ضعف الدينار يؤشر إلى مستقبل اقتصادي قوي في تونس

ثلاثاء, 2014-08-05 15:06

رغم التوقعات بمخاطر اقتصادية وسياسية جراء انخفاض قيمة العملة، لكن فرصا كبيرة تلوح

على المدى البعيد مثل توفير فرص العمل وتشجيع المستثمرين.

يقوض ضعف الدينار التونسي القوة الشرائية لمواطني البلاد ويعيد إلى الأذهان ذكرى الأزمة الاقتصادية التي نشبت بعد انتفاضة العام 2011 لكن انخفاض قيمة العملة قد يشير هذه المرة إلى مستقبل مالي أقوى.

وعلى مدى الأشهر الأربعة الأخيرة سمح البنك المركزي بتراجع الدينار أمام اليورو والدولار وهو ما يضع نهاية لأشهر تدخل فيها البنك للحفاظ على استقرار العملة أو حتى رفعها.

وينطوي انخفاض قيمة العملة على مخاطر اقتصادية وسياسية في وقت تستعد فيه البلاد لانتخابات برلمانية في أكتوبر/تشرين الأول ورئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني وهي انتخابات تأمل تونس أن تكمل عملية انتقال إلى الديمقراطية شهدت عنفا في بعض الأحيان.

لكن تراجع العملة قد يجلب فوائد كبيرة لتونس في المدى البعيد مثل توفير فرص عمل من خلال تحفيز الصناعات التصديرية وتشجيع المستثمرين الأجانب على ضخ أموال إلى البلاد.

وقال سليم فرياني الرئيس التنفيذي لشركة أدفانس اميرجنغ كابيتال ومقرها لندن إن البنك المركزي بات أكثر استعدادا على ما يبدو في الأشهر الأخيرة للسماح بانخفاض الدينار بسبب العجز التجاري وتراجع احتياطيات النقد الأجنبي.

وأضاف أن انخفاض قيمة العملة محدود ومحكوم وينبغي النظر إليه في سياق السياسات الاقتصادية العملية التي تتبناها حكومة الكفاءات التي عينت في يناير/كانون الثاني مثل خفض دعم الوقود والغذاء.

وتابع فرياني وهو تونسي تستثمر شركته في الأسواق الناشئة والمبتدئة في أنحاء العالم "ثمة ضوء في نهاية النفق."

وأحجم كثير من البنوك المركزية في شمال أفريقيا عن السماح بانخفاض عملاتها منذ قيام انتفاضات الربيع العربي في 2011 خشية نزوح روؤس الأموال والتضخم اللذين قد يؤججان التوترات الاجتماعية. وإذا نجح الانخفاض المحكوم لقيمة العملة التونسية في تعزيز اقتصاد البلاد فقد تحذو حذوها دول أخرى.

انخفاض قيمة العملة

تدخل البنك المركزي التونسي بقوة لدعم الدينار في أعقاب الانتفاضة من خلال بيع العملة الصعبة رغم أنه تمكن فقط من إبطاء معدل الانخفاض دون إيقافه.

واستنزف التدخل احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي التي انخفضت إلى 10.39 مليار دينار فقط (6.08 مليار دولار بسعر الصرف الحالي) أو ما يغطي واردات 93 يوما في أواخر أبريل/نيسان مقارنة مع احتياطيات تغطي 102 يوم قبل عام.

ووصف محافظ البنك المركزي التونسي الشاذلي العياري تراجع الاحتياطيات بأنه "خطير".

ويبدو أن هذا التراجع أدى إلى اتخاذ قرار تقليص التدخل والسماح بانخفاض محكوم للدينار. وبدأت العملية في أوائل أبريل/نيسان وأدت إلى انخفاض العملة التونسية من 2.17 دينار لليورو إلى مستواها الحالي 2.30 دينار. ونزل الدينار أمام الدولار إلى 1.71 من حوالي 1.57 دينار للدولار.

وامتنع مسؤولو البنك المركزي عن التعليق علنا على سياسة سعر الصرف نظرا لحساسية المسألة.

لكن انخفاض العملة يتزامن مع إصلاحات لسوق الصرف نوقشت مع صندوق النقد الدولي الذي وافق في يونيو/حزيران 2013 على إقراض تونس 1.74 مليار دولار في إطار برنامج مدته عامان.

وفي مارس/آذار استحدثت السلطات منصة للتداول الإلكتروني وأسست نظاما للبنوك الصانعة للسوق باعتبارهما سبيلين للسماح بتحرك أسعار الصرف بمرونة أكبر وفقا للعرض والطلب بدلا من هيمنة معاملات البنك المركزي عليها.

وتعهد المركزي التونسي في رسالة إلى صندوق النقد الدولي في أواخر أبريل/نيسان باتخاذ خطوة أخرى لتحقيق مزيد من المرونة في السوق قبل نهاية هذا العام من خلال طرح عطاءات أسبوعية للعملة الصعبة.

