التعليم أولا، والحروب آخرا؟

اثنين, 2018-01-29 11:38

يحتاج المدونون والباحثون في الشأن العام في أغلب دول العالم، إلى عقول ذكية لدراسة مستقبل كل من البشرية ، والكوكب الأرضي الذي نسكنه،و تأثيرات انهيار النظام العالمي المترهل الذي حكم منذ مائة سنة عالم ما بعد الحرب العالميتين الأولى1914-1918 والثانية1939-1945

عالم يختفي فيه بشكل مذهل  تأثير مدارس وقيادات الفلسفات العقلانية، والأفكار الديمقراطية،  وشعارات الثورات الصناعية والتحررية، وقيم الأديان ،وتتراجع فيه وسائط القراءة  والتأني، لصالح سعرات  الجهل وآفات العجلة.

الأفارقة الذين يشكلون،أحرار العالم ، والذين  كانوا وقود الحرب التي حررت أوربا من النازية والفاشية، وبنوا بثرواتهم و فلذات أكبادهم، الثورة الصناعية في الغرب،ومصانع الفحم... هاهي قارتهم بخيراتها، وحركاتهم التحررية بأجيالها، تسلب القدرة على التفكير، وعلي الإنتاج..فنحن مجرد سوق استهلاكي كبير،غارق في الفقر والأمية. نمور آسيا كمثال،حولتها قيادات لها رؤى تفكر في مستقبل أجيالها ،من فقر مدقع الى نهضة  شاملة

نهضة  حققت المعجزة، بسبب خروج قيادات متنورة من بين الغابات الخضراء والصحاري الزاحفة ،ليست أولويتها الحروب، وليس زادها لفساد، وتؤمن برحمة الرحيم، وخلال  خمسين سنة  نهضت ماليزيا كما نهضت اليابان من الركام.

مجانية التعليم، ومجانية الصحة، ومجانية النقل البري،

ومجانية التمويل للمهندسين ولأصحاب الخبرات من الشباب، وتحويل الحكومة الى كفاءات، وبث الأمل و ووقف النهب، وانتخاب من يخدم الشعب، واحترام الثقافات والتنوع، وتقديس الاسلام وألف وخمسمائة سنة من العطاء و الألق، هذه باختصار كانت أسس صناعة المعجزة.

في هذا  الأفق لا مكان الا   لأهل  الأرض، ولقيم المشترك وبهذه القيم يصنع التعايش، ولا تعايش بدون رؤية للأكثرية  قوامها  مشتركات  التدين،  المأوى، اللغة المشتركة، المهنية، الحداثة ،الحقوق  المتساوية في فرص التعليم والصحة والابداع والانتخاب.

هذا  المنجز يستحق  قوة  وشجاعة  وقائدا ملهما، والى تقدير الذكاء والعبقرية، والى  طرح أسئلة مشروعة، ونحن ننشىئ لجان تفكير للإصلاح، ونطلب رأي نخب فزاعة الى  التقية في التعبير عن قناعاتها الحقيقية.

لماذا لا نستثمر في البشر قبل الذهب والحجر، لماذا لا نركز على ثالوث الحوسبة والتقنية الرقمية، والأرض الخضراء، وهل يمكن أن نقف  على القدمين اذا لم تكن أكبر ميزانية في سنوات البناء هي للتعليم والاستثمار في بناء العقول.

ليس بالمال والاقتصاد تبني الأخوة بلا اكراه،  وتمرتن المحبة بلا رشوة، بل بالعلم والنأي عن البنك الدولي وأغلاله، وحماية القانون واستقرار الصرف ورقمنة العملات. ندرك أن من يبني ويشيد، ومن يفكر وينجز باني  الأوطان هذا، يكرهه المفسدون والسماسرة أعوانهم، من يجمع ولا ينفق، ويتاجر ولا يفكر، التجارة  عندهم عد للنقود  كنزا ومكسا، وهي ليست استثمارا في المستقبل، بل تنافسا في الجشع.

نحن نعيش عهد بناء المصانع والمزارع ، في بيئة الإسلام الوسطي، البيئة الأقوى من كل سلطان،لأنه لا يوجد سلاح أمضى من سلاحي العلم والعدل ،بهما يعرف الحق، وبهما يعبد الله. أما أمة العرب والمسلمين، التي انجبت  للبشرية أعظم حضارة لأنماط ومثل الأخوة والمحبة، وقواعد التعايش والسلم، التي حكمت  العقول، وبنت جيوش الفتح،  وبثت مآذن التوحيد ، وأسست مكتبات المعارف  البشرية، مكتبات كانت هويتها طلب العلم والبحث عنه  ولو في الصين.

