ولد أبو المعالي يكتب : وانحرف القطار

اثنين, 2017-02-06 08:43

في النصرة-واللام هنا عهدية- رجال مؤمنون ونساء مؤمنات وفتية آمنوا بربهم وقانتات تائبات عابدات لم تجذبهم هواية المنصات وبريقها ولم تغرهم أضواء الكاميرا ولمعانها  وتصدر الشاشات وفضاؤها صدقوا ماعاهدوا عليه .. وما بدلوا تبديلا .ضحوا بأوقاتهم وجهودهم وسهروا الليالي ذوات العدد تعبئة وحشدا ودعما وبذلوا الغالي والنفيس  ومنهم من لايؤبه  له تتقاذفهم الدروب إن غابوا لم يفتقدوا ,وإن حضروا  لم يذكروا  دافعهم للنشاط والعمل محبة  النبي صلى الله عليه وسلم  والذود عن جنابه الشريف ورفض لرجس الإلحاد والزندقة في هذا البلد .. هؤلاء لا أحد يكمن أن يسفه أحلامهم ولا أن يبخسهم أشياءهم فقد أبلوا بلاءا حسنا لايردون منا جزاء ولا شكورا .. أعمال وخطوات يدخرونها ليوم لاينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم . وعند الله الجزاء..

غير أن هذا الوجه الناصع من الصورة للأسف الشديد تلبدت عليه بعض الغيوم التي كادت أن تطمسه وتحجبه .وعلى الناصحين وخاصة العلماء والدعاة واهل الرأي  الفكر تحمل مسؤولياتهم في  هذا النطاق حتى لاتزل أقدام بعد ثبوتها ..وتضيع جهود الخيرين سدى على أرض الواقع

واليوم بعد أن انحرف القطار الذي كان يجمعهم مع غيرهم لابد لهم في مستقبل الأيام من وضع النقاط على الحروف وأول تلك الأمور هو الاعتراف بأن هناك أخطاء قاتلة حصلت من بعض من كانوا يتصدرون مشهد النصرة  ولا بد من مراجعة الأمور لمن ألقى السمع وهو شهيد وآثر الحق والصراحة على الأحلام والتمني والظنون.. وهذه ملاحظات عامة في السياق:

أولا: القول بأن النصرة في هذه الفترة لا تحتاج قيادة وأنها هبة من عامة الناس قول جميل ومغر  من الناحية النظرية لكن فيه تجاوز للواقع فأي عمل بشري جماعي لابد من فيه من ثنائية القيادة والاستشارة بدون الأولى يصبح أقرب للفوضى و لعبث الأطفال في غياب الكبار. وبدون الثانية تبرز سيطرة فردية واغتيال  لتنوع الآراء وتزاحم العقول. فحتى الثلاثة في  أرض فلاة من السنة  أن يؤمروا أحدهم فما بالكم بنشاط ينتظم فيه الآلاف .لكن اختيار تلك الواجهة لابد أن يكون دقيقا وحصيفا فمن كان حديثه يمثل الآلاف ليس كمن يتحدث من وجهة نظره. ومن أراد أن يعبر عن وجهة نظره الخاصة وأن يقول ما يحلو له دون رقيب أو محاسبة فليعزل  الحديث باسم الغير في النشاطات العامة وفي الإعلام .وهذا القول يشبه القول بأن قطار النصرة لم ولن ينحرف فالنصرة معنى لا يقوم بذانه.. ومن مسلمات المنطق المتفق عليها أن الأعراض لا تقوم بذاتها فما هي النصرة إن لم يقم بها زيد أو عمرو أو فاطمة أو غيرهم من الناس؟.. قد يقولون إن الانحراف وقع من الأشخاص وهذا صحيح لكنهم حينما أخطأوا كانوا يتحدثون بهذا المعنى ويلبسون رداءه. وما سمعناه وشاهدناه إن لم يكن انحرافا فماذا يسمى؟. فبين الانحراف والسير السليم تضاد  فلايجتمعان ولا يفترقان ولا يخلو المحل من أحدهما فبأيهما نصف حصل أخيرا...؟نحن في أجواء تحتاج توظيف العقل ومنطلقاته لا القفز عليها وتركها ظهريا.

ثانيا: لابد من مراجعة وتقييم النشاطات وتجنب الأخطاء والعثرات وللأسف لاحظنا خلال النشاطات الفارطة خاصة في خطاباتها وفي الخرجات الإعلامية  تكرار الأخطاء وتشابها بين بعضها يوحي للمراقب البعيد والمتتبع العادي أن الأمر لم يخضع للمناقشة والتصويب وأنه لا توجد مواثيق شرف بين الجميع  لابد من احترامها تقتضي خطابا موحدا. وتوضح أن هناك مسلكيات ينبغي اجتنابها وأن الأمر ليس متروكا  في فضاء حرية مطلقة من  القول لدى البعض بذريعة أنه يمتلك سمة معينة في قيادة النصرة وإغفال هذا الجانب أو التهاون في  تطبيقه من الأسباب الكبرى التي هزت العمل وأربكته وتركت المتربصين يجوسون خلال الديار.

