تباين السياسة الأمريكية إزاء «القاعدة» وداعش

ثلاثاء, 2014-08-05 22:29

حفلت وسائل الاعلام وكذلك مراكز الابحاث في الولايات المتحدة بالعديد من المقالات والدراسات، التي تحذر من تمدد داعش، وتحدث بعضها عن أن «داعش بات التنظيم الأخطر والأكثر ثراء في العالم، وأن القاعدة ستندثر أمام عودة الخلافة». وعلى المستوى الاستخباري والامني الامريكي عبر ريتشارد لوجيت، نائب مدير وكالة الأمن القومي الأمريكي، في منتدى «أسبن» الأمني الشهر الماضي، «بأن التهديد الأكثر إثارة للقلق هو أن هناك آلاف المسلحين الأجانب المدرّبين، يعملون بإمرة الدولة الإسلامية». وهو الامر ذاته الذي أكدته أيضاً ليزا موناكو؛ مستشارة مكافحة الإرهاب في البيت الأبيض؛ التي أخبرت المنتدى نفسه، «بأن تنظيم داعش الذي يعمل بآليات تنظيم القاعدة يشكل خطراً محتملاً على الولايات المتحدة نفسها».
ويبدو، ان امريكا لا تنظر لداعش بالنظرة نفسها لـ»القاعدة»، وربما اعتقدت واشنطن ان «القاعدة» تمثل خطورة اكثر من داعش، التي يرى البعض ان قوتها مؤقتة. هذا التصور تؤكده بعض الوقائع، فمثلا يمنح مكتب التحقيق الفيدرالي الأمريكي (FBI ) خمسة وعشرين مليون دولار للقبض على الظواهري وعشرة ملايين دولار للقبض على البغدادي؛ وكذلك تلاحق الولايات المتحدة عسكريا معاقل «القاعدة» في افغانستان وباكستان واليمن وأماكن اخرى، بينما نلاحظ ان الولايات المتحدة تتردد في توجيه ضربات لمعاقل واماكن وجود داعش؛ ويأتي هذا التردد في وقت يواجه فيه العراق خطر الموت، كما أن الحرب الأهلية في سوريا اخذت منحى لا يمكن التنبؤ بنهايته، بل ان كل الشرق الأوسط بات تحت التهديد. 
وفي الحقيقة ان الاختلاف بين دولة الخلافة (داعش) و»القاعدة»، وبقية الإسلاميين الحركيين، هو اختلاف الشَّكل لا اختلاف المحتوى والمضمون، وكلهم يتوقون إلى خلافة تمارس ما مارسته داعش بالموصل، واعتراضاتهم عليها جزئية تمس الاسلوب ولا ترقى الى الرفض الكلي. 
واذا نظرنا الى داعش و»القاعدة» فسنجد مشتركات عديدة بينهما، هذه المشتركات تتمثل بالخطاب، والراية السوداء مع الشهادة الاسلامية، والهدف المتمثل بإقامة دولة الخلافة الإسلامية، التي اعلنت داعش عن قيامها واختارت زعيمها ابو بكر البغدادي الخليفة فيها. ولكن على الرغم من المشتركات، فقد ظهر مؤخرا صراع عضوي مميتا بين الطرفين، وها هي «القاعدة» تعتبر داعش أكبر تهديد لها منذ تأسيسها عام 1988 من قبل أسامة بن لادن. 
المشتركات والصراع رافعتهما الفوارق بين الظواهري والبغدادي، فالأول تتمحور تجربته حول «الجهاد الافغاني»، بينما قامت تجربة الثاني من خلال «الجهاد العراقي». الظواهري له تنظيراته المتعلقة بثورات الربيع العربي وتاريخ الاخوان المسلمين في مصر، ويستفيد من الهالة الاعلامية المترتبة على احداث 11 سبتمبر/ايلول 2001،، بينما البغدادي غير معروف بخطاب اعلامي وفكري، ولكنه يمتاز بممارسة العنف والتوحش المبالغ به، الذي يمثل المحور للممارسة الحركية في تجنيد المقاتلين. وقد تصاعد العنف الوحشي الذي تمارسه «الدولة الاسلامية في العراق» منذ تولي البغدادي زعامتها في شهر أيار/ مايو 2010، إذ قامت بشن ستين هجوماً في وقت واحد. وبالتالي فإن تصاعد العنف الوحشي الذي تمارسه مجموعة البغدادي مثّل عنصرا جاذبا للشباب المهوسين بالتوحش، للانضمام للمجموعة، سواء في العراق او في سوريا. وبينما لا يملك الظواهري اي بقعة ارض «آمنة» يسيطر عليها، فان البغدادي لديه مساحات واسعة وغنية من الاراضي التي يسيطر عليها، ومثلت له ولمجموعته «الاقليم الجغرافي» الذي اعلن فيه خلافته. وبينما يُنظّر الظواهري للجهاد البعيد ضد العدو الغربي، من أجل إدهاش الجماهير الإسلامية، فإن البغدادي اكتسب خبرته من قتال الامريكيين و»العملاء» والايرانيين، وبالتالي هو يعطي الأولوية للجهاد القريب، من أجل إقامة الخلافة الإسلامية في قلب العالم العربي. وبينما تتهم «القاعدة» بمهادنة ايران والشيعة في المنطقة، فإن البغدادي يقتل الشيعة ويحارب النفوذ الايراني، ولكنه متهم بعدم السعي إلى المواجهة مع الجيش، الذي يتبع النظام السوري المدعوم ايرانيا، ومنح الاولوية في قتاله في سوريا للسيطرة على الاراضي السورية القريبة من العراق، لتحقيق التواصل الجغرافي مع مناطق سيطرته في العراق.
