موريتانيا.. البلد العصي على التحديث

أحد, 2017-01-22 15:07

لا تزال النظم التقليدية في موريتانيا تهيمن على الحياة الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع، وتقاوم بشدة مظاهر التحديث والعولمة، رغم مرور البلد بفترة استعمار استمرت قرابة أربعة عقود، لم تكد تغير من طريقة عيشه شيئًا.

التقليدانية سمة راسخة في موريتانيا

لا تزال موريتانيا تحتفظ بحياة البداوة حتى الساعة، حيث يمكنك أن تشاهد في مختلف مناطقها، بما فيها العاصمة نواكشوط، نصب الخيام والأنشطة الرعوية وظاهرة الترحال، كما لا يزال معظم الموريتانيين يركبون الجمال ويسكنون تحت الخيام ويبحثون عن الماء والمرعى ويتفاخرون بأنسابهم القبلية، في غياب تام للمظاهر المدنية بعموم البلاد.

وتتجذر التراتبية في الحياة الاجتماعية الموريتانية، إذ يعد هذا البلد واحدًا من البلدان القلائل في العالم التي تعرف ظاهرة العبودية بمعناها الحرفي، وتورد، في هذا الصدد، منظمة «walk free» المتخصصة في قياس مؤشرات العبودية في العالم، أنه على الأقل ثمة %4 من سكان موريتانيا يرزحون تحت العبودية التقليدية، ومن %10 إلى %20 من الشعب الموريتاني معرضون للعبودية، أي حوالي 140 ألف موريتاني، في حين تذهب تقارير أخرى إلى مئات الآلاف من العبيد في موريتانيا.

ويذكر تقرير الإدارة الأمريكية لسنة 2016 بشأن موريتانيا، أن خبراء محليين ودوليين متفقون على أن العبودية الموروثة ما زالت متجذرة في الأرياف والمدن في هذه البلاد، مُضيفًا: «منذ أجيال تعاقبت وعائلات الأسياد تستغل ضحايا العبودية الموروثة للعمل في رعي البقر والخدمة المنزلية دون أجر».

على جانب آخر، تستمر الوضعية التقليدية للمرأة في المجتمع الموريتاني، حيث لا يزال النساء يعشن الأمية والغبن واللامساواة، ولا سيما في البوادي، وفي نفس الوقت تطغى العقلية التقليدية التي ينظر بها المواطنون للحياة السياسية، حيث عبر %70 من الموريتانيين بأنهم لا يفضلون النظام الديمقراطي، وصرح أزيد من %90 منهم برغبتهم في تطبيق الشريعة، وفق استطلاع المؤشر العربي.

أما على المستوى الاقتصادي، فيستوعب النشاط الفلاحي البدائي قرابة نصف القوى العاملة في موريتانيا، متبوعًا بقطاع الخدمات والصيد والمعدن، في غياب تام لحركة صناعية تجارية نشطة.

وجعلت هذه النظم التقليدية موريتانيا في ذيل المؤشرات الدولية في سياق عصر العولمة والتقدم، إذ إنّ %40 من الموريتانيين يعيشون تحت خط الفقر، و%44 يعيشون بثلاثة دولارات يوميًا، كما احتلت موريتانيا المرتبة 137 من أصل 140 دولة في جودة التعليم الابتدائي، والمركز الأخير في التعليم العالي، مُصنّفةً في المركز 138 من أصل 140 من حيث البنية التحتية للنقل، وبوأ تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية موريتانيا الرتبة 156، مسجلة بمعدل ضعيف جدًا.

ظروف تاريخية وبيئية

تفسر مجموعة من العوامل التاريخية والثقافية والجغرافية، سر كون موريتانيا عصية على التحديث، هذا البلد الذي يقع في بيئة صحراوية تربط بين شمال القارة الإفريقية وجنوبها.

لا تكاد تعرف موريتانيا تاريخيًا حضارات مستقرة بها، إذ إن البنية العشائرية للمجتمع الموريتاني، وظاهرة الترحال الدائب بحثًا عن الماء والكلأ، وظروف الصحراء القاسية، صعبت الاستقرار الذي تقوم عليه المدن، وحتى المرابطون الذين انطلقوا من موريتانيا خلال القرن الحادي عشر استقروا بالمغرب الأقصى.

وفي هذا السياق يقول الباحث محمد المختار ولد السعد، إن موريتانيا لم تعرف عبر تاريخها سلطة مركزية قبل فترة الاستعمار واستقلال البلاد سنة 1960، وقبل ذلك كانت القبائل العربية والإفريقية تعيش مشتتة في الصحاري، ومتبعة لحياة الرحل.

هذا التأخر في حياة الاستقرار بالبلاد الموريتانية، حرمها من إرث تاريخي تراكمي للحياة المدنية، يمكن أن يساعدها على التكيف مع التحديث بشكل أفضل في عصر الحداثة والعولمة.

من جهة أخرى، لم يكن الاستعمار الفرنسي مهتمًا كثيرًا ببناء الدولة في بيئة صحراوية قبلية كموريتانيا، بقدر ما كان اهتمامه منصبًا على تأمين الطرق التجارية الرابطة مع جنوب القارة وشمالها، واستغلال المناجم المعدنية، واتخاذ نقاط منها كمحطات استراحة لقواته العسكرية.

مما حرم موريتانيا من تركة استعمارية تعينها على الإقلاع في حياة التحديث، بخلاف ما حصل في المغرب والجزائر، حيث بنى المستعمر البنيات التحتية وأدخل المدارس والمستشفيات والإدارات، وأدمج النظم الإدارية الحديثة في مؤسسات الدولة، ما ساعدها على التحرر من الحياة القبلية التقليدانية مباشرة بعد رحيل الاستعمار، خاصة في المدن.

لكن العامل الأبرز الذي يمكن أن يكون وراء استمرار التقليدانية بموريتانيا في القرن الحادي والعشرين، هو البنية السياسية الهشة للبلاد وانتشار التعليم البدائي.

يمكن أن نلخص التاريخ السياسي لموريتانيا بأنه تاريخ انقلابات عسكرية، كان آخرها انقلاب 2008، الذي قاده الجنرال محمد ولد عبد العزيز، وعزل الرئيس السابق محمد ولد الشيخ عبد الله، وهو مستمر في الحكم حتى الآن. وفي غياب حيوية سياسية مرتكزة على المجتمع المدني، يفشل البلد في إنتاج حكومات فعالة، تستطيع تغيير الأوضاع.

كما لا تزال المحاظر، وهي شبه مدارس تقليدية تعتمد على تلقين الدروس الدينية وحفظ الأشعار والمتون، أساس التعليم في موريتانيا، وهو ما يقود إلى تخريج أجيال بعقلية تقليدية غير مطبعة مع الثقافة الحداثية، الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى استمرار التقليدانية وعصر ما قبل الدولة في موريتانيا.

المصدر : ساسة بوست