موريتانيا تسعى لمحاصرة تجارة الرق بقوانين جديدة

ثلاثاء, 2017-08-15 01:15

في خطوة تهدف إلى الحدّ من انتشاره، صادق مجلس الوزراء الموريتاني مؤخرا ، على مشروع قانون يتعلق بتجريم التمييز، ويهدف مشروع القانون الجديد الذي يتكون من 26 مادة إلى “تقنين مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون الذي كرسته المادة الأولى من دستور 20 يوليو 1991، حسب ما جاء في بيان مجلس الوزراء. وتنصّ الفقرتين الثانية والثالثة من المادة الأولى من الدستور الموريتاني على أن “تضمن الجمهورية لكافة المواطنين المساواة أمام القانون دون تمييز في الأصل والعرق والجنس والمكانة الاجتماعية. يعاقب القانون كل دعاية إقليمية ذات طابع عنصري أو عرقي“

ويأتي هذا القانون لدعم  قانون رقم 049/15 الذي يقضي بمعاقبة جرائم الاسترقاق والتعذيب بوصفها جرائم ضد الإنسانية وكانت قد صادق عليه البرلمان في اغسذس 2015 ، وهو  يتكون من 26 مادة، تنص مادته الثانية على أن "الاستعباد يشكل جريمة ضد الإنسانية غير قابلة للتقادم"، وتبين المادة الثالثة الحالات التي توصف بأنها استعباد، ومعاقبة كل إنتاج أو عمل ثقافي وفني يمجد الاستعباد، بعقوبة ست سنوات سجنا ومصادرة ذلك العمل.

كما فرض القانون غرامات مالية على كل من شتم علنا شخصا ووصفه بأنه عبد، أو ينتسب إلى العبيد. وقد تصل العقوبة إلى عشر سنوات سجنا نافذا، وتصل الغرامة المالية إلى خمسة ملايين أوقية (حوالي 14 ألف دولار) ونص القانون الجديد على استحداث محاكم متخصصة لمواجهة الرق بقضاة متخصصين، ألزمهم بالمحافظة على حقوق الضحايا في التعويض، وتنفيذ الأحكام القضائية التي تتضمن تعويضا لضحايا العبودية، دون انتظار الاستئناف.

وقد شدد هذا القانون العقوبات على مرتكبي جرائم الاستعباد والممارسات الاستعبادية والأشكال المعاصرة للرق، حيث جاء «في إطار التعديلات التي أدخلت على الدستور وتوصيات خريطة الطريق للقضاء على الأشكال المعاصرة للرق» التي ألغيت رسميا في موريتانيا في عام 1981، وهو ما أشار إليه وزير العدل سيدي ولد الزين عندما أوضح إن «التعديلات الأخيرة على الدستور أكدت أن العبودية والمعاملات الاستعبادية جريمة ضد الإنسانية كما أصبح من اللازم وجود مطابقة في القوانين وتكثيف العقوبات الموجودة في القانون» مضيفا أن «الحكومة صادقت على خريطة طريق في 6 مارس  2014 كيفت الممارسات الاسترقاقية كجريمة وقدمت لها تفصيلا وتوضيحا وتبسيطا لكي يكون المشرع على دراية بما يترتب على ذلك».

فتوى شرعية وأسبوع علمي

وكانت رابطة علماء موريتانيا اصدرت فتوى قالت فيها إنه لم يعد في موريتانيا استرقاق شرعي بعد اليوم ، وأشارت الى أنه "بعد النظر بإمعان على وجه الخصوص في الوضعية الاجتماعية والسياسية التي يعيشها المجتمع الموريتاني، وبعد النظر في المقتضيات الشرعية الملزمة للجميع وبعد الاطلاع على الفتوى الصادرة عن العلماء سنة 1981، وما ترتب عليها من قرار من طرف ولي الأمر بإلغاء الرق في موريتانيا فإن الرابطة تؤكد للجميع أنه اعتبارا من هذا التاريخ لم يعد في البلد استرقاق شرعي".

وأكد الرابطة أن كافة الممارسات المحتملة بعد هذا التاريخ تعتبر باطلة شرعا، وعلى كل الجهات المعنية، العمل على إنهاء المخلفات الناجمة عن هذه الظاهرة عبر التاريخ واعتبرت أن هذا الجهد خدمة شرعية يلزم الجميع القيام بها كل من موقعه وحسب جهده.

