موريتانيا: الشيوخ المتمردون يشرحون لبرلمان افريقيا أزمتهم مع النظام

جمعة, 2017-06-09 02:47

 أكد أعضاء مجلس الشيوخ الموريتاني المتمردون على نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز أمس في رسالة لبرلمان إفريقيا «أن الأخطر في الأزمة الدستورية التي تشهدها موريتانيا منذ أشهر هو رفض رئيس الدولة للتوافق طبقاً لنصوص ومقتضيات الدستور نفسه، وهروب الرئيس الى الأمام من خلال استدعائه، بطريقة غير قانونية تماماً، لهيئة الناخبين لإجراء الاستفتاء في 15 تموز/يوليو 2017».

وأوضح الشيوخ في رسالتهم التي اطلعت «القدس العربي» على نصها «أن الاستفتاء المنتظر سيجري في جو تطبعه التوترات والانقسامات العميقة حول الاستفتاء نفسه وحول مراجعة الدستور خارج ترتيبات المراجعة القانونية، وأن الرئيس يخالف بذلك ليس فقط جزءًا لا يستهان به من أغلبيته وإنما أيضاً المعارضة الديمقراطية بأطيافها كافة.»
«واليوم، يضيف الشيوخ، فإن عدم الاستقرار يهدد الدولة بنشوب أزمة قد تفضي إلى نتائج بالغة الخطورة، سواء بالنسبة لموريتانيا أو مجموع دول المنطقة المعرضة لكافة أنواع الأخطار، حيث أن الديمقراطية التعددية تواجه اليوم في موريتانيا خطراً حقيقيا، يهدد سلم وأمن الجميع، بينما ترتفع الأصوات من كل جانب مطالبة بحوار صادق بين كافة الفاعلين السياسيين، حوار يكون بناءً ومحترماً للدستور ولمبادئ الديمقراطية المعروفة عالمياً».
وتحدث الشيوخ في رسالتهم عن التطورات التي مرت بها الأزمة الدستورية، حيث أكدوا «أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز أعلن في شهر مايو 2016، نيته إجراء بعض «الإصلاحات» التي يفترض أن تخرج البلاد من الأزمة السياسية التي تعيشها إثر انقطاع الحوار بين الأغلبية الرئاسية والمعارضة الديمقراطية منذ الانتخابات العامة السابقة التي نظمت في سنة 2013، ومن بين الإجراءات التي أعلنها بشكل أحادي، دون تشاور مع أغلبيته البرلمانية ذاتها التي تنتمي إليها الأغلبية الساحقة من أعضاء مجلس شيوخنا، أورد رئيس الدولة إلغاء مجلس الشيوخ واستبداله بـ«مجالس جهوية».
وأضافوا «بدون أن يقوم بأي نقاش مع أي كان، لا في الأغلبية ولا في المعارضة الديمقراطية، عمد رئيس الجمهورية إلى فرض إجازة رغبته الأحادية بواسطة المشاركين في «حوار» تم عقده في شهر أكتوبر / تشرين الأول 2016 بين أهم مؤيدي الرئيس داخل الأغلبية وجزء ضئيل من المعارضة تم انتقاؤه وفرزه على المقاس، بينما استبعد من «المناقشات» الأعضاء الأكثر تمثيلاً للمعارضة الديمقراطية والمجتمع المدني».
وأكد الشيوخ «أن الرئيس توجه بعد ذلك لمراجعة الدستور طبقاً لبابه الحادي عشر، حيث استدعى دورة طارئة للبرلمان بتاريخ 22 شباط/فبراير 2017، بيد أن مفاجأة ضخمة كانت في انتظار السلطة التنفيذية حيث رفض مجلس الشيوخ، بأغلبية 58 ٪ من أعضائه، مشروع المراجعة الدستورية مما أسقط مشروع التعديل المذكور وكان يجب إذاً التخلي عنه بكل بساطة، وبينما كان الجميع يعرب عن ارتياحه لهذا الأداء الديمقراطي الجميل في بلد إفريقي وعربي لا تشيع فيه مثل تلك الممارسة، إذا بمعسكر الرئيس، بعد أن أصبح كالمتمترس، يقرر فجأة تجاوز هذا الشرط والإلزام الدستوري، من خلال إطلاقه عبر تفعيل المادة (38) من الدستور التي تنص على الاستفتاء التشريعي والتأسيسي، لمسطرة مخالفة تماماً على نحو صريح لمقتضيات وأحكام الدستور القاطع، وغير مسبوقة في التاريخ الدستوري للبلاد.»
