ضيف تونسي يروي قصته مع شرطي في مطار "أم التونسي"

ثلاثاء, 2017-03-07 18:27

<<>> #بالفلفل_الحار <<>> مشكلة منطقيّة في مطار أمّ التونسي بنواكشوط ! <<>>
في غمرة الاستقبال الرائع الذي حظيت به من لدن الأحبة في موريتانيا، ما انتبهت، وقت حلولي بنواكشوط، لاسم المطار الجميل الجديد المتقن ! المطار اسمه (أمّ التونسي ) !
أيكونون قد احتفوا بي لدرجة أن سمّوا المطار باسم أُمِّي ؟ شيء أروع من الخيال !
سنرى ذلك داخل المطار عند مغادرتي !
دخلت - مغادراً - مطار أمّ التونسي، أي أُمِّي، فاستقبلني الضّابط - ضبط الله عقله على ساعة الزّمن- على طريقة (أفق ! انتهى الحلم).
كان الاستقبال وفق أصول الأصول : بلا نظرٍ ولا كلامٍ ولا ابتسامةٍ ولا سلامٍ ... وقال، أقال الله لسانه من عثرات الكلام:
- "باسبور". (جواز السفر).
أعطيته - أعطاهُ الله الفهم - ما طلب وقلت :
- تفضل، جواز السفر.
تأمّل الضابط جواز سفري التونسي مليّا وسألني، أبعد الله عنه ذلّ المسألة، قائلا :
- (وان رايح) ؟
فأجبته - لا راحت عن عيونه الراحة - :
- ذاهبٌ إلى الدَّار البيضاء.
استدركني للتّأكيد - تداركهُ الله بعفوه - :
- كازابلانكا ؟؟
فأمعنتُ :
- أي ! الدَّار البيضاء !
فاستزاد يسألني، وقد لفت نظره حذقي العربية - وهو أمرٌ استغربه جميع الضباط في مطارات أوطاننا العربية التي عبرت بأروقتها - أنعم الله على هذا الضابط بحذق صنعته، واستوضح :
- ومن بعد، (وان رايح) ؟
قلت له - لا طال به المقيل في الغفلة - :
- ذاهب إلى باريس.
- (ليش جيت لموريتانيا؟
فأخبرته، لا أعدمه الله خبر اليقين :
- جئت بدعوة من منظمة موريتانية، للمشاركة في مؤتمر وإلقاء محاضرات ومقابلة شخصيات.
فتأمّلني بحدّة، وضرب الأخماس في الأسداس، وقال - جنّبه الله معرّة القيل والقال - :
- لا بد لك مع (الباسبور) الجواز التونسي بطاقة الإقامة في فرنسا.
فأخرجت له من حافظتي بطاقة الهوية الفرنسية، وقلت له :
- تفضّل !
قلّبها المسكين - لا أمرض الله له قلباً ولا قالباً - وقال :
- يلزمك بطاقة (سيجور) إقامة !
قلتُ له مستغرباً :
- سيّدي، إن كنتُ مواطناً فرنسيّاً فهذا يعفيني أصلا من بطاقة الإقامة !
فلم يصدّقني - لا أبعد الله عنه صديقاً - وأمرني بالوقوف جانبا، وذاب داخل المطار.
انتظرتُ، وقد خفت أن تقلع الطائرة من دوني. مرّت الدقائق ثقيلة، حتى جاء مسؤول أمنيّ آخر فسألني عن قصتي بذات الأسئلة ورويت له ذات ما فات بذات الأجوبة. فقال لي :
- انتظر كما أمَرَك !
فقلتُ :
- أمْرك !
ثم رجع صاحبي الأول - عرفّه الله بالسّماء ذات الرّجع - وقال :
- يلزمك تعمل (فيزا) للخروج !!!
قلت له : يا سيّدي، أليست التأشيرة للدّخول؟ ما سمعتُ قبل الْيَوْم - وقد اشتعل رأسي شيبا - بتأشيرة للخروج. وإن كان هذا الإجراء واجبا فدلّني كيف أفعل لكي أحصل على تأشيرة الخروج؟
فانفعل، وقال ثانية - أصلح الله ثناياه - :
- للخروج إلى فرنسا يلزمك تأشيرة على الجواز التونسي تخول لك الدخول لفرنسا. هل فهمت؟
قلت :
- والله ما فهمتُ سيدي ! كيف أدخل لبلد بتأشيرة وأنا مواطن بذلك البلد!؟ ما فهمت !
ثم انصرف يهاتف أحداً. فانتظرتُ محتاراً. وأخذتُ في عدّ الدقائق الثّقيلة.
فجأة، عاد إليّ الضابط عينه، وسألني - خفّف الله عنه سؤال القبر - قائلا :
- من دعاك لموريتانيا وماذا فعلت خلال الأيام الأخيرة ؟
أجبتُ :
- دعاني المركز الموريتاني للدفاع عن اللغة العربية، وأنهينا المؤتمر في الْيَوْم الأول وقابلنا معالي الوزير الأول الموريتاني في الْيَوْم الثاني، وانتهت المهمة وها أنا ذَا أغادر.
وعند ذكر سيرة الوزير الأول، انسحب الضّابط - لا سحب الله له رصيداً من الفهامة - وأرسل إليّ بشرطي لطيف جدا، عبّأ لي بطاقة المغادرة بخطه وبالعربية فوق ذاك، وأوصلني إلى حاجز تفتيش الأمتعة، وودّعني بخير عبارة والحرجُ بادٍ على وجهه الأسمر، وهو يقول لي : هذا كلّ ما يمكنني فعله لأجلك !"، وهو عندي والله معتبر !
فغادرتُ ... وأنا أحاول فكّ عناصر المعادلة التي تورّطتُ فيها هذا الفجر، فما أفلحتُ.
وهل عليّ أن أفهم كلّ شيء؟ فبعض التّغابي يصلحُ عند الصّعاب.
<<>> بقلم : #بشير_العبيدي <<>>

نواكشوط، جمادى الآخرة 1438 <<>>
كَلِمَةٌ تَدْفَعُ ألَمًا .. وَكَلِمَةٌ تَصْنَعُ أَمَلًا !