حكاية الجندي الإسرائيلي الضائع

أحد, 2014-08-03 21:50

يحكى أن جنديا اسرائيليا، أو لنكن أكثر دقة ضابطا اسرائيليا برتبة ملازم، خرج في السابعة من صباح الجمعة الفاتح من اغسطس/اب مع مجموعة من الاصدقاء «للتنزه» في عمق 2 كيلومتر داخل رفح، وتقول رواية أخرى، انه خرج في رحلة صيد، صيد البني آدميين من ابناء غزة. اثنان من رفاقه قتلا، أما هو هدار غولدن فقد اختفى، ضاع، اسرائيل تقول انه قد يكون وقع في الأسر، وحماس تنفي انه أُسر ولا تعرف مصيره. سارعت الولايات المتحدة، وهذه المرة الامم المتحدة الى اتهام حماس بخرق الهدنة، كيف تخرق الهدنة قبل ان تبدأ، وكان من المفترض ان تبدأ في الثامنة صباحا. مسؤولو الامم المتحدة يعترفون بأنه ليس لديهم أدلة على ان حماس هي التي خرقت الهدنة، وقالوا ما قالوا بناء على الرواية الاسرائيلية.
اسرائيل قصفت بيوت رفح بعدها وقتلت ما يزيد على المئة، واعلنت انها في حل من الهدنة. هل لاحظ احد ان اسرائيل اعلنت عن فقد هذا الضابط خلال اقل من ساعة من اختفائه، ربما لتتنصل من الهدنة التي قبلتها على مضض، كما يتردد، تحت ضغط من الامم المتحدة والولايات المتحدة. عندما أُسر الجندي الاول لم تعترف اسرائيل به الا بعد ايام، خاصة بعد ان نشرت حماس اسمه ورقمه العسكري وقالت انها تعتقد انه قتل، اما هذا الضابط فحماس تقول انه ربما قتل بينما اسرائيل تبدو متأكدة من انه في الأسر، يبدو ان هدار ضاع لغاية في نفس يعقوب، اسرائيل أقامت الدنيا ولم تقعدها على هذا الجندي الضائع، لا احد يتحدث عن الاف الفلسطينيين القتلى والجرحى والمشردين، القنوات الامريكية لا تناقش الا مصير هذا الضابط. هذا بالضبط ما تريده اسرائيل، التركيز على هذا الجندي «المسكين المفقود «، وان حماس  بأسرها اياه تكون قد حرمت اهل غزة من هدنة انسانية لمدة 72 ساعة! الرئيس اوباما والوزير كيري وبان كي مون، السكرتير العام للامم المتحدة سارعوا الى الدعوات الى اطلاق سراح الضابط  فورا وبدون قيد او شرط. يا سلام! هل حياة عسكري اسرائيلي كان في مهمة للقتل اصبحت في الضمير الامريكي تساوي اكثر مما يقارب الألفي شهيد فلسطيني واضعافهم من الجرحى، وعشرات المفقودين الذين تتحلل جثثهم تحت الركام، بحيث يصعب حتى التعرف على هوياتهم لاحقا.
لنعترف بصراحة، بالحقيقة المرّة، اسرائيل فوق القانون، او لنقل كل القوانين، تستطيع ان تجعل العالم يقف على رجل واحدة يتحدث عن احد جنودها المفقودين في ساحة حرب. بينما ينام العالم قرير العين، اخرس بعد ان تقصف اسرائيل المدارس والمستشفيات والبيوت على رؤوس اصحابها، ومحطات الوقود والكهرباء والصرف الصحي، وحتى دور المعاقين.
الاعلام الامريكي يفتقد المهنية، يردد أن حماس تخبئ اسلحة وصواريخ في مدارس الوكالة معرضة حياة المدنيين للخطر، مع ان مسؤولي الامم المتحدة اكدوا ان ايا من المدارس الست التي قصفت لم تحتو على اي اسلحة. صور الجثث الفلسطينية من الشجاعية وخزاعة وبيت حانون وبيت لاهيا ورفح والتفاح وخانيونس ضلت طريقها الى القنوات الامريكية عمدا، بينما صور الاسرائيليين يركضون بهلع الى الملاجئ  تملأ الشاشات. الاعلام الامريكي يضع عناوين مبهمة من باب تصاعد العنف في الشرق الاوسط، وتزايد اعداد المدنيين القتلى في النزاع بين اسرائيل وغزة مما يوحي للمشاهد بان الخسائر متساوية في الطرفين. الاعلام يردد ان صواريخ حماس تستهدف المدنيين، ولا تقول ان القتلى المدنيين الاسرائيليين هم ثلاثة فقط، حتى عندما تقتل اسرائيل المدنيين الفلسطينيين يخرج المدافعون عن اسرائيل ليقولوا ان حماس تتخذ من المدنيين دروعا بشرية وتقصف اسرائيل من الاماكن السكنية، من دون ان يناقشهم احد في عدم صحة ما يتقولون به. الاسرائيليون والصهاينة الامريكيون والعرب يتباكون على القتلى من النساء والاطفال في غزة، ثم لا يلبثون ان يحمّلوا حماس مسؤولية دمائهم.
تنادت مؤسسات حقوق الانسان ومنظمة العفو الدولية مستنكرة البطش الاسرائيلي بالمدنيين الفلسطينيين، ولكن أصواتها ذهبت أدراج الرياح، فمجلس الامن دكان امريكي جاهز للدفاع عن اسرائيل، والفيتو جاهز، اما الجمعية العامة للأمم المتحدة فقراراتها لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا تساوي ثمن الحبر الذي تكتب به.   
الخسائر في الجانب الفلسطيني اضعاف ما هي في الجانب الاسرائيلي، ولكن لا بأس انهم يألمون كما تألمون، وترجون من الله ما لا يرجون. وغزة المدمرة ستنتفض كما العنقاء، شامخة منتصرة.
في الصميم: الى كل الذين ينتظرون ان يصحو الضمير العالمي والعربي الرسمي، نقول قد يطول انتظاركم طويلا.. طويلا، لأن هذا الضمير الغائب والمنفصل والمستتر، مات، ونقول استدراكا اللهم ما عدا الرئيس البوليفي الشجاع ومعظم دول امريكا اللاتينية مثل البرازيل والتشيلي وبيرو والاكوادور والارجنتين وفنزويلا والاوروغواي والبراغواي، فلتخجل مصر والامارات والسعودية من مواقفها، التاريخ لا ينسى، ولا يغفر.
٭ كاتب فلسطيني

د.خليل قطاطو