«إن العودة إلى المادة 38 من أجل مراجعة الدستور، يقول الشيوخ، ليس لها من هدف سوى القفز على تلك الأحكام الأساسية بالنسبة لوجودنا كأمة ديمقراطية، بإعطاء رئيس الجمهورية سلطة غير مقيدة وغير قابلة للتقييد، في التصرف حسب هواه ورغبته في دستور جمهوريتنا وبعبارة أخرى، أن نعطي أو لا نعطي لرئيس الجمهورية مفتاح تفكيك وتغيير المواد المحصنة، وخصوصاً المادة المتعلقة بعدد مدد الرئاسة».
وتابعت الرسالة «وما يزال الجميع في موريتانيا يستحضرون المحاولات البائسة لبعض الوزراء الأكثر ظهوراً في الحكومة، وهم يدعون ببساطة إلى إلغاء تقييد عدد دورات ولاية رئيس الجمهورية في مأموريتين (حيث تعتبر المأمورية الجارية هي الأخيرة وتنتهي في سنة 2019)، ومهما تكن النية الحقيقية أو المفترضة لرئيس الدولة بخصوص هذه المسألة، فإن مما لا مراء فيه أن النتيجة الملموسة لمثل هذا التأويل للمادة 38 هي أن يسمح فعلاً بالمساس بإحدى أهم ركائز آلية الحماية والضمانة ضد مخاطر وانحرافات تأبيد الأنظمة الاستبدادية لأولئك «الرجال الملهمين» المزعومين كما لا نزال نرى كثيراً في قارتنا».
وشدد الشيوخ على «أن موقفهم المبدئي هذا يعتبر ذا أهمية تاريخية بالغة ويكاد يكون غير مسبوق في التاريخ الدستوري لموريتانيا»، مؤكدين «أنهم حصلوا بفضله على تفهم واسع النطاق من طرف الرأي العام الوطني، سواء من الأغلبية التي ما زالوا يعتبرون أنفسهم منها أو من المعارضة الديمقراطية والمجتمع المدني، كما كلفهم أيضا وللأسف التعرض لكل أنواع المتاعب وممارسات الانتقام والعقاب، البائسة أحياناً، والمخالفة في جميع الحالات للنظام الجمهوري، ولمبدأ الفصل بين السلطات والدفاع عن دولة القانون، وقد تفاوتت هذه الممارسات من تدخل الحرس لمنع بعض الشيوخ بالقوة من الدخول إلى قاعة مجلس الغرفة وصولاً إلى حجز جوازات سفر بعض الشيوخ لمنعهم من السفر».
وفي الأخير خاطب الشيوخ رئيس البرلمان الإفريقي قائلين «واعترافاً منا باهتمامكم وحرصكم على المساعدة عالميا من أجل تطوير واحترام القيم المشتركة، التي أصبحت ملكا للبشرية جمعاء، واعترافا بتشبثكم بالتضامن الدولي ووحدة وتآلف أعضاء مجالس الشيوخ في دولنا جميعاً، فإننا واثقون من حسن نظركم وتفهمكم الكريم فيما يتعلق بنضالنا من أجل ديمقراطية تعددية تكون إحدى ركائزها الاحترام التام لصلاحيات واختصاصات كل واحدة من المؤسسات المكونة لدولة قانون قوية ومستقرة.»
يذكر أن رسالة مجلس الشيوخ الموريتاني للبرلمان الإفريقي تدخل ضمن حملة ينفذها الشيوخ الرافضون للاستفتاء منذ أسابيع؛ وتشمل هذه الحملة توجيه رسائل عدة لبرلمانات العالم لشرح رؤيتهم للأزمة الدستورية المشتعلة منذ أشهر بينهم وبين الرئيس ولد عبد العزيز.
وضمن حراكهم السياسي المناوئ للرئيس، شكل مجلس الشيوخ الموريتاني لجاناً للتحقيق في تسيير الحكومة وصفقاتها وفي مصادر تمويل هيئة الرحمة الخيرية التي يديرها نجل الرئيس، كما قرروا مساءلة الحكومة عن قضايا وملفات عدة آخرها قرار مساءلة مقررة لوزير الخارجية حول قرار قطع العلاقات مع دولة قطر.

القدس العربي