وأصدر الشيخ أحمد جدو أحمد باهي الذي يعتبر من أبرز رجال الدين في موريتانيا فتوى شرعية بتحريم الرق وقال في بيان له « إنني أفتي - مستعينا بالله تعالى - ببطلان أي اعتبار لوجود أي نوع من الرّق الشرعي اليوم في موريتانيا، وأن جميع أبناء هذا الوطن سواسية في الحرية، وأن الإسلام بريء من أي عمل ينشأ عن هذا الاعتبار، وأشدّد على أن استغلال الحرّ باسترقاقه، أو الانتقاص من شأنه أو اغتيابه في غيبته أو إذايته بحضرته باسترقاق زائف، أمر يحرمه الشرع ويرفضه الإسلام » وإعتبر  «إنه يجب على العلماء والدّعاة والمصلحين وعقلاء البلد من جميع الفئات والطوائف أن تقف وقفة رجل واحد للقضاء على هذه الظاهرة غير الشرعية وعلى مخلفاتها الهدّامة على وحدتنا وتماسكنا الذي عدّه رسولنا صلى الله عليه وسلم أبرز مميزاتنا الإيمانية "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى شيئا تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" متفق عليه»

دعم سياسي

سياسيا ، قال حزب التحالف الشعبي التقدمي أن أي محاولة لاعتماد فتوى 1981 الخاصة بالاسترقاق في موريتانيا من شأنه أن يعيد البلد إلى المربع الأول ويفتح الباب على جميع المخاطر، محذرا من إنكار وجود العبودية في موريتانيا أو التقليل من مخاطرها والتغاضي عن تذمر ضحاياها ، مشيرا في بيان له الى إنه يجب الاعتراف  بعدم شرعية العبودية في موريتانيا، واعتبر الحزب في بيان له أنه "رغم وجود ترسانة قانونية فإن إرادة تطبيقها تبقي غائبة بشكل مأساوي ومريع"، مطالبا بإصدار مراسيم تطبيقية للقوانين الصادرة بشأن العبودية ومخلفاتها، وإعطاء "تعليمات صارمة للإدارة وقوى الأمن والعدالة من أجل التعامل العادل والجاد مع الملفات المتعلقة بالعبودية".

ودعا الحزب الموريتانيين إلى "حوار اجتماعي توافقي وشامل يمكن من حل المشاكل الاجتماعية ذات الصلة بالوحدة الوطنية واللحمة الاجتماعية خاصة العبودية التي أصبح القضاء عليها ملحا أكثر من أي وقت مضى » ، مبرزا إن القوانين الموجودة حاليا "لا تكفي للقضاء على الرق"، وقال  أنه "رغم  وجود ترسانة قانونية فإن إرادة تطبيقها تبقي غائبة بشكل مأساوي ومريع". وأضاف أن نتائج عدم تطبيق هذه الترسانة "تتضح في الاحتقان والاحتكاكات لدي الشرائح المتضررة".

من جانبه ، أعرب حزب المستقبل الموريتاني الذي أسسته قيادات مناهضة للرق عن ارتياحه للفتوى التي أصدرتها رابطة علماء موريتانيا بخصوص مشروعية العبودية في موريتانيا ، مؤكدا أن فتوى رابطة العلماء "خطوة بناءة وتستحق الإشادة"، داعياً في الوقت ذاته إلى تجسيدها على أرض الواقع من خلال الأقوال والأفعال، وفق تعبيره، وأضاف الحزب أنه استقبل الفتوى "بارتياح من قلوب صادقة ونوايا مخلصة"، مشيراً إلى أنها الخطوة الأولى من نوعها في البلاد.

كما شدّد الحزب على أهمية أن تتجسد على أرض الواقع "سواء تعلق اﻷمر بالتطبيق الفعلي للقوانين المحرمة والمجرمة للعبودية كممارسة، والقضاء على كافة مخلفاتها أو على المستوى اﻹداري واﻷمني ».

