طرد الجواسيس الروس: طعنة أوباما الأخيرة في شرعية ترامب؟

أحد, 2017-01-01 18:53

يضرب طرد الولايات المتحدة الأمريكية لخمسة وثلاثين جاسوساً روسياً (وإغلاق مجمعين لعملاء الاستخبارات الروسية وتجميد الأصول المادية لاثنين منهم بتهمة «نشر شفرة قرصنة خبيثة») عدداً من العصافير بحجر واحد، ولكنّ أكبرها سيكون من نصيب الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب الذي سيستلم منصبه خلال ثلاثة أسابيع من الآن.
يتعلّق الأمر بالطبع بالدور الذي لعبه عملاء الاستخبارات هؤلاء في استهداف مؤسسات أمريكية، على رأسها الحزب الديمقراطي الأمريكي ومرشحته للرئاسة هيلاري كلينتون الأمر الذي اعتبر مساهمة من روسيا في دعم انتخاب ترامب الذي أبدى، وما زال، إعجابه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وقد بادله بوتين، ومؤسسات الدولة الروسية الإعجاب فصفّق مجلس النواب الروسي لانتخابه.
الضربة تستهدف أيضا الرئيس الروسي شخصيّاً أيضاً، وهو الذي كان واحداً من ضباط الاستخبارات مثل هؤلاء الذين طردوا، وقد تحدث الرئيس الأمريكي باراك أوباما أنه طلب من نظيره الروسي وقف الهجمات الالكترونية خلال لقاء وجهاً لوجه معه في لقاء معه خلال قمة العشرين في الصين في أيلول (سبتمبر) الماضي.
بعض المسؤولين الأمريكيين، وبينهم رئيس مجلس النواب الأمريكي بول رايان، والسيناتور جون ماكين، رحبوا بالعقوبات «ولو أنها جاءت متأخرة»، لكن آخرين، وبينهم مسؤولون في إدارة الكرملين، أشاروا إلى أن ترامب سيقوم بنقض اجراءات ادارة أوباما ويعيد الجواسيس الروس، وهو أمر سيُفهم، من جهة، كنوع من رد ترامب لهدية بوتين، وسيُعتبر، من جهة أخرى، طعناً دائماً في شرعيّة ترامب.
قرار أوباما الأخير، بهذا المعنى، لا يأتي في الوقت الضائع لأن مفاعيله مرشحة للتفاعل لاحقاً سواء قام ترامب بإلغائه أو لم يفعل، فشرعية ترامب التي تعرضت للتشكيك فيها قد تكون نقطة ارتكاز في خلاف مؤهل للتصاعد بين ترامب والمؤسسات السياسية والأمنية (ناهيك عن المعارضة الشعبية التي ستتزايد بالضرورة ضد سياسات ترامب الإشكالية العديدة)، فرغم هجوم ترامب على وكالة المخابرات الأمريكية بعد تقريرها الذي أكد التدخل التجسسي الروسي، جاء تقرير أكثر تفصيلاً من مكتب التحقيقات الاتحادي (إف بي آي) يكشف المزيد من الحقائق ويثبت هذه الاتهامات للقيادة الروسية، وهو ما كانت قد ذكرته أيضاً وزارة الأمن الداخلي الأمريكي.
أشار أوباما إلى جانب آخر خطير يتعلّق باعتبار ما حصل في الولايات المتحدة الأمريكية أسلوباً يمكن انتهاجه في بلدان ديمقراطية أخرى وقال مسؤولون في إدارته إنه ليس هناك ما يدعو للاعتقاد بأن روسيا ستتوقف عن التدخل في انتخابات الولايات المتحدة أو الدول الأخرى، و»أنهم سيتدخلون في الانتخابات الديمقراطية في دول أخرى بما يشمل بعض حلفائنا الأوروبيين»، والواضح أن فرنسا ستكون أول المرشحين لهذا التدخل، وهي مفارقة كبرى لأن القيادة الروسية، بسيطرتها عمليّاً على السياسة والاقتصاد والشؤون العسكرية والأمنية في بلادها، وكذلك على الإعلام وتضييقها على الديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني، تمنع العالم من التأثير فيها ولكنّها تستغل النظم الديمقراطية للتلاعب بها والانقلاب عليها.
روسيا أيضاً، كما صرّح الرئيس الأوكراني بترو بوروشينكو أمس، تستخدم القرصنة والهجمات الالكترونية ضد خصومها، قائلاً إن أوكرانيا تعرّضت وحدها لأكثر من ستة آلاف وخمسمئة هجوم الكتروني خلال الشهرين الماضيين فحسب، وهي ظاهرة، اعتبرتها مجلة «نيوزويك» تفتح إمكانية «حرب باردة رقمية» جديدة في العالم. 
نتائج القرار الأمريكي إذن ستكون لها ذيول عديدة خطيرة.

القدس العربي