لماذا لا يتمنى زيدان غياب نيمار؟ وهل الجولة تحصيل حاصل أم موعد مع التاريخ؟

أحد, 2018-03-04 00:10

«لا لست سعيدا على الإطلاق لإصابة نيمار، والحق أنني أتمنى مشاركته في دوري الأبطال، ولا أتمنى ألا يُشارك أي لاعب ضدنا، وأود القول بأنني كنت أشاهد المباراة في النقل المباشر، وآمل ألا تكون إصابته خطيرة». هكذا تقمص مدرب ريال مدريد زين الدين زيدان، دور مبعوث السلام أو رئيس منظمة الصحة العالمية في تعليقه الأول على الإصابة المُدمرة التي ألمت بأغلى لاعب في العالم الأسبوع الماضي، وعلى إثرها تأكد غيابه عن ملحمة بعد غد الثلاثاء، التي سيحل خلالها النادي الملكي ضيفا على ملعب «حديقة الأمراء» لمواجهة باريس سان جيرمان لتحديد هوية المتأهل للدور ربع النهائي لدوري أبطال أوروبا.

قواعد اللعبة
صحيح زيزو أعطى درسا في الأخلاق، على عكس كثير من المدربين الذين يُجهرون ولو على سبيل الدعابة بتمنياتهم لغياب أبرز نجوم الفرق المنافسة، وآخرهم مدرب تشلسي أنطونيو كونتي، الذي أعرب عن أمله قبل الاصطدام بمانشستر يونايتد، أن يغيب الفرنسي بول بوغبا، على خلفية مشاكله الأخيرة مع جوزيه مورينيو، وهذا يُمكن «هضمه» من باب أنه حق مشروع لأي مدرب أن يضع مصلحته ومصلحة فريقه في المقام الأول والأخير. لكن عشاق كرة القدم، يفهمون جيدا أنها دائما وأبدا لا تخضع لأي منطق، وكثيرا نسمع كلمة «المباريات الكبرى» تُحسم بتفاصيل صغيرة جدا، فما بالك وهو زيدان من يتحدث. في اعتقادي الشخصي أنه صادق بنسبة تزيد على 90٪! كيف؟ من شاهد مباراة الذهاب التي قتلها رونالدو ورفاقه 3/1، بعدما ظلت مُعلقة على نتيجة التعادل 1 ـ 1 حتى الدقائق السبع الأخيرة، لاحظ الرؤية الثاقبة التي أدار بها زيدان المباراة، فهو قرأ أفكار ثلاثي الوسط ماركو فيراتي وأدريان رابيو وجوفاني لو سيلسو قبل أن يقرأ أفكار مدربهم، بوضع ناتشو كظهير أيمن متقدم على مسافة قريبة من إيسكو ومعهما كاسيميرو كرأس مثلث يتغير أحيانا كالكماشة في وجود توني كروس ومودريتش، وهذه المثلث كان بمثابة الخط العازل بين الفريق الباريسي بأكمله ونيمار.
أقل ما يُمكن قوله، أن زيدان كان موفقًا 100٪ في إدارته للمباراة، وحُسن توقعه لقراءة أفكار خصمه الفرنسي، الذي أفرط في الاعتماد على نجمه البرازيلي، بتركيز ثلاثي الوسط بشكل واضح وضوح الشمس، على التمرير في جهة اليسار المُقفلة تماما «بالضبة والمفتاح»، وكأنها واحدة من مباريات «الليغ1»، حيث يتسلم نيمار الكرة ويُبعثر نصف الفريق، وفي الأخير يُسجل بنفسه أو يُقدم تمريرة حريرية (كما هو شبه مُعتاد)، والإصرار على هذا الحل، هو تقريبا ما كان يُريده بطل أوروبا، المُتمرس على إبطال مفعول سحر قائد البرازيل منذ أيام الليغا، وهي أيام ما زالت من الماضي القريب، فكم مرة لعب راموس ونافاس ورونالدو وبقية هذه الأسماء أمام نيمار؟ قبل سهرة «سانتياغو بيرنابيو»، تقول لغة الأرقام أن المواجهات المباشرة كانت ثمانية، وقع خلالها على ثلاثة أهداف وقدم 5 تمريرات حاسمة، في 4 انتصارات و3 هزائم ومباراة واحدة انتهت بالتعادل. بالكاد يظهر في مشهد مُضيء في كل «كلاسيكو»، هذا في وجود الخارق ليونيل ميسي، الذي يأخذ الاهتمام الأكبر من المدافعين ولاعبي الوسط المدافعين! لذلك مراقبته لم تكن «مُعضلة» بالنسبة لزيدان ورجاله، وحالفهم الحظ أكثر، في خروج كيليان مبابي من المنظومة، فقط كان «يقتل» نفسه ركضا في المساحات الشاغرة في الجهة اليمنى، لكن كما يقول المثل الشهير «يُؤذن في مالطة»! حتى الهدف طُبخ على نار هادئة من جهة اليمين بتمريرات قصيرة انتهت بعرضية نموذجية هيأها نيمار ببراعة لصاحب الهدف رابيو.

