المصري وائل غالي : كيف نتحدث عن «تنوير» في مجتمع «توفيقي» لا يجرؤ على الاختيار!

أحد, 2014-07-20 18:41

 ما يمر به المجتمع العربي الآن ربما يوحي بإعادة النظر في مشروعات فكرية وتحديثية عربية حاولت الخروج من نفق الجهل المظلم، ومحاولة اللحاق بركب الحضارة. وعلى مدار عقود كلما أصبحنا في وضع أكثر مأساوية، نسرع لنعيش على تذكر الحالات الاستثنائية التي توحي لنا أننا لم نزل على قيد الحياة، بخلاف وضعنا الحقيقي بأننا منذ زمن لم نكن سوى عالة على الحضارة، وآفة استهلاكية لمنجزاتها التقنية، فهل أصبحنا بالفعل خارج مدار التاريخ، أم أنه من البداية ــ حتى في لحظات شِبه تنويرية ــ كنا نفكر خارج هذا المدار، وكأننا كائنات تسبح في فلكها الخاص؟
فكان لنا هذا الحوار مع «د. وائل غالي»٭ لتوضيح الأمر أكثر وشرح أبعاده ــ الصادمة ــ بعيداً عن الخطابات البلاغية والدعائية التي تروّج لوجهات نظر موهومة، تعد بدورها آفة من آفات الجهل بالواقع وآلياته.
• ما هي أسباب عدم نجاح مشروع/محاولات التنوير في العالم العربي؟
• لأننا منذ البداية فشلنا في تحديد الأهداف، فلم نكن نعرف أهدافنا الحقيقية من وراء ما نفعل، أو نحاول فعله. وينطبق ذلك على المجتمع ككل، سواء المصري والعربي أو الإسلامي. بعبارة أخرى .. لم يكن الهدف هو التنوير فعلاً، وبالتالي لم تكن أهدافاً ثورية حقيقية، ويشهد على هذا ضعف تاريخ الحركة الثورية سواء في مصر أو كافة الأقطار العربية.
وعلى سبيل المثال نجد أن أسماء من مجالات فكرية متباينة مثل .. جمال حمدان/العقاد/حسين فوزي، وغيرهم، كان تركيزهم على استمرارية التاريخ المصري، وليس على الانقطاع في التاريخ، ليس هذا فحسب، بل ويتبارزون على أفضل الوسائل للتدليل على هذا الاستمرار. فشخصية مصر هو حوار حول شخصية الثبات/الاستمرار. وهذا ما يؤكد طبيعة المجتمع المصري، من خلال البحث في مجالات مثل الجغرافيا والنقد والتاريخ، على الترتيب من الأسماء السابق ذكرها. فهناك شبه إجماع من كبار الكتاب على ترسيخ حالة الثبات هذه، أما الثورة الحقيقية فهي «قطيعة» في أساسها.
أما علي عبد الرازق وطه حسين، فهما حالة نادرة، لها امتدادات ظلت محدودة رغم ضجة التأثير.
• هل من الممكن أن نشهد نقداً جريئاً للتراث ومرجعياته التأسيسية، أي نقد النص وعدم الالتفاف والاكتفاء بتأويله؟
• حدث هذا بالفعل من خلال طه حسين وعلي عبد الرازق ــ والأخير أخطر من الأول، لكونه قاضياً شرعياً يبحث عن نظام سياسي حديث من داخل المرجعية الإسلامية ــ وامتدادهما من خلال أمين الخولي ومحمد أحمد خلف الله وسيد القمني، ونصر أبو زيد، ومحاولة مصطفى محمود في كتابه «الله والإنسان»، ومحمد عمارة في مؤلفه عن ابن رشد، قبل السبعينات. إضافة إلى خاد محمد خالد، عبد الرحمن الشرقاوي، وتوفيق الحكيم، وذلك في أعمال محدودة، وليس في جميع مراحل تطورهم الفكري ــ يذكرني كتاب عبد الصبور شاهين «تاريخ القرآن» الذي أنجزه في الستينات، ويعد من أهم مؤلفاته. وللمفارقة أن يصبح شاهين هو أهم خصوم نصر أبو زيد في قضيته الشهيرة! ــ ورغم هذا فالتأثير جد محدود، فـ «قوة الدفع التثبيتية للواقع أقوى بكثير من قوة الدفع التغييرية». فالمناخ المسيطر هو ثقافة العوام وإيديولوجيا العوام، ومُنظّري إيديولوجيا العوام. فالإسلام وأصول الحكم لعلي عبد الرازق صدر عام 1925، و»في الشعر الجاهلي» لطه حسين صدر في العام 1926، وأسس «حسن البنا» جماعته عام 1928. من ناحية أخرى نجد أن طه حسين وجيله تم حجبه تماماً بعد يوليو 1952، إذ تم اعتبار هذا الجيل رمزاً للإقطاع الفكري. فالقاعدة الأعلى هنا أنك في مجتمع محافظ. وكلما ظهرت قفزة أو تجاوز هنا أو هناك، أعاده الواقع كما كان. فالمجتمع هو الذي فشل، وليست النماذج الاستثنائية. مجتمع يستهلك أحدث ثمار الحداثة، ولم يزل تفكيره في كهوف العصور الوسطى، فهو مجتمع «توفيقي» لا يجرؤ على الاختيار.

٭ أ.د. وائل غالي/ أستاذ الفلسفة، ووكيل المعهد العالي
للنقد الفني بأكاديمية الفنون بالقاهرة. من مؤلفاته .. معرفية النص/ابن رشد في مصر/دفاع عبد الرحمن بدوي عن الزمان/الشعر والفكر/ما بعد الاستشراق/نهاية الفلسفة (دراسة في فكر هيجل)

محمد عبد الرحيم