فهي أمة تشكل اليوم، كما شكلت منذ نشأتها، مركز الصراع والكون، يغزوها هولاكو كل عصر ، ويحارب

حضارتها كل فرعون لا يسبح ولا يتطهر.،  ويخشاها من لا يأرز الى الصلاة  والصوم والزكاة، التي جعلت أمتنا ، أمة  السجود والصيام والانفاق، لا تموت فيها قيم التعايش والتكافل، ولا مكان بين ظهرانيها لمطاردة المهاجرين، ولا لبناء الحواجز بين أبناء البشرية.

آفل ، آفل، آفل من يريد أن يؤله الشمس والقمر ، أو يحجب النور والعلم ، أو يتقوقع خلف الحيطان وخلف الأسلاك الشائكة، ومن يظن أن الثروة جمع وكنز، أو أن السلطة أمر ونهي. أمة  تصنع الأخوة، وتشع بنور المحبة، لا تحتاج الى حروب ولا الى الأحلاف، ولا تحتاج الى قمع وحراسات فكفي بالأخلاق والعلم حارسان، وكفى بهم طرقا  معبدة.

من يفكر بلغة أن الجندي يمكن أن يجوع  ولا يبوح، وأن الرضيع يمكن أن يستيقظ و لايرضع أو يصيح، وأن المثقف وصاحب الرأي الذي لا يبيع ولا يشتري يمكن أن يحاسب على رأيه ، وهو لا يملك الا قلما وحبرا وورقة فهو يلقي أقلامه في البحر ، وزكريا بالمحراب قد كفل مريم وأخذ غلابا قداسة  من تقول له: هو من عند الله، وابنها الروح الذي يصدق  ويصدق يوم الدين يقول بجواب أبلغ بيان مخاطبا الله العلي الكبير: إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ۖ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ

اليوم تجرى انتخابات في أعرق الديمقراطيات فتأتي برجال من خارج الحلبة ، وتقدم هواة كوميديين  وممثلين لرئاسة دول عظمى، وتجرى أخرى وتأتي بجيل الحبيب بوركيبه ستين سنة الى الوراء، وتنتج مسرحيات انتخابات  أخرى أشباه ثورات تقود الى حروب أهلية،أو توطد الاستبداد وتوطن التدخلات الأجنبية.

لم يعد الرهان على  الأحزاب في مشهد الانتخابات ونخبها التي تلهث وتخسر مقاعدها جملة وتفصيلا، لم يعدالرهان على تجار الحروب والخانعين للمحتل وأجندة الغزاة، وليس من الحكمة استنساخ تجارب المتهالكين على كراسي   الحكم في بيئة  لا أمن فيها يمسكه أبناء البلد.، ولا استثمارات وطنية تقود الاقتصاد الكلي للوطن.

كل مايريده العقلاء ، بقية الشناقطة من بين غثاء السيل مشرقا ومغربا، أن نؤسس لحماية باسقات العلم والسلم والحلم في بلد عناق المئذنة والمحظرة،  إذ كل مال لا يحمي هذه  الأيقونة، ولجان لا ترسم جمالها، ومجلس وطني لا يصون جذوعها، وفريق برلماني لا  يسقي بالماء المبارك قطوفها الدانية، وأغلبية ومعارضة لا يصليان الشفع والوتر بظل أفنانها...فهم أشباح عابرة وأيادي سبأ، كأهل زنجبار، تركوا مراكب أسد بن الفرات ، أو كذهب يأكله المعتصم بالله، يوم سلم بغداد للتتار الغزاة.

موريتانيا اليوم مثال بين  في السلم الأهلي وفي الاستقرار ، ومؤهلة لجذب الأجندة الإفريقية سنة2063،  إذا لم نضيع الفرص، وإذا قدمنا في الصف  الأول من يقدم فكر  الأخوة على الفرقة ، وخطاب المحبة على لهج  الكراهية.

بقلم: محمد الشيخ ولد سيد محمد/ أستاذ وكاتب صحفي