فوائد غياب نيمار
لا خلاف أبدا على أن غياب لاعب بحجم نيمار من شأنه أن يؤثر على أي فريق في العالم، هو بنفسه الذي انهار من بعده منتخب بلاده في كأس العالم 2014، لكن أحيانا يحدث النقيض 180 درجة، خصوصا مع فرق ومنتخبات النجم الأوحد، كما شاهدنا في نهائي «يورو 2016»، فبعد الإصابة التي لحقت برونالدو، لم يتوقع أشد المتفائلين أن يُقدم المنتخب البرتغالي، ربما أفضل عرض في تاريخه الحديث، منذ المباراة الخالدة في «يورو 2000»، عندما قلب لويس فيغو وأصدقاؤه تأخرهم أمام إنكلترا 2 ـ 0 لفوز تاريخي 3 ـ 2، مهد لحقبة تأصيل عقدة بلاد المستكشف فاسكو دا غاما مع الإنكليز، لذا لا يُمكن استبعاد حدوث أي شيء، خصوصا لو تجسد معنى «رب ضارة نافعة» في تألق دي ماريا ودراكسلر ومعهما مبابي وكافاني في الأمام بدعم من فيراتي ورابيو من الوسط وتركيز أكثر على ألفيس في اليمين، بمعنى أدق إذا نجح رئيس النادي ناصر الخليفي والمدرب أوناي إيمري، في شحن اللاعبين كما ينبغي، ربما لدرجة «الاستفزاز الكروي»، ليُخرج كل لاعب أفضل ما لديه، على الأقل عكس ما حدث في مباراة الذهاب، بفشل استراتيجية الإفراط في الاعتماد على حل نيمار. ببساطة جعلت باريس سان جيرمان كالكتاب المكشوف أمام زيدان، أما الآن، فلا أحد يعرف ما يدور في عقل أوناي إيمري، ودعونا نتذكر دائما أن الريال سيواجه نفس التشكيلة التي بعثرت برشلونة برباعية نكراء في قلب باريس في مثل هذه الأيام العام الماضي، بل أضيف إليها الصاروخ كيليان مبابي، الذي قد ينفجر في وجه الريال، إذا وجد من يُعاونه على ذلك، ولنا أن نتخيل سيناريو خروج باريس من الشوط الأول بهدف نظيف! بالتأكيد سيكون من المستحيل التنبؤ بحدوث أي شيء في الشوط الثاني. وهذا بالتزامن مع حالة عدم الاستقرار التي يمر بها المنافس بظهوره من حين لآخر بمستوى صادم، بالذات في أغلب المباريات التي يخوضها خارج قواعده، آخرها السقوط أمام إسبانيول في كتالونيا، وكأن الجرعة المُسكنة بعد الفوز في مباراة الذهاب، والتي أعادت الانتصارات على المستوى المحلي، بنتائج عريضة على ريال بيتيس وليغانيس وديبورتيفو ألافيس انتهت كما وضح في الأداء الكارثي قبل الخسارة، لذا لا عجب أبدا أن زيزو لم يكن يُريد بالفعل غياب نيمار، على الأقل كان مُحددا أمامه أهم سلاح يمتلكه المنافس، لكن كما أشرنا، الآن الرؤية ليست واضحة 100٪، بخلاف قلقه من كارثة استقبال هدف مُبكر، قد يكون له مفعول السحر في إظهار نسخة «إلبي إس جي» التي افترست العدو الأزلي 4 ـ 0، بالاعتماد على اللعب الجماعي وليس بطريقة «مرر لنيمار»، إلا إذا كان لعملاق الليغا رأي آخر، ونجح في كبح جماح الانتفاضة المتوقعة من متصدر الليغ 1… فماذا سيحدث؟

في عالم مواز
في نفس توقيت معركة تكسير العظام الفرنسية ـ الإسبانية، سيكون هناك على بعد 500 ميل شمال باريس، نزهة كروية ستجمع ليفربول بضيفه البرتغالي بورتو، بعد مذبحة «الدراغاو»، التي انتهت بخماسية نظيفة، وبعد 24 ساعة، سيكون مانشستر سيتي على موعد مشابه، حيث سيضطر لخوض مباراة «تحصيل حاصل»، أمام بازل السويسري، الذي خسر على ملعبه أمام متصدر البريميرليغ 4 ـ 0 في لقاء الذهاب، على عكس القمة الإنكليزية ـ الإيطالية المُنتظرة التي ستجمع زعيم بلاد البيتزا «يوفنتوس» بتوتنهام على ملعب «ويمبلي»، في مواجهة يراها كثير من النقاد «خارج التوقعات»، لتساوي حظوظ الفريقين، رغم التعