"إيماونيل مكرون" والخطاب العقلاني

خميس, 2017-02-23 09:38

تبدو حاجة الشعوب في العالم اليوم أكثر إلحاحا إلي وجود خطاب عقلاني يؤسس لمرحلة جديدة من الطمأنينة للعلاقات التي تجمع دول العالم ببعضها البعض، وتزداد هذه الحاجة أكثر، كلما اتسعت رقعة الإرهاب وازدادت الدعوة للتطرف وتعمقت أسباب ودوافع ذلك التطرف، الذي يتغذي على مزيد من الكراهية والظلم، بصرف النظر عن محدودية أو شمولية ذلك الظلم ( ظلم في حق الدول، والمجموعات، والأفراد..) بحيث يكون من غير الممكن الوقوف في وجه موجة التحرك لرفع المظالم التي يشهدها العالم والتي قد تظهر بعض تجلياتها على شكل تجمعات إرهابية أو موجة هجرات هي في مردها نزوح خلف ثروات مسلوبة أو تشبث بأمل استعطاف أطراف كان لها في مرحلة معينة من الغلبة ما مكنها من إخضاع الآخر والاستحواذ على مقدراته دون الرجوع إلي ماهية التسمية وشحنتها الدلالية ( استعمار، احتلال) لنكتفي بحصول الضرر ونسعى إلي احتواءه ما أمكن.

هنا تبرز من جديد جدية وضرورة استحداث خطاب عقلاني ومنصف دون الحكم على مضمون المناورة السياسية المحتملة لنأخذ من هذا الخطاب ما هو إيجابي محض على أن نترك للزمن قابلية الحكم على ما يمكن أن يدخل ضمن تصنيف "أفيون" الشعوب ليتجلى لنا بوضوح أن النهج الحداثي للمرشح للانتخابات الفرنسة "إيمانويل مكرون" يلامس بخطابه الجديد تلك المساحة التي ظلت تشكل الفراغ بين ما هو واقع وما هو مطلوب في العلاقات الدولية خصوصا تلك التي تربط بين جهات استعمارية ومستعمراتها أو أطراف محتلة ودول تحت الاحتلال 
إن النمط الجديد للاستعمار الذي ظهرت تجلياته وإن بشكل يختلف جزئيا عن ما عرفه العالم خلال الحربين العالمية الأولي والثانية شكل علامة فارقة في فهم مضمون وأسس تلك الحرب وافتقارها إلي النزاهة وأبعدها كليا عن أدبيات وقواعد سابقاتها من الحروب التي عرفها العالم في القرنين 19 وال:20 سواء على مستوى الأضرار المباشرة أو على مستوى التبعات والتداعيات والتي أقل ما يمكن أن يقال عناها أنها حروب إبادة تسعي لتشكيل خارطة جديدة على حساب أعراق وأجناس بشرية وقوميات معينة اختزلتها وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة "مادلين أولبرايت" بضرورة بناء نمط عالمي جديد يقوم على أنقاض الفوضى الخلاقة، فوضى أزالت أنظمت وكيانات وظلت تسعى لاجتثاث دول معينة وإزالتها من الوجود، بيد أن هذا النهج الاستعماري الجديد كشف النقاب عن خلفيات القيادات والزعامات التي تقود المنتظم الدولي على الأقل في المرحلة مابين مطلع التسعينيات من القرن 20 وحتى العشرية الأولي من القرن 21 وما اتسمت به هذه القيادات من عدم الأخلاق والواقعية في تسير التناقضات التي تحكم العالم وهو ما يجعل غالبية المفكرين والسياسيين في العالم يبدون مخاوفهم من مآلات عدم الاتزان والعقلانية الذي يطبع سلوك قادة بعض الدول الكبرى والمؤثرة مما يذر بكارثة حتمية قد يكون مردها مجرد خطأ أو عمل تهوري قد يرتكبه بعض هؤلاء في لحظة ما.
بالعودة قليلا إلي ما ورد في خطاب المرشح للانتخابات الرئاسية الفرنسية " إيمانويل مكرون" يمكن القول إن هنالك من الزعماء في العالم من يتقاسم المخاوف مع المفكرين والمحللين بل ويستشرف معهم ملامح المستقبل في أدق تفاصيله وجزئياته ومن هؤلاء "إيمانويل ماكرون" الذي لم يكتف بمجرد الملاحظة ووضع نقاط الاستفهام بل سارع إلي ابتكار حلول واقعية ومنصفة تأخذ في الاعتبار تطلعات الشعوب الإفريقية للعدالة والإنصاف وتعطي لفرنسا أفضلية السبق في اتخاذ المبادرة وتفسح أمامها المجال للتصرف من أجل احتواء نذر أزمة قد تقود إلي إحداث قطيعة فعلية بين فرنسا ومستعمراتها 
وبالتالي تفقدها قوتها الحقيقة وهيبتها التي تستمدها من تلك المستعمرات، ولعل فهم هذا المرشح لعدم قابلية فرنسا لتبوء الريادة الأوربية بعيدا عن سندها الإفريقي ورافدها الاقتصادي الذي أصبح يشكل مسرحا لتنافس القوى الاقتصادية الصاعدة ومحل اهتمام بعض القوى العالمية الكبرى جعله يحرص على إرسال رسالة حسن النية تلك، لكنه بذلك الحديث لا يعطي أملا بإنصاف الشعوب الإفريقية فحسب بقدر ما يؤسس للفرنسيين نهجا جديدا يضمن لهم كل مصالحهم ويصون لهم كبريائهم ويجعل بمقدورهم استرجاع النفوذ من جديد على شكل تعاون اقتصادي سياسي واجتماعي ضمن أكبر الأسواق العالمية( إفريقيا)وأكثرها قابلية للصمود أمام العواصف والأزمات المالية لما يميز اقتصادها من قابلية الاستمرار والتجدد.
إن المرشح للانتخابات الفرنسية "إيمانويل مكرون" إذ يدعو الفرنسيين للاعتذار لأسر الشهداء والمهجرين والأرامل واليتامى وضحايا التعذيب والاغتصاب الممارس في حق الشعوب الإفريقية إنما يجسد بذلك قيم التسامح والعدل والإنصاف ويدعو للتشبث بقيم الجمهورية الفرنسية ويساهم في خلق رصيد من المودة والاحترام للدولة الفرنسية داخل القارة السمراء ويساعد فرنسا ومن ورائها أوروبا في وقف التطرف ونزيف الهجرة الذي يعود في جذوره إلي ذلك الماضي المظلم الذي تسبب في إفقار هذه الشعوب وهو ما يجب على الزعامات المتطرفة في فرنسا فهمه والتعامل معه بواقعية تساهم في تخطي تلك الآثار وتأسس لنهج جديد قائم على العدل.

كتلة الانصاف الوطني