حول وثيقة "الهدنة" بين موريتانيا وتنظيم القاعدة / بقلم: سيد أحمد ولد ابنيجاره

أربعاء, 2016-03-02 12:58

عندما قرأت الخبر المنشور عن وثيقة مزعومة حصلت عليها المخابرات الأمريكية عام 2011 تتحدث عن خطة لإعداد اتفاق سلام بين تنظيم القاعدة والحكومة الموريتانية.. أدركت أن مخططا كبيرا كان يهيأ لموريتانيا كوجهة مفترضة لتأسيس إمارة تستند إلى المجال الجغرافي الذي تمثله موريتانيا في المنطقة.

لم أنظر إلى الموضوع من زاوية هذا الكشف وهذا الإيحاء السلبي الذي فهم منه.. فالحكومات و هذا ما لم نألفه لا يضيرها الحوار مع أعدائها.. إذا كان الحوار مدروسا استراتيجيا وضروريا.. ولكن الإيحاء في تلقف وسائل الإعلام لهذا الخبر يكشف وكأن موريتانيا كانت تتحاور مع التنظيم الإرهابي من وراء ظهر جيشها وشعبها وهذا هو الأسوء في مضامين هذه الوثيقة المزعومة.

الأمر الثاني الذي استوقفني كمراقب ومهتم بقضايا الإرهاب في المنطقة، هو التوقيت وهنا نطرح السؤال لماذا تم نشر هذا الخبر متزامنا مع مناورات "فلينتلوك" 2016 في موريتانيا والسنغال، وفي وقت تتأهب فيه دول الساحل لتعزيز جبهتها ضد الإرهاب وشبكاته اللوجستية النائمة في هذه الدول؟

الأمر الثالث، الزج باسم "أبو حفص الموريتاني" أحد قيادات القاعدة في عهد بن لادن، و الدعاية التي يراد تمريرها من خلال الإيحاء بالتهويل لـ "القاعدة" مع أن التسويق الإعلامي ل "داعش" جعل القاعدة تفقد بريقها وقوتها وحوّلها في السنوات الأخيرة إلى مجرد خلايا نائمة ومجموعات مطاردة في الحزام الممتد من شمال وشرق إفريقيا وضمن مجموعات منفصلة غير قادرة على المواجهة المنظمة كما كانت في الماضي.

ومع أنني لا أستطيع نفي وجود رغبة لدى تنظيم القاعدة في ذلك الوقت، أي ما بين 2010 و2012، في الحوار مع موريتانيا، وفي أن تكون "القاعدة" قد اقتنعت بضرورة عرض هدنة على الحكومة الموريتانية، إلا أنني أؤكد أن أي هدنة كانت محتملة لم تكن إلا سعيا من التنظيم وكما كان معمولا به في المنطقة، لتأمين ظهره في انتظار مرحلة التمكين.. ضمن مخطط لإقامة إمارة تكون موريتانيا في هذا المخطط قاعدة خلفية ومنطلقا للعمل "الجهادي" ودعما للتجنيد والحشد الشعبي الذي تقوم به أذرع القاعدة في المنطقة من التنظيمات الإسلامية التي تتفق معها في المنهج الفكري.

لقد استطاعت الولايات المتحدة وهذا ما لا يعرفه كثير من الناس، أن تصنع "الإرهاب" وتسوقه و جعلت منه صناعة مفيدة لاقتصادها من خلال بيع السلاح وشن الحروب ونهب ثروات البلدان، وهي في حربها على العالم تدفع ثمن وحشيتها بارتداد الإرهاب عليها والصراع معه أحيانا.

إن الولايات المتحدة بقدرما تعتبر "الإرهاب" اليوم "خطرا" عليها، إلا أنها لا تمانع من وجوده و دعمه لخدمة مصالحها في العالم.. وبالتالي فإن مواجهته تصبح معقدة لتلاقي خيوط المصالح الدولية والإقليمية وتضادها بشأن أهداف هذه الحرب.

إن القول بأن موريتانيا كانت تعتزم إطلاق سجناء القاعدة مقابل الهدنة ودفع فدية سنوية تبلغ 10-20 مليون أورو .. لا يمكن أن يصدقه العقل إلا في حالة واحدة أن تكون هذه الحكومة فاقدة للشرعية أو غير وطنية، و لا يمكننا أن نتهم حكومة تقطع علاقاتها مع الكيان الصهيوني في تلك الفترة وتكون مستعدة لهذا الإتفاق المزعوم.

لكن يمكننا أن نراجع الماضي لنكتشف أن تسليم إيران للقيادي في القاعدة محفوظ ولد الوالد (أبو حفص الموريتاني) لموريتانيا، سنة 2012 تسبب في أزمة عنيفة بين إيران وتنظيم القاعدة الذي اعتبر أن تسليم ولد الوالد “يتناقض مع بنود الاتفاق الذي أبرم بين وزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية وقيادة تنظيم القاعدة في باكستان عام 2009″.

وهذا دليل آخر على أن الحكومة الموريتانية لم تكن في تلك الفترة على توافق مع "القاعدة" التي هي أصلا تكفر الحكومات وتعتبر قتالها واجب شرعي.