وقال إن التدخل حاليا يشكل نحو 30 بالمئة فقط من التعاملات في سوق الصرف مقارنة مع 50 بالمئة قبل شهرين فقط.

ويبدو أن البنك المركزي يعتمد على مستويات أسعار الفائدة بدرجة أكبر من اعتماده على التدخل للحيلولة دون انخفاض قيمة الدينار بشكل مفرط. ورفع البنك سعر الفائدة الرئيسي في يونيو/حزيران إلى 4.75 بالمئة من 4.5 بالمئة وهي ثاني زيادة في ستة أشهر.

ولقي التحول في سياسة العملة قبولا عاما من صندوق النقد الذي أصدر بيانا في يوليو تموز يحث فيه السلطات التونسية "على الاستمرار في تعزيز احتياطيات النقد الأجنبي بما في ذلك من خلال زيادة مرونة سعر الصرف."

تكاليف وفوائد

لم يتضح إلى أي مدى سيصل انخفاض الدينار. وكان البنك المركزي قد قال في بيانه في أواخر أبريل/نيسان إنه يعتقد أن الدينار أعلى من قيمته الحقيقية بنحو سبعة بالمئة وهو ما يعني ضمنا أنه ينبغي أن يستقر عند نحو 2.39 دينار أمام اليورو.

من ناحية أخرى قد يكون من الصعب وقف تراجع العملة ما دامت تونس تعاني من عجز كبير في تجارة السلع والخدمات والذي يتوقع صندوق النقد أن يصل إلى 3.1 مليار دولار أو 6.7 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام.

ولا يرحب الكثير من التونسيين العاديين بانخفاض قيمة الدينار إذ يقلص قيمة مدخراتهم بالعملة الصعبة ويزيد معدل التضخم الذي ارتفع إلى 5.7 بالمئة في يونيو/حزيران.

وقالت وسيلة بنت صالح (40 عاما) وهي موظفة بشركة نقل في العاصمة التونسية "يدفع المواطنون ثمن انخفاض الدينار. فالدينار ليست له قيمة الآن مع ارتفاع الأسعار."

وأضافت أن بعض أنواع العطور اختفت من المتاجر مع ارتفاع تكاليف الاستيراد بسبب انخفاض قيمة العملة.

وقال معز العبيدي الخبير الاقتصادي والعضو السابق بمجلس إدارة البنك المركزي إن انخفاض الدينار قد يكون "كارثيا" وإنه ينبغي للسلطات اتخاذ مزيد من الإجراءات لدعم العملة بتقليص واردات السلع الترفيهية مثل السيارات ومكافحة التهريب.

لكن ظهرت في الأفق علامات تشير إلى أن انخفاض قيمة العملة يساهم بالفعل في زيادة احتياطيات تونس من النقد الأجنبي والتي ارتفعت إلى 12.09 مليار دينار أو ما يغطي واردات 108 أيام بحلول نهاية يوليو/تموز وفقا للموقع الإلكتروني للبنك المركزي.

ويرجع هذا التعافي -على الأقل في جزء منه- إلى المساعدات الخارجية حيث أودعت الجزائر 100 مليون دولار لدى البنك المركزي التونسي في مايو/أيار لكن بعض الأموال الخاصة ربما بدأت تعود إلى البلاد أيضا.

وصعدت سوق الأسهم بنسبة خمسة بالمئة منذ نهاية أبريل/نيسان.

وربما تكون تونس في وضع يتيح لها الاستفادة من سعر صرف تنافسي جديد إذا زادت وتيرة التعافي الاقتصادي التدريجي في أوروبا وعزز هذا الطلب على صادراتها.

هذا التحول في السياسية النقدية التونسية تراقبه عن كثب دول أخرى في شمال أفريقيا تعاني من عجز خارجي كبير وتحتاج لجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية لكنها لم تجرؤ حتى الآن على السماح لعملاتها بالانخفاض.

فعلى سبيل المثال حافظت مصر إلى حد بعيد على استقرار الجنيه خلال السنة الأخيرة وأنفقت مساعدات أجنبية بمليارات الدولارات لتحقيق ذلك. وحال المغرب دون تراجع كبير في الدرهم برغم أن صندوق النقد يحثه على زيادة مرونة أسعار الصرف.

وقال جيسون توفي الاقتصادي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط لدى كابيتال ايكونوميكس في لندن إن انخفاض قيمة الدينار التونسي قد ينظر إليه بطريقة ما كعلامة على الثقة وليس الفشل الاقتصادي في الوقت الذي تتصدى فيه البلاد لمشكلة رئيسية في السياسة الاقتصادية.

وأضاف "قد تتخذ دول أخرى في المنطقة مثل مصر نفس القرار في نهاية المطاف" مضيفا أن السلطات المصرية ربما تتخذ إجراء بخصوص عملتها بعد الانتخابات البرلمانية المتوقعة في نهاية 2014.