ثقافة الإرهاب

أربعاء, 2014-07-23 00:21

إنهم لا يختلفون حول الإرهاب. يتوحدون ضده، لكن لا أحد يجرؤ على التساؤل عن دواعيه وأسبابه. هم الذين يخلقونه ويغذونه. وكلما بدأت تجف منابعه، أخذوا يزودونه بما يضاعف من عنفوانه، فتزداد شراسته، ويتحركون لإيقافه.. وهكذا تستمر الأمور على هذا النحو، في دورة لا يريدونها أن تنتهي، لأنهم ببساطة لا يريدون الذهاب إلى أصل المشكلة، ومعالجتها من العمق.
تتداول وسائل الإعلام الآن خبرا عن عدد المقاتلين الكبير من المغاربة في صفوف داعش، ويحدث التخوف من استهداف المغرب. ولا تقدم لنا بعدها سوى أنباء وصور عن الدم العربي الرخيص المهدور في سوريا والعراق واليمن وليبيا ومصر، وجاءت غزة لتبرز أن الغطرسة الصهيونية سادرة في غيها، وهي تسير الآن على نهج بعض الأنظمة العربية، في ممارسة التقتيل المجاني للمدنيين والأطفال والنساء والشيوخ.
لا يمكن للمرء إلا أن يتساءل لماذا يستهدف الإنسان العربي؟ ولماذا لا يعيش العرب والمسلمون على غرار باقي الأمم في مواجهة مشاكلهم اليومية بدل التفكير في تأمين مصير حياتهم المهدد أبدا؟ لماذا يتركز الإرهاب في بؤرة واحدة من العالم، هي الوطن العربي ـ الإسلامي، ويتجند العالم بأسره لمحاربته؟ هل العرب والمسلمون إرهابيون بالفطرة إلى حد أن بعض الأنظمة تتصدى لإرهاب شعوبها، وتمارس التقتيل اليومي لمدة تفوق ثلاث سنوات؟ 
لغة الدم المفروضة على الجسد العربي لا تخرسها الأمم المتحدة، ولا مجلس الأمن، ولا الجامعة العربية… لغة التنديد والوعيد، والمظاهرات، هنا وهناك، وفي العالم أجمع، لا توقف الدم العربي المسفوح، بل إنها وكأنها لا تشرع له إلا مساحة ومسافة جديدة لسقي الأرض.
حين يتلكأ الرأي العام العربي والدولي عن التحرك لإيقاف حمام الدم الذي تمارسه الآلة الصهيونية ضد المدنيين وأهدافهم في غزة، ماذا يعني ذلك؟ وحين يواصل النظام السوري التدمير الذاتي ضد مواطنيه دون أن تتحرك المحافل الدولية لإيقافه وردعه، ويؤازر، بفعله هذا، إسرائيل في إبادتها للشعب الفلسطيني، هل لذلك من معنى؟ إذا كانت شريعة القتل تتم هنا وهناك باسم مناهضة الإرهاب الديني، أليس الفعل ذاته إرهابا، لا يختلف في العمق عما يأتيه الإرهاب؟ ما الفرق بين اختطاف ثلاثة مستوطنين وتحريك آلة جهنمية لترويع الأطفال والاعتقالات العشوائية والتقتيل المجاني؟ ما الفرق بين المطالبة بالحرية وإلقاء البراميل المتفجرة على المباني والأبرياء؟
إن الإرهاب يولد الإرهاب. وما يسمونه إرهابا ليس سوى وليد شرعي لإرهاب الدولة؟ وصارت «ثقافة» الإرهاب القاسم المشترك بين كل ممارسيه أيا كان الغطاء الدولي الذي يحميه، أو الطائفة التي تموله. ولا يمكن ل إلا أن تتغذى وتتطور وتزداد مع الأيام والسنين.
