الاستثمار السياسي للمعركة مرادف للصمود

خميس, 2014-07-31 18:04

 الفلسطينيون لا يستشارون في ما يتعلق بالحلول المطروحة لوقف إطلاق النار بينهم وبين عدوهم وعدو الأمة العربية بكاملها، الكيان الصهيوني. ما يسمى بالمبادرة المصرية، سمعت بها الفصائل الفلسطينية المقاتلة من أجهزة الإعلام. مصر لا تزال ترفض عقد مؤتمر قيادي فلسطيني على أراضيها إلا إذا قبلت هذه القيادة بالمبادرة المصرية، والاغرب أنها تدّعي الحرص على الفلسطينيين وعلى مستقبلهم الوطني. ما نود قوله على هذا الصعيد، ان الفلسطينيين خرجوا منذ زمن طويـــل من دائرة الوصاية، والتقرير بشأنهم في غيابهم. الفلسطينيون لم يدعون إلى مؤتمر باريس، حتى السلطة الفلسطينيـــة لم تجر دعوتها. من ناحية أخرى، فإن المحاور العربـــــية والإقليمية والدولية تتنافس في ما بينها لعرض تصوراتها للحل الذي لا يبقى في دائرة وقف إطلاق النار فحسب، بل تطــرح حلول بعيدة المدى مثل، خطة كيري على سبيل المثال وليس الحصر. صراع المحاور يتخذ في بعض جوانبه، تصفية حسابات بينمصر في عهد السيسي والتنظيم الدولي لحركة الإخوان المسلمين. ما نتمناه ألا تكون تصفية الحسابات هذه على حساب القضية الفلسطينية التي يجب أن تبقى بمنأى عن تصفية الحسابات العربية. لقد فقدت القضية الفلسطينية،الكثير جراء تصفية الحسابات العربية ـ العربية على مدى تاريخها. ما نتمناه ونطالب به أيضا أن تحافظ كل الفصائل الفلسطينية على خصوصيتها الفلسطينية وتعمل على تدعيم وحدتها الوطنية بعيدا عن صراع المحاور.
على صعيد آخر، مؤخرا كثرت الأصوات التي ارتفعت والتي تحاول ركوب موجة الصمود الفلسطيني العظيم في وجه العدوان الصهيوني. ما نود قوله، لو كانت صورة الصمود الفلسطيني الحالي والمستمر غير التي هي عليه الآن، لكان لسان حال هؤلاء يقول: ألم نحذركم من أن المقاومة لن تجدي شيئا وأنها تعمل فقط على تدمير قضيتنا وإلحاق الخسائر الكبيرة بشعبنا، جيد، أن البعض اضطر حتى إلى تغيير خطابه السياسي ولغته. لا نريد لهذا التغيير أن يكون موسميا وبهدف استثمار الصمود في غير محله، بل استثماره ضمن الأهداف التي تم من اجلها، فالمرادف للصمود هو، الاستثمار السياسي الصحيح له بالشكل الذي يخدم به النضال الفلسطيني العادل، وتضحيات شعبنا الكثيرة التي فاقت كل تصور على ايدي الفاشيين الصهاينة القتلة الابرز في عصرنا، هؤلاء الوحوش في أثواب البشر، أن يخدم ايضا ثوابت شعبنا الوطنية وكافة حقوقه، وكذلك الهدف الإستراتيجي النضالي الفلسطيني في تحرير كامل التراب الفلسطيني ولا شيء منقوصا منه. نعم هذا هو الاستثمار السياسي الصحيح للصمود الفلسطيني العظيم. هذا ما نقوله للسلطة وللفصائل.
من ناحية أخرى، اقترح وزير الخارجية الأمريكي جون كيري خطة تنص في أهم بنودها على وقف إطلاق النار على جبهة غزة لمدة 7 ايام كهدنة إنسانية. بدء مباحثات سياسية في القاهرة بين حركة حماس وإسرائيل، للاتفاق على بنود للحل السياسي. نزع سلاح المقاومة والبدء في إعادة إعمار غزة ورصد قيمة 50 مليار دولار لذلك. المقترح تضمنته المبادرة المصرية كمقترح سري، إضافة إلى بند سري آخر وهو: ضمان عدم إنتاج المقاومة لصواريخ جديدة. من بنود الخطة أيضا: أن تبقى قوات الاحتلال الإسرائيلي في الأماكن التي تحتلها حاليا من ارض القطاع، من اجل الاستمرار في تدمير الانفاق، وهو الهدف المحدود نفسه الذي أعلنته إسرائيل في تبريرها للعملية البرية المحدودة التي نفذتها. مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر سارع إلى رفض الخطة، لكنه وافق على وقف إطلاق نار إنساني لمدة 12 ساعة. كيري