مع سكان واد " امحيرث " في مطلبهم

جمعة, 2016-11-25 07:45

اطلعت على طلب بناء طريق تقدم به سكان وادي " أمحيرث " بولاية آدرار قبل زيارة الرئيس لواديهم ضمن جولته في الولاية، وإن كانت المطالب في مثل هذه المناسبات متشعبة وكثيرة بعضها ملح وبعضها وارد، وبعضها الآخر قد يكون ملحا لكنه غير وارد وغير عملي، كوجود قرية من مائة إلى مائتي أسرة في مكان لا مصادر للماء فيه ولا بالقرب منه، ويطالب سكانها بالماء الشروب الذي ستكون الطريقة الوحيدة لتزويدهم به هي إنفاق مليار أو اثنين من الأوقية لجلب المياه لهم عبر الأنابيب من مسافة مائة أو مائتي كيلومتر! أو مطالبة سكان قرية أخرى مماثلة بفك العزلة عنها أو ربطها بطريق وطني تفصلها عنه عشرات الكيلومترات، أو مطالبتها بمركز صحي أو بمدرسة لا يوجد للدراسة بها سوى عشرة أطفال!

الطلب الذي تقدم به سكان هذا الوادي ليس في اعتقادي من تلك المطالب غير العملية، حيث يطالبون فقط بربطهم بطريق أطار ـ أوجفت الذي لا تفصلهم عنه سوى عشرة كيلومترات، لكنها عشرة كيلومترات صعبة للغاية، إذ أنها جزء من صعوبة طريق أطار ـ أوجفت قبل تعبيده وتسليك ممراته الجبلية الوعرة صعودا إلى " ظهر آدرار " ابتداءا من وادي ترجيت باتجاه أوجفت و العين الصفره التي إذا وصلتها برا، بعد كثير من المشقة، لا تصدق أنك وصلتها برا وإنما تتصور أن مركبة فضائية أنزلتك هناك.. ويحكى أن معلما تم تحويله إليها مرة فرفض الذهاب إليها، فاستدعاه والي الولاية وهدده بأن يلتحق بمكان عمله وإلا فستتم إقالته فقال له: السيد الوالي أنا لن ترغمني " العين الحمره " على الذهاب إلى " العين الصفره " لأصبح " عين بيظه ".. وقد ذلل اليوم الكثير من تلك الصعاب بوصول الطريق إلى مدينة أوجفت وقطعها مراحل متقدمة باتجاه العين الصفره. 

هي إذن عشرة كيلومترات تفصل طريق أطار ـ أوجفت عن هذا الوادي الذي يعتبر أحد أهم أودية الواحات بولاية آدرار وأغزرها وأجودها إنتاجا من التمور، لكنه أيضا من أكثرها وعورة في الطريق قبل مرور طريق أطار ـ أوجفت بالقرب منه، حيث خفف هذا الطريق كثيرا من تلك الوعورة، إلا أن العشرة كيلومترات التي تفصله عن هذا الطريق لا زالت صعبة حيث لا يمكن للسيارة السير عليه، كما عهدته، بأكثر من 20 كيلومتر في الساعة، والواحة والقرية تقعان في منحدر جبلي شديد من الصعب النزول منه والصعود إليه لولا صبر وجلد أولئك السكان.

إن أول ما يخطر ببالنا عند الحديث عن إنشاء الطرق هو استخدام الإسفلت، في الوقت الذي توجد مناطق، ومنها وادي " محيرث " تتوفر بها الحجارة الصالحة لبناء الطرق كتلك التي نستجلبها اليوم من مئات الكيلومترات من آدرار والحوض الغربي ونستخدمها في تبليط بعض الشوارع في العاصمة، ولمعرفتي بسكان تلك المنطقة من خلال عملي معهم في إطار مشروع التنمية الريفية الجماعية ( PDRC ) وما يتميزون به من جد وصبر وجلد وروح جماعية واستعداد للتعاون مع كل من يريد مساعدتهم، فإنني لا أشك في استعدادهم لبناء هذا الطريق بأيديهم وباستخدام الحجارة، إذا خصصت لهم الموارد التي كانت ستنفق في استخدام الإسفلت لو كان هو الذي سيستخدم في تعبيد هذا الطريق،ومساعدتهم فنيا في الجوانب الفنية التي قد لا يكونون على معرفة بها.

وهذه المقاربة، أي استخدام الحجارة في بناء الطرق، يمكن اعتمادها في المناطق التي تتوفر بها هذه المادة، وإذا كان الوفد الرئاسي سيزور بلدية " معدن العرفان " في هذه الولاية، فإن أول ما سيصادفه عند مدخل عاصمة هذه البلدية هو طريق ممهد بالحجارة وبشكل بديع بناه السكان هناك تمهيدا لممر جبلي وعر كان يعيق الوصول إلى قريتهم وواحاتهم. بل ولم لا تُعتمد هذه المقاربة في بناء الطرق الطويلة نسبيا في هذه المناطق كبناء طريق أطارـ شنقيط ـ وادان مثلا باستخدام الحجارة المتوفرة هناك؟ أقول ذلك مع أنني، فنيا ولنقص الخبرة، لا أعرف الفرق في التكاليف بين بناء طريق بالإسفلت وآخر بالحجارة، ولا أعرف كذلك مدى ملاءمة الحجارة لبناء الطرق الطويلة في المناطق مرتفعة الحرارة وأثر ذلك على عجلات السيارات صيفا..

إلا أنه إذا كانت الجوانب الفنية في مثل هذه الطرق الحجرية مأمونة فإننا سننظر هنا للتكاليف من ناحيتين، أثر استخدام الحجارة في بناء الطرق على السكان المحليين من حيث الدخل، إذ سيكونون هم من سيقتلع الحجارة، وهم من سيُقطعها وهم من سينضُدُها على طول الطريق.. أما الناحية الأخرى فهي استدامة هذا النوع من الطرق وصموده أمام العوامل المناخية، حيث إذا تم بناؤه بإتقان ومعايير فنية دقيقة ستتعاقب عليه عدة أجيال، عكس الاسفلت الذي لا يصمد طويلا خصوصا في المناطق الجافة ذاتالحرارة المرتفعة، ومهما كان الوقت الذي سيأخذه بناء هذا النوع من الطرق باعتباره عملايدويا، فإن البدء فيه أفضل من الانتظار إلى حين توفر الموارد لبناء طريق اسفلتي.. أماإذا كانت الحجارة، ماديا وفنيا، غير مناسبة لبناء الطرق الطويلة فعلى الأقل يمكن استخدامها للطرق والممرات القصيرة بالتعاون مع السكان المحليين كحالة سكان " أمحيرث " مثلا..

محمدو ولد البخاري عابدين