 

على بعد أمتار قليلة تتراض مساكن المرحلين من كبة الوارف بعدما أصبح لكل أسرة منزل مستقل مسور وبه بيت من الاسمنت ومرحاض لكن دون أي أثر لخدمات المياه والكهرباء مما يجعل المكان أشبه بإحدى قرى الريف.

يدرك ولد سيدي أن عليه الآن ترك المكان بعد ما انتصف النهار وتراجع الطلب على بضاعته المزجاة من الخضروات وسمك "الياي بوي" الرخيص والذي زاد الإقبال عليه بسبب غلاء اللحوم الحمراء يعلق البائع وهو يشير إلى قطع الخضروات التي لا زالت على طاولة العرض والتي تباع الواحدة منها ب40-50أوقية، فلا حاجة هنا إلى الموازين ووحدات الكيل المعهودة بل هنا تزدهر تجارة التجزئة والتقسيط لمجارة قوة شرائية لا تكف عن التدهور يوما بعد آخر.

يبيع ولد سيدي سمكة اليابوي ب60أوقية لكن السمك من نوعيات "كبارو" وزول فيشتريها ب800أوقية ليضيف تكلفة المواصلات 400أوقية والثلج 200أوقية وهامش الربح الطفيف حتى لا يثقل كواهل جيرانه المثقلة أصلا بهموم الغلاء والفقر.

باصمبا يشكو أوضاع المعاقين

باصمبا يشكو أوضاع المعاقين

على بعد أمتار من طاولة البيع يعيش باصمبا آدما مع أسرته في أكواخ خشب وأعرشة جرى تسوريها بالحطب والأسلاك والحبال .

 

كان من أوائل النازحين إلى الترحيل هروبا من طفح مياه المطر والمياه الجوفية في السبخة وذلك إلى جانب عشرات الأسر التي استقرت بالمكان حتى قبل وصول مرحلي الورف بسنوات ومع ذلك لا زالوا يعيشون ظروفا صعبة لدرجة أن الكثيرين منهم لم يستطيعوا تأمين مجرد بيت من الاسمنت لإيواء أطفالهم.

يقول آدما المعوق حركيا ويعيش على تطريز وحياكة جيوب الملابس إن السلطات لا تهتم لمعاناة المعوقين ولم تستجب لمطالبهم بتوفير قروض ميسرة للقادرين على العمل منهم، كما لم تسعف هؤلاء الجمعيات الحكومية التي تدعي حمايتهم والدفاع عن مصالحهم!

يشكو آدما ظروف الفقر التي جعلت أسرته تعيش على شفا المجاعة كما يقول :"فيوما يأكلون ويوما لا يجدون" لكن غياب الأمن وشح المياه والغلاء هي الأكثر حضورا في قائمة همومه المترعة بالألم والمعاناة.

 

ولد يحي العمل في المياه أفضل من البطالة

ولد يحي العمل في المياه أفضل من البطالة

في مكان آخر وعلى نفس الطريق المتفرع من شارع المختار ولد داداه يعمل يحي ولد علي كمسير لإحدى الحنفيات عمل لم يجد غيره كما يقول رغم أنه لا يحصل منه سوى على 20ألف أوقية نهاية كل شهر لكنه أفضل من البطالة .وعلى غرار تجارة التجزئة فإن بيع المياه بالبراميل 200لتر أو 20لترات يجني منه الملاك والموزعون مبالغ طائلة على أكتاف الفقراء والمحرومين فشركة المياه تبيع الطن لصاحب الحنفية ب90أوقية ليبيعه الأخير بحساب 250 أوقية لموزعي عربات الحمير وهؤلاء يبيعون البرميل 200لتر فقط(الطن خمسة براميل) ب 300أوقية في أيام الشتاء أما البراميل الصغيرة 20 لترا فتباع ب50أوقية.

 

ومع ذلك فالمسير يضمن سداد أي زيادة في فاتورة الاستهلاك كما يقول ولد علي.

 

على نفس الشارع وعلى رأسه كان الشاب عمر كابي يحمل عارضة خشبية مهترئة تراصت فوقها بإحكام قطع خبز الحطب كان في آخر جولة له بين بيوتات الحي الفقير ومع ذلك فمعروضاته لم تلق الرواج المنشود هذا المساء.

كابي وبيع خبز الحطب لإعالة أبويه الفقيرين

كابي وبيع خبز الحطب لإعالة أبويه الفقيرين

لم يجد الشاب كابي أي عمل غير بيع الخبز التقليدي حيث يحصل على 30أوقية عن كل خبزة يبيعها لكن المشكل في قلة البيع وتدني رواج مثل هذه المخبوزات مع توفر الخبز الكهربائي وبنفس التسعيرة.

 

لذا فإن قصارى جهده أن يبيع 60خبزة في جولاته الثلاث بين أحياء الترحيل المهمشة.

مهن غير مصنفة عديدة يبدع فقراء الترحيل في اتخاذها ملاذا من البطالة وهروبا من شبح الفقر لكن ما يختزلها جميعا كونها على حساب هؤلاء ولزيادة أعباء الحياة عليهم سواء أكانت منفذا صغيرا لبيع السمك والخضروات أو مشروعا لبيع المياه أو بائعا متجولا لتوزيع مخبوزات الحطب فهي كلها مهن يغذيها الفقر وتقتات على جيوب فارغة.

 

المصــــــــــــدر