ومن أجل إضفاء الصبغة الدولية على خطته: ضمن تأييد مصر لها، فالخطة جاءت في المؤتمر الصحافي المشترك مع وزير الخارجية المصري سامح شكري، كما أعلن عن تأييد كل من الامين العام للامم المتحدة بان كي مون لعناصر الخطة، وكذلك الامين العام للجامعة العربية نبيل العربي لها. الخطة جرى بحثها في مؤتمر باريس الذي انعقد بحضور الوزيرين ووفود من بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وكاثرين اشتون منسقة دول الاتحاد الأوروبي ووزيري الخارجيتين فيتركيا وقطر.
صحيح أن إسرائيل رفضت الخطة رسميا، لكنها في الوقت نفسه طالبت بتعديل بنودها، الأمر الذي يشي بأن رفضها لا يعكس طبيعة قناعات قادتها، ولا الواقع الميداني على الأرض. نقول ذلك لأن خيارات إسرائيل محدودة في ثلاثة: توسيع العملية البرية لتشمل كل الأرض في القطاع وربما إعادة احتلاله، هذا الخيار لا تفضله إسرائيل بسبب الاحتمالات الكبيرة لوقوع خسائر بشرية كبيرة في صفوف جنودها، كما صعوبة تحقيق أهداف العملية. الخيار الثاني هو البقاء في الأرض التي تحتلها حاليا وهو خيار مكلف أيضا. الخيار الثالث هو: الانسحاب ووقف إطلاق النار من جانب واحد، وهذا احتمال وارد. إسرائيل تعلن عدم موافقتها على خطة كيري في الوقت الذي تسعى فيه للتوصل إلى ذلك والخلاص من مأزقها. هذه الصيغة الملتبسة لها أسباب، أنها لا تستطيع رفض الخطة الأمريكية، فإسرائيل لا تود رفع الغطاء السياسي الأمريكي لعدوانها. إسرائيل تحرص على ألا تبدو مهزومة في أي وقف لإطلاق النار، لان ذلك ستكون له تداعياته: انفراط عقد الإئتلاف الحكومي القائم، ربما تشكيل لجنة تحقيق إسرائيلية (على شاكلة اللجان الاخرى بعد كل حرب إسرائيلية خاسرة) للبحث في أسباب عدم تحقيق إسرائيل لأهداف عدوانها في الحرب التي شنتها على القطاع، احتمال كبير بتحميل اللجنة المسؤولية لنتنياهو ووزير دفاعه وللقادة الكبار في الجيش وغيرهم، كل هذا لا يريده نتنياهو ولا يريد تسجيله في تاريخه القيادي الشخصي. بالتالي لا مجال لإسرائيل سوى الموافقة على خطة كيري (عناصرها من المبادرة المصرية) مع إجراء تعديلات على بعض بنودها، سينفذها وزير خارجية الدولة حليفتها الاستراتيجية الأولى رغم (زعله) وعودته السريعة إلى واشنطن. لكنه عاد واكد على أهمية نزع سلاح المقاومة.
على الصعيد الآخر، فإنه لا حماس ولا كل فصائل المقاومة الفلسطينية الأخرى ستقبل نزع سلاحها من غزة، ولا ضمان عدم إنتاجها للصواريخ مستقبلا، لان ذلك سيجعل من قادتها جميعا ومن ناشطيها رهائن بأيدي إسرائيل، التي ربما ستقوم بإعادة احتلال غزة واعتقالهم جميعا. هذا تدركه الفصائل الفلسطينية، التي تعي أيضا أنها في مركز التفوق في المعركة الدائرة حاليا (رغم الخسائر البشرية الكبيرة في صفوف المدنيين الفلسطينيين كل يوم). الصراع الدائر هو معركة حياة أو موت بالنسبة لكافة الفصائل الفلسطينية، بالتالي لا مجال أمامها سوى الصمود. من ناحية أخرى سوف لن تقبل المقاومة الفلسطينية بأقل من رفع الحصار بالكامل، المفروض على القطاع للعام الثامن على التوالي، وكذلك فتح المعابر. هاتان القضيتان في غاية الاهمية بالنسبة لمليوني فلسطيني يسكنون القطاع.
جملة القول ألا مجال لتطبيق أي من المبادرة المصرية أو خطة كيري ببنودهما الحالية، خاصة بعد اجتماع وزيري الخارجيتين القطري خالد العطية والتركي أوغلو مع خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وقد استمعا منه إلى المطالب الفلسطينية للتوصل إلى الهدنة الطويلة الأمد. المطلوب هو الاستثمار السياسي السليم لصمود شعبنا العظيم.

٭ كاتب فلسطيني

د. فايز رشيد