وتجربة الصحوة التي قاتلت مجموعته والتنظيمات الارهابية الاخرى في العراق أضحت تمثل هاجسا محركا للبغدادي وجماعته، لتصفية جميع المعارضين المنافسين في المناطق التي يُسيطر عليها، في الوقت ذاته الذي يسعى فيه الى اقامة الصلات والترابط مع المجموعات القتالية الاسلامية، مثل أنصار بيت المقدس المصرية وأنصار الشريعة في تونس وليبيا، ومنذ بداية عام 2013. وتحولت لبنان مؤخرا ساحة مضافة لارهاب اتباعه. وتتحدث بعض التقارير بانه يسعى لضم «أنصار بيت المقدس» إلى صفوف حركته، كما يقوم بتمويل التنظيمات الصغيرة كوسيلة سياسية وإعلامية في إطار الصراع الدائر بينه وبين زعيم «القاعدة» أيمن الظواهري ولتقوية نفوذه وحدود دولة خلافته.
وبالمقابل فان منظري التيار الجهادي مثل أبو محمد المقدسي وأبو قتادة، اللذين رفضا الخليفة الجديد ببيانات أصدراها محذرين داعش من قتل المسلمين ممن يرفضون بيعته، معتبرين أن إعلان الخلافة باطل وجرى بخطوات تهورية من داعش. ورغم انه حتى الان مثلت داعش باسلوبها الاعلامي ونجاحاتها الميدانية مركزا جاذبا لكثير من الاتباع، الا ان اساليبها في قطع الاعناق والصرامة المتشددة في تطبيق الشريعة وتهجيرها للاقليات، والتدخل في الحياة اليومية للسكان تجعلها منفّرة، حتى لكثير من الجهاديين؛ كما ان تنظيم الخلافة الاسلامية أخذ على عاتقه إقامة دولة في مساحات شاسعة سيطر عليها، ورغم انه استطاع ان يوفر موارد مالية كبيرة له، نظرا لسيطرته على مناطق نفطية، ولكن اقامته للدولة تفرض عليه توفير الخدمات التي يتوجب على الدولة الإنفاق عليها مثل: الكهرباء والماء وجمع القمامة وتهيئة الطرقات والخدمات الطبية وغيرها، فضلا عن دفع رواتب الموظفين، وكل ذلك يجعل إنفاق داعش كبيراً جداً مقارنة بدخلها.
وبغض النظر عن هذه الجزئيات الكثيرة التي تميز الجماعات الارهابية عن بعضها بعضا، فالسياسة الامريكية ازاءها، لا تراعي كثيرا هذه الجزئيات. إذ أن صناعي سياسة مكافحة الارهاب الامريكيين، يحاولون التركيز على النشاط الجهادي الواسع، والتهديد المحتمل على الداخل الأمريكي، وليس على الديناميكيات الموجودة داخل كل جماعة. وتستند الاستراتيجية الأمريكية إلى خلق شراكات من شأنها أن تساعد كل دولة على حدة – العراق وسوريا وليبيا ولبنان – على التعامل مع المتطرفين الموجودين داخل حدودها، كما تريد الولايات المتحدة أيضا العمل على نحو وثيق مع حلفائها التقليديين، فرنساوبريطانيا، لتعزيز الشراكة بينهما بشأن مكافحة الإرهاب العالمي. 
وفي ما يتعلق بنشاط داعش في العراق يكشف ديريك هارفي، الأستاذ في جامعة ساوث فلوريدا، وأحد مستشاري الولايات المتحدة في الشأن العراقي، ان هذا النشاط كان موضع اهتمام ومراقبة من جانب الإدارة والاجهزة الأمريكية منذ عدة شهور، وقبل استيلاء داعش على الموصل وسواها من المدن العراقية الاخرى. وكانت حذرت رئيس الوزراء المالكي من احتمالات سيطرة داعش وتمددها، وكانت تطالبه بتغييرات في سياساته. وكان المالكي قد طلب اكثر من مرة من الادارة الامريكية توجيه ضربات جوية لداعش، الا ان الادارة الامريكية كانت تهمل طلباته وتسعى في الوقت نفسه للضغط عليه من اجل اعتماد سياسة وطنية لا طائفية. 
ويذكر هارفي ان الادارة الامريكية واجهزتها وسفارتها لم تكن تتوقع ان ينهار الجيش العراقي على النحو الذي حدث في الموصل وغيرها، ولذلك فان ادارة اوباما ارسلت عددا من المستشارين والقوات لحماية السفارة والرعايا الامريكيين في العراق ولمراقبة الوضع عن كثب، ولمعرفة مجريات الامور ولكبح جماح داعش قبل تمكنها من الاستيلاء على بغداد، في الوقت ذاته الذي اعلن فيه اوباما، ان الجهد العسكري الامريكي لن يشترك في محاربة داعش قبل ان تتشكل حكومة وطنية جامعة تحظى بقبول عراقي واسع من مختلف الاطياف والفئات. ومن المتوقع ان تسدد واشنطن ضربات جوية جراحية لمواقع داعش في العراق، بعد ان تتشكل الحكومة العراقية الجديدة، التي تؤسس لعملية سياسية تحظى بقبول عراقي واسع.

٭ كاتب عراقي

عصام فاهم العامري