حين يصبح الإنسان العربي، في خضم هذه الثقافة الدموية التي لا تقر بحقوق المواطن والشعب، عرضة للإبادة، ويعاني من ذلك الطفل والحدث والشاب الذي يرى ذويه يستشهدون تحت الأنقاض، والدماء من حوله، ماذا ينتظر من هذا الكائن أن يكون حين يتذكر بعد زمن وقائع ما جرى؟ وحين يشاهد الطفل العربي عبر الوسائط الجماهيرية صور الدمار والعنف غير المبرر ماذا سيكون شعوره مع الزمن؟ إنهم، وهم يدعون وأد الإرهاب، يوفرون له الأسباب الوجيهة للاستمرار بعنف أشد، وتخطيط أدق. وتاريخ محاربة الإرهاب منذ بداية الألفية الجديدة خير دليل على ذلك؟
خاضت أمريكا بوش الحرب ضد الإرهاب، وحاولت الإجهاز على رموزه واحدا تلو الآخر. وتعاونت كل الأنظمة في العالم على ذلك. فهل تم القضاء عليه؟ إنهم باستهدافهم لرمز خلقوه، يأتي من يخلفه. لم يقضوا على القاعدة، وها قد برزت لهم «قواعد»، تعمل على تجاوز القاعدة وأساليبها الإرهابية. حاربوا غزة، وفي كل مرة، يخرجون منها خاسئين، وكأن العود الذي يريدون حرقه يسقونه بالدماء التي لا تزيده سوى صلابة وحصانة، في دورة لا تنتهي ولا يريدونها أن تنتهي. 
وليدة الاستعمار. وجاء الاستيطان ليكرس هذه الثقافة، لأنه من صميم إنتاجها. وما تاريخ الدولة الصهيونية وما تلقاه من دعم أمريكي وغربي سوى تأكيد لهذه الثقافة الغربية الإرهابية. إنه إرهاب شعوب «برانية»، لتعيش الشعوب الغربية على حساب تلك الشعوب. إنها ثقافة استغلال خيرات الشعوب وثرواتها الطبيعية. وحين تكون ردود أفعال الشعوب المستهدفة معارضة فلا يمكن سوى وصمها بالإرهاب. عجزت هذه الشعوب عن تحقيق مطالبها المشروعة والعادلة بالكفاح المسلح، تارة، وبالمطالب السلمية طورا. وظلت دار لقمان على حالها. فلم يبق من بديل سوى بروز الإرهاب الأعمى الشديد التطرف. إنهم هم الذي خلقوا التطرف والتعصب. وحين يتم التصدي له بالطائرات بدون طيار، وبالصواريخ، وبالاغتيالات، وبالبراميل المتفجرة،،، فإنه بسلاحهم سيحاربهم، وقد أعماه ما يجري، عن التمييز بين الحق والباطل، بين تثبيت الحق، وإثبات العدل، فيصبح يتصرف بالمنطق نفسه: الإرهاب. الإرهاب لا يولد سوى الإرهاب.
نجم عن الغربية حربان مستا العالم أجمع، ورغم كونهما تمتا في أوربا فقد امتدتا لتشملا العالم أجمع. وبما أن الاستيطان وليد الثقافة الإرهابية الغربية فهو سبب الجوهري لما يحارب الآن باسم الإرهاب، وقد صار بدوره عالميا. لقد أدت إسرائيل بسياستها الإرهابية باسم «الأمن» القومي لإسرائيل إلى إغراق المنطقة في حمام الدم. لكن لا أحد يتحدث عن أمن فلسطين، والشعب العربي في المنطقة. وكان لتقاعس العرب والعالم عن إيجاد حل للمعضلة الإسرائيلية أن ولد الإرهاب المضاد الذي لا يمكن إلا أن يتواصل ويستمر. 
لا حل للإرهاب، وللتطرف الديني، سوى بوضع حد لثقافته القابلة للتجدد، ولن يكون ذلك إلا بوضع حل للقضية الفلسطينية.

*كاتب مغربي

سعيد يقطين