150 الف موريتاني تحت نير العبودية

يقدر مؤشر الرق العالمي  أن حوالي 150 ألف شخص أو 4 بالمئة من سكان موريتانيا ما زالوا عبيداً، وتصل تقديرات لهيئات أخرى إلى حوالي 20 بالمئة من السكان،  وقالت جولنارا شاهينيان مقررة الأمم المتحدة الخاصة بشأن الرق أثناء زيارتها إلى موريتانيا "أشيد بالحكومة الموريتانية للإجراءات التي اتخذتها منذ مهمتي السابقة في 2009 وتعهدها بإنهاء الرق في البلاد." لكن ما زال يتعين عليها أن تترجم وعودها إلى أفعال وأن تتخذ إجراءات أكثر قوة فيما يتعلق بإنهاء الرق، وأن تطبق بشكل كامل القوانين والسياسات ،داعية الحكومة الى نشر اتفاقيات مكافحة الرق التي صدقت عليها مؤخراً لزيادة الوعي من أجل ضمان عدم السخرة في العمل واحترام الحقوق الأساسية للإنسان.

 وبيّن بوبكر ولد مسعود،الحقوقي الموريتاني البارز ورئيس منظمة نجدة العبيد  إن هناك حاجة إلى جهود ضخمة لاستئصال الرق، لأنه يشكل الآن جزءاً من "التعليم الأساسي" للسكان. وأضاف قائلاً "الموريتانيون ليسوا أمناء مع أنفسهم بشأن الرق. تقاليدهم وعاداتهم تدعم الرق وعدم المساواة. المنظمات مثل الأمم المتحدة يمكن أن تساعد لكن الأمر بيد كل شخص لإحداث ثورة شخصية."

ورغم الإجراءات القانونية السابقة لا يزال الرق منتشرا في موريتانيا التي كانت ألغت العبودية رسميا في عام 1981 من خلال أول  قانون يجرم الظاهرة  تحت الحكم العسكري آنذاك بعد انتفاضة شعبية وسلمية قام بها العبيد والعبيد السابقون بتأطير من حركة “الحر” التي تعتبر أول حركة مناهضة للعبودية أنشأها متعلمون من العرب  السمر   ”الحراطين” في موريتانيا خلال مارس 1978، وقامت هذه الانتفاضة الانعتاقية في كبريات الموريتانية إحتجاجا على بيع النساء علنا وإضطهاد العبيد والعبيد السابقين في مخافر الشرطة والدرك.

 وفي يوليو 2007  أصدرت الحكومة أول قانون يُجرم العبودية ويُعاقب من يتعاطي الممارسات الاسترقاقية ويحكم على من يدان بتهمة ممارسة العبودية في موريتانيا بالسجن حتى 10 سنوات، حيث اعتمد البرلمان الموريتاني قانونا يجعل من الرق جريمة جنائية عقوبتها السجن مدة تقرب من عشرة اعوام وهو امر تطالب به الجماعات الحقوقية في البلاد منذ سنوات.

وفي العام 2009 قال تقرير صادر عن  لجنة حقوق  الانسان بموريتانيا  أن الممارسات الاستعبادية على العرب  السمر لا تزال تتواصل بأشكال واسعة إذ لا تزال  العبودية  والرق  حاضرة  بوجه كثير وبصورة خاصة في الوسط الريفي الموريتاني خاصة حيث تكثر النزاعات العقارية على نطاق واسع بين العبيد السابقين وأسيادهم السابقين اللذين لم يعودوا يرغبون في استغلال الأرض لصالح الغير.

وبحسب أخر تقرير لمنظمة نجدة العبيد صدر العام 2015 فإن «سيطرة أبناء الأسياد السابقين على مفاصل الدولة وأجهزتها، مكنهم من الاحتيال على القانون، وظلم العبيد ومنعهم من حقوقهم، ولا تزال سيطرة الأسياد وحلفائهم والمقربين منهم على مراكز اتخاذ القرار تقف عائقا أمام منع جميع أشكال العبودية في موريتانيا» .

وأعلن المرصد الموريتاني لحقوق الإنسان الصادر أوائل إبريل الجاري أنه « وعلى الرغم من اعتماد قوانين تجرم الرّق، وإنشاء محكمة خاصة في ديسمبر 2013 للنظر في قضايا الرّق، فقد ظل التنفيذ ضعيفا، فمابين 2010-2014 أحيل ما لا يقل عن ستة قضايا متعلقة بالرق إلى المدعي العام، ولم يبت في أي منها حتى يومنا هذا».

الحبيب الاسود - بوابة افريقيا الاخبارية