ثالثا: لايقل خطرا عن ذلك الخطأ التماهي الذي حصل بين بعض الأشخاص والنصرة فوقع له البعض على بياض واستل السيوف والرماح دفاعا عن أخطائه ولو بقيت كلمة النصرة في دائرة المتفق عليه وتحمل الأفراد مسؤولية أخطائهم مهما كانت مواقعهم  منذ البداية لما حصل ما حصل .. وأتذكر أنني نبهت مرة إلى خطإ قاتل وقع فيه أحدهم  وتوقعت أن يخرق السفينة  فانتابتني الألسن استغرابا واستنكار وكأنني قلت في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما مالم يخطر على بال غلاة  الشيعة .. ولكني والحمد لله لست من تغمز قناته وقد تساءل البعض في إحدى المجموعات" ولد أبو المعالي هذا شدور؟" أجبت حينها بأنني أخاف على مستقبل القطار واليوم أجيب بأنني كنت أخشى ما حدث...بل وأكثر من ذلك تجاوز البعض موضوع الاتفاق وهو محبة النبي صلى الله عليه وسلم فطفق يثني على البعض بالشعر ولغن وحتى التبراع.. والأدلة موجودة وموثقة وهذا أخرج الموضوع من سياق موحد إلى سياق أشخاص نختلف في مواقفنا منهم .. ولو بقيت النصرة خالصة للنبي صلى الله عليه وسلم من دون المؤمنين أجزم أنه لن تحرف فيها ولا دراجة هوائية.

رابعا: يبدو أن هناك خللا عاما في تعامل الناس  في هذا المنكب البرزخي مع وسائل التواصل الاجتماعي والتطبيقات الجديدة فما زلنا نتعامل معها وكأننا نذرع الصحراء  جيئة وذهابا بحثا عن الكلإ والعشب تذرو الرياح آثارنا بعد لحظات ويغيب الأفق ذواتنا بعد هنيهات ..وللأسف الشديد وقع بعض الفاعلين في  النصرة في هذا المطب القاتل.. صحيح أنهم استغلوا  هذه الوسائط  في  النصرة واستفادوا  منها كثيرا لكن بعضهم  لم ينتبه ا لخطورتها فطفقوا يتحدثون فيها ويتحاورون وكأنهم في  غرف مغلقة وفي سرية تامة بينما  بضغطة زر تجوب مداخلاتهم في ثوان قليلة  أرجاء المعمورة .. وما التسجيلات المسربة للإعلام والتي هزت أفئدة الطيبين والخيرين إلا نموذج لهذا السلوك.. لقد كان من المفترض أن يميز القادة والفاعلون بين ملاحظات  وخطاب ونقاشات مكانها الاجتماعات  الخاصة ومن الطبيعي أن تتسم بتنوع وجهات النظر المختلفة وقد ترتفع فيها حدة نبرات الخطاب ولا مشاحة في ذلك، وبين ما يوجه للعامة والجمهور ولابد أن يكون محل اتفاق وأن يصب في مصلحة الهدف الأسمى والغاية الكبرى ..وهذا الخلط هو ما أحدث الكارثة التي مهما أدرنا لها ظهورنا ستبقى حرقة في القلوب.

خامسا: أستغرب من صنيعة اثنين أحدهما كان يرى الأخطاء يتحاشى التنبيه عليها -بالتأكيد عن حسن نية - ويعتبر تصحيحها طعنا في خاصرة النصرة وهاهو اليوم يعترف  بها ويود لو لم تحدث. ولو واجهها في البداية لكان للأصوات المتعددة  المنبهة صدى" إن أندى لصوت أن ينادي داعيان".. والثاني شخص ظل يمارس صمت القبور تجاه النصرة  ونشاطاتها وما شهدته من التحام الناس في سبيل الخير والدفاع عن الجناب النبوي الشريف  حتى إذا غشيها ماغشيها شمر عن ساعديه وبدأ يكيل لها التهم ويوجه لها اللكمات كأنه مصارع ثيران يواجه ثورا هائجا في حلبة ملأى بالمشجعين

هذه ملاحظات عامة ربما تجيب على بعض التعليقات والاستفسارات والأسئلة  التي أمطرني بها البعض أخيرا بارك الله فيهم..كما لا تلغي الأدوار التي قدمها البعض ،ولا تغض الطرف عن أخطاء أدت إلى انحراف القطار في انتظار عودة المياه إلى مجاريها وعودة القطار  للسكة. والله الموفق

الأستاذ : أحمد أبو المعالي