وَا أَمْنَاهْ

ثلاثاء, 2017-05-02 09:41

صورة من الارشيف

وَا مُثَنَّيَاهْ نداء إستغاثة أطلقته بنت خَصَفَةَ حين رأت خيل الفرس تجول ولسان حالنا هذه الأيام يقول: وا أمناه، فلا أَمْنَ لنا اليوم ولا مُثَنَّى لها يومئذ .
السامع أو القارئ أو المشاهد لما يجري في بلادنا من إنفلات أمني خطير(قتل وحرابة وإغتصاب) يدعو إلى القلق، لا يسعه إلا أن يسأل المولى عز وجل أن يحفظ بلادنا ويجعلها بلا دا آمنة مطمئنة إلى يوم التناد. ولكي يكون من المتوكلين -لا من المتواكلين- يجب عليه الأخذ بالأسباب والتفكير الجدي في هذه المعضلة وطرح حلول لها.

أسباب الإنفلات الأمني:

1. تهميش قطاع الشرطة
يرى المتابعون لما يحدث في بلادنا أن قطاع الشرطة يعاني الأمَرَّيْنِ منذ إنشائه إلى الآن، ولكي نكون واقعيين لا يمكن أن نضع هذه المعاناة على عاتق النظام الحالي وحده ولكن هو نتاج تراكمات الأنظمة السابقة، وأبسط مثال على ذلك هو المشهد القديم المتجدد لرجال الشرطة يدفعون سيارتهم إلى محطة البنزين لتزويدها بالوقود.

 وتكمن هذه المعاناة في:
-  ضعف الرواتب: بإجراء مقارنة بسيطة مع دول الجوار نجد أن معدل رواتب وكلاء الشرطة في السنغال والمغرب والجزائر وتونس هو 140.000 أوقية، وعندنا فلا تحدث لكيلا تحرج شرطتك. فكيف بقطاع لا تسمن رواتب منتسبيه ولا تغني من جوع أن يقوم بواجبه على أكمل وجه؟ لا يسعنا في هذا المقام إلا أن ننوه بالدور الفعال والمتميز الذي تقوم به قوات أمننا.
- غياب التجهيزات والتكوين: سمعنا في الآونة الأخيرة عن تجهيز الجيش الوطني بأحدث أنواع المعدات العسكرية وعن جاهزية أفراده لكل المهام الموكلة لهم(حماية الحوزة الترابية) وهو شئ يذكر فيشكر، ولكن ماذا عن تجهيز قوات الشرطة وتدريب أفرادها المكلفين بحماية المواطن في الداخل؟ على ولاة أمورنا أن يعرفوا أن من لم يكن آمنا في سربه (أهله ومسكنه وطريقه) فلا يهمه أن تساق له الدنيا بحذافيرها.

2. إنتشار المخدرات والمؤثرات العقلية
بعد أن كانت موريتانيا مجرد معبر - سامح الله من فتحه وهدى من ما زال يرعاه- للمخدرات إلى أوروبا، أضحت الآن سوقا وهدفا للمتاجرين بهذه السموم مما أدى إلى انتشارها وللأسف الشديد حتى وصلت إلى المدارس، ومن المعروف أن المخدرات تدفع صاحبها إلى ارتكاب الجرائم، فمن فقد عقله من السهل عليه القتل والسرقة... ومن أدمن فحدث ولا حرج.

3. الأوضاع الإقتصادية المتردية
لا يخفى -إلا على ولاة أمورنا ومقربيهم- على المتتبع للأوضاع الداخلية معاناة الشعب الموريتاني وتردي أوضاعه الإقتصادية، ويتجلى ذلك في ضعف القدرة الشرائية و غلاء الأسعار وإنتشار البطالة، كما أن لهذه المعاناة أعراض أخرى منها على سبيل المثال لا الحصر: إغلاق عدة مشاريع عامة وخاصة، كثرة المتسولين في الشوارع والإرتفاع الشديد في معدلات الجريمة، ولا يمكن الرد على من لا يرى سوء الأوضاع الإقتصادية في بلدنا إلا بالمثل القائل: أََلِّ مَا شَافْ أََسْمَ مَا تُنَعَتْلُ.

تصورات وحلول

قبل إيجاد حل لمشكل الأوضاع الأمنية لا بد من الاعتراف بأن تعطيل حدود الله هو السبب الأول في كثرة الجرائم وعليه فإن الحل المثالي هو الرجوع إلى المحجة البيضاء وتطبيق الشرع في المجرمين. ولأن ولاة أمورنا لا يملكون من الشجاعة والإستقلالية ما يخولهم القيام بهذا الأمر فعليهم أن يجدوا حلولا للمشاكل السالفة الذكر وذلك أضعف الإيمان.
 وفي هذا الإطار :
- يجب أن يرفع التهميش عن قطاع الشرطة وتجهيزها بأفضل المعدات وإن لم يكن ذلك حرصا على أمننا أو خوفا منها(ليس للشرطة سوابق في الإنقلابات) فليكن طمعا في ولائها وفيما حدث في تركيا  أسوة حسنة(الدور الكبير الذي لعبته قوات الشرطة والمخابرات في إفشال الإنقلاب).
- يجب أن يواجه إنتشار المخدرات والمؤثرات العقلية بيد من حديد للحد من تأثيرها على مجتمعنا وإنزال أشد العقوبات بمروجيها ومستخدميها وخصوصا الأخيرين لأنهم إذا قوبلوا بالردع الكافي فذلك كفيل بإقلاعهم عنها بإذن الله، وهنا تجدر الإشارة إلى أن عقوبة إستعمال المخدرات في موريتانيا طبقا للمادة 39 من قانون المخدرات هي الحبس لمدة سنتين كأقصى حد و بغرامة من 50.000 إلى 100.000 أوقية أو بإحدى هاتين العقوبتين (أي أن مستخدم المخدرات يمكن أن يخلى سبيله بدفعه مبلغ 50.000 أوقية فقط) ولهذا لا بد من مراجعة هذه المادة حتى يعيد ضعفاء الأنفس التفكير مرتين قبل استخدام هذه السموم. من اللازم علينا أن نكون يدا واحدة في مواجهة هذا الإنتشار ومحاربته لأن هذه المسؤولية موضوعة على عاتقنا جميعا دولة ومواطنين.
- يجب أن تقوم الحكومة بواجبها في الحد من تردي الأوضاع الإقتصادية في البلد وذلك بدعم المواد الأولية وتخفيض أسعارها، وتخفيف الضرائب، ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، واختصارا يجب دفع عجلة الاقتصاد للأمام وتغيير السياسات الإقتصادية الحالية الهادفة إلى تلميع الإقتصاد الوطني في عيون الآخرين بسياسات تهدف بالأساس إلى تحسين الوضعية المعيشية للمواطنين وتبديل عبارات إرتفاع نسبة النمو وإنخفاض نسبة التضخم بعبارات من قبيل إرتفاع الرواتب وإنخفاض أسعار المواد الغذائية والمحروقات(حدثوا الناس بما يفهمون)، ومن المؤكد عندئذ أن الشعب سيلمع حكومته ويرفعها فوق الرؤوس عرفانا منه وتقديرا لها. ولا يخفى من ناحية أخرى أن الأزمة الإقتصادية ليست عندنا وحدنا وإنما هي أزمة عالمية تتطلب منا تضافر الجهود للتخفيف منها، فعلمائنا مطالبون بإحياء روح العطاء لدى الميسورين، ورجال أعمالنا مطالبين بإنشاء مشاريع ذات نفع عام، و نخبنا مطالبون بالمساعدة كل على قدره و ضعفائنا وهم جلنا كان الله لنا ولهم.

الأمن والإيمان مرتبطان فإن شرط تحقق الأمن العام هو الإيمان بالله وإتباع أوامره وإجتناب نواهيه قال تعالى:( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)  النحل:١١٢.
أستغفر الله العظيم رب العرش العظيم وأتوب إليه والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.

                         

محمدو خطري

أنواكشوط 28/04/2017