الانتقادات الروسية الشرسة لتصريحات الاسد.. هل هي بوادر خلاف .. ام انها “مناورة” محسوبة؟

جمعة, 2016-02-19 22:00

 

ما وراء هذه الانتقادات الروسية الشرسة لتصريحات الرئيس الاسد الاخيرة؟ هل هناك خلاف حقيقي بين الحليفين.. ام انها “مناورة” محسوبة؟ ولماذا يكثر الحديث الروسي الآن عن الالتزام بوحدة الاراضي السورية؟

 

 

 

المسؤولون الروس لا يطلقون التصريحات حول قضايا او ازمات دون ان تكون محسوبة بعناية فائقة، وبعد التشاور مع قيادتهم بشكل مسبق، فأبواب الاجتهاد الشخصي مغلقة، وممنوع منعا باتا الولوج اليها، ومن هذا المنطلق يمكن التعاطي مع التصريحات التي صدرت وتضمنت انتقادا واضحا، وصريحا لمواقف ادلى بها الرئيس السوري بشار الاسد، اعرب فيها بشكل مباشر عن رفضه لاي اتفاق “هدنة”، واستمراره في الحرب على “الارهاب” دون هوادة حتى تحقيق النصر.

اللقاء الذي عقده الرئيس الاسد مع مجلس نقابة الصحافيين قبل يومين، واكد فيه انه ليس امام بلاده غير خيار واحد وهو الانتصار في الحرب، واستعادة الاراضي كاملة كان مفاجئا للقيادة الروسية فيما يبدو، واوقعها في حرج كبير خاصة وانها تنخرط في حوار مع واشنطن لاحياء العملية السياسية للوصول الى حل سياسي يبدأ بالاتفاق على هدنة.

مسؤولان روسيان انبريا للرد على الرئيس الاسد، وفي موقعين مختلفين، وفي يومين متتالين، الاول هو ديمتري بيسكوف، الناطق الصحافي باسم الرئيس فلاديمير بوتين، والثاني هو فيتالي تشوركين، مندوب روسيا الدائم في الامم المتحدة.

الاول، اي بيسكوف، كان دبلوماسيا، اختار كلماته بعناية عندما قال “يهتم الجميع وبينهم روسيا بالحفاظ على وحدة اراضي الدول كافة، وبينها سورية، واكد الجميع بما فيهم بوتين انه لا بديل عن التسوية السياسية لحل الازمة السورية”، ولكنه وازن كلماته هذه عندما اضاف “ان تسوية الازمة السورية تتطلب الحاق الهزيمة بالارهاب”.

الثاني تشوركين، كان اقل دبلوماسية واكثر “صقورية” عندما اعتبر ان تصريحات الرئيس الاسد لا تنسجم مع جهود روسيا الدبلوماسية، وقال “ان روسيا انخرطت بجدية كبرى في الازمة سياسيا ودبلوماسيا، والآن عسكريا، ونريد بالتالي ان يأخذ الاسد ذلك في عين الاعتبار”.

فهل هذا التباين في المواقف يعكس خلافا بين الحليفين الروسي والسوري، اضطر كل طرف الى اخراجه الى العلن، لايصال رسائل مباشرة، او غير مباشرة، للطرف الآخر.

هناك تفسيران لهذا الخلاف ومستقبله، وما يمكن ان يترتب عليه من تطورات:

  • الاول: ان يكون هذا الخلاف “شكليا” القصد منه محاولة امتصاص نقمة امريكية، وانقاذ مسيرة الحل السياسي من الانهيار الكامل، وتجنب استفزاز الادارة الامريكية التي تنسق بشكل جيد مع “شريكها” الروسي في العملية السياسية.
  • الثاني: ان يكون هذا الخلاف جديا فعلا، وناجم عن ادراك الرئيس الاسد بأن حليفه الروسي يريد فرض حل سياسي سلمي عليه، يبدأ بوقف اطلاق النار في وقت تحقق فيه القوات السورية تقدما على الارض بغطاء روسي، وتوشك على استعادة معظم محافظة حلب وريفها، والسيطرة على المعابر الحدودية مع تركيا، الامر الذي يتعارض مع الرؤية الروسية الرسمية.

 

من الصعب الانحياز الى اي من التفسيرين بسبب الشح في المعلومات، وطبيعة النظامين في موسكو ودمشق، وميلهما الى التكتم اولا، ونظرا للتضارب في المصالح ودخول اطراف اخرى، اقليمية ودولية في حلبة اللعب، مما يحدث تناقضا في الآراء والتوجهات والخطط السياسية والعسكرية ثانيا.

لا نعتقد، مع كل الاحترام لكل التوقعات الاخرى، ان الخلاف على درجة كبيرة من الجدية والخطورة بين القيادتين الروسية والسورية، لان مثل هذا الخلاف، وان وجد فعلا، وفي مثل هذه الظروف، التي تميل فيها الكفة في الميدانين السياسي والعسكري لصالحهما على صعيد الازمة السورية، يظل “عابرا”، وربما يهدف اظهاره العلني الى امتصاص اي حرج لحق بالولايات المتحدة التي تواجه ازمة ثقة مع حلفائها في تركيا والخليج بسبب عدم تدخلها بشكل قوي عسكريا وسياسيا على غرار “شريكها”، ولعدم كشف الحقيقة الثابتة حاليا وهي تقدم الحل العسكري باشواط على الحل السياسي بالنسبة الى الحليفين الروسي والسوري.

الخلاف اذا تطور، وفي مثل هذا التوقيت، ونحن نستبعد ذلك، سيعني تبخر المكاسب التي تحققت بفعل التنسيق والتشاور بين الطرفين الروسي والسوري، او الجزء الاكبر منها، ولا نعتقد ان الطرفين لا يدركان هذه الحقيقة.

لعل ما اراده المسؤولون الروس القول بشكل غير مباشر للرئيس الاسد ان يلجأ الى “الكتمان” في المرحلة الحالية على الاقل، ولعل ما اراده هو، اي الرئيس الاسد، من تصريحاته المتتالية حول تصعيد الحرب على الارهاب حتى النهاية، التحذير من اي حل سياسي لا يتضمن استعادة جميع الاراضي السورية، والرفض المطلق لاي مناطق عازلة، او مناطق حكم ذاتي للاكراد على المدى البعيد، رغم انهم يقفون في خندقه في الوقت الراهن، وهذا ما يفسر تأكيد ديمتري باسكوف بأن روسيا مهتمه بالحفاظ على وحدة اراضي كافة الدول في المنطقة، بما فيها سورية.

وراء الأكمة الشيء الكثير، ولا نملك الا الانتظار حتى ينقشع غبار هذه “الحرب الكلامية” بين الحليفين التي تخرج عن الاطر والقنوات الدبلوماسية والرسمية المعهودة بين الدول، الحليفة منها خاصة، ولا نعتقد ان انتظارنا، وغيرنا، سيطول.