عازف العود الأول في ليبيا هشام عريش: أخشى على الفنون في بلدي

ثلاثاء, 2014-07-22 16:07

على بعد أمتار من القصف في طرابلس يسكن هو وعائلته، يصحون على قذائف وينامون على تفجيرات. لكنه انتبذ مكاناً قصياً واحتضن عوده وشرع يدندن. كلما ازداد القصف تشبث أكثر بعوده، وكلما تعالت أصوات التفجيرات تجاوبت في المكان دندنات العود. «ليبيا أغنية واحدة»، من أجمل مقطوعاته يشهرها هنا في مساحة الغرفة الضيقة لكنه يشعر أنها تتجاوب في كل مناطق ليبيا على الرغم من نشاز التناحر بين أبناء الوطن الواحد: 
- الفنان الليبي هشام عريش من أفضل عازفي العود في ليبيا. تمكن في مدة قصيرة أن يجذب أسماع الناس لعزفه المتفرد على آلة العود، لديه مهارة خاصة وشغف لا ينقطع وطموح دون حدود في تطوير وإثراء موهبته الفذة تلميذ نجيب لعازف العود الأول نصير شما. في هذا اللقاء نتحايل أنا وعريش على أصوات المدافع وزخات الرصاص ونردد معا.. يحيا الفن.. يحيا العود. 
- أهلا بك أستاذ جابر وسعيد بلقائي معك ومع متابعي «القدس العربي» أعتقد أنه كان مقدراً لي، أن أكون موسيقياً بطبيعة التركيبة العائلية، لأن والدي عازف عود وملحن وشاعر أيضاً.. وأخي محمد الذي يكبرني أيضاً عازف للعود.. الفرق بيننا هو الطموح وطريقة استيعابي للموسيقى بصفة عامة.. فأنا محب لموسيقى البحث وموسيقى الفكر.
- بداية احتضان العود، ولماذا العود؟
– كان الأقرب إلى عزف الروح. كنت اسرق عود والدي لكي أحاول استخراج النغمات بعد فترة ليست بطويلة كان عمري عندها لم يتجاوز سبع سنوات. عزفت مقطعاً صغيراً. كان والدي يعزفه وبعد أن أسمعت والدي تفاجأ أنني تعلمت بنفسي، ولم يعلمني أحد حرفاً في الموسيقى.
لم اختر آلة العود. أحببتها لأنها كانت قريبة لصوت «القيثار» الذي أعشق صوته وكانت لي محاولات أن أعزف أي قطعة، أو مقطع لآلة القيثار. كانت جرأة مني في ذلك الوقت. 
آلة العود تمتاز بعذوبة صوتها وطريقة احتضانك لها.. في اعتقادي أن العازف من يميز الآلة وليس العكس. أول عود اشتراه لي والدي من تركيا كان عمري عشر سنوات تقريبا.. لا أستطيع وصف ذلك الشعور. وكأنه أخ مقرب إليك تبوح له بكل أسرارك لم اشعر بهذا الإحساس عندما كنت أسرق عود والدي. 
- من الذي اثر فيك في مجال العزف على العود؟
- من العوادين الذين تأثرت بهم هناك العديد من العازفين، أولهم الموسيقار الراحل فريد الاطرش، لأنه كان يعزف بجرأة على آلة العود وعبادي الجوهر من السعودية.. والفنان محمد خميس من جنوب ليبيا والفنان خالد لطفي من البيضاء. 
تجربتي مع التأليف كان همي دائما التمارين وامتلاك تقنيات العزف. وكنت أتمرن لساعات لم أقصد يوما أن أكون مؤلفا موسيقى، ولم أتصور أن أكون صاحب ملكة تأليف.. لكن العازف يجب ان يكون له رصيد من السماع الموسيقي وهذه أهم العوامل لأن تكون مؤلفاً موسيقييا. فالاستماع لكل أنواع الموسيقى والتعرف على ثقافات الشعوب يعمق تفكيرك ويجعل منك موسيقياً صعب الاختراق، والاقتناع بأي قطعة أو عمل موسيقى.. وهكذا تكون حذرا في التأليف وترجمة أحاسيسك وتصوراتك موسيقيا ولن ترضى بسهولة على نفسك.
يوجد في ليبيا عديد العازفين على العود، لكن التفاوت يكمن في الإمكانات والاجتهادات.. أعتقد أن التمارين أيضاً، وتخصيص وقت جيد لها يقرر مستوى العازف.

«بيت العود»

أجمل اللحظات التي قضيتها هي تلك التي قضيتها في بيت العود بالقاهرة مع الأستاذ الفنان نصير شما.. التقيت الأستاذ نصير في طرابلس أول مرة عن طريق مكالمة الساعة 1:30 ليلا من صديقي عازف القيثار الفذ رضا إدريس القايد وقال لي: هشام أستاذ نصير بجانبي ونحن موجودون في مقهى والدي هل تستطيع القدوم.. قلت له سأكون عندك خلال دقائق مع العلم أن الطريق تأخذ حوالي نصف ساعة.. جلست مع أستاذ نصير وأسمعته عزفي فتفاجأ عندما علم أني لم أدرس موسيقى.. وقال لي تعال لبيت العود وأخرجك في عام واحد فقط.. وذهبت الحمد لله إلى مصر بعد سنتين ونصف تقريبا، ودرست ستة أشهر. ولم تكف المدة وان شاء الله سأعود قريبا لمصر لأكمل دراستي.. «بيت العود « مكان ملائم جدا لأي موسيقي. لأنك لن تشعر بأنه معهد، أو مؤسسة رسمية. بل ستشعر أنك بين أهلك وعائلتك وأصدقائك. وستدمن على المكان لأن كل ما يتمناه الموسيقي، موجود بهذا البيت الحميمي.

العود والثورة
- ما هي قصة العود مع ثورة 17 فبراير؟
- كأي ليبي عند اندلاع الثورة كنت في ليبياً، وأتابع بكل جوارحي ما يحدث في ليبيا. لمدة أسبوعين بالضبط.. لكن لأول مرة أرى الليبيين وطنا واحداً من الشمال للجنوب ومن الشرق للغرب كانت كل مدينة تهتف باسم المدينة الثانية. وهذا مشهد لأول مرة أراه في الليبيين. حقيقة وأحد المشاهد التي أبكتني..عندها ألّفت أول قطعة بعد أسبوعين من اندلاع الثورة وأسميتها (ليبيا أغنية واحدة) وبعد نجاح الثورة ألّفت الكثير وكان آخرها (رقصة المهارست – وأوجلة واحة الجنوب) أصبح همي أن أبرز جماليات هذا البلد الرائع والفائض بالثقافة. 
لا أخشى فقط على الفنون أخشى على الجيل القادم.. فهل استأصلنا السرطان لنبلى بالإيدز.. هؤلاء الظلاميون يحكمون بمعتقدات ابتكرها حاقد على العرب.. خلقنا الله لنعمل ونتعلم ونكتشفه من خلال آياته في هذا الكون العظيم وليس للقتل والتكفير والتفجير.. الحضارات تبنى بالعمل والثقافة والفنون والموسيقى.. ولا تبنى بالسيف.

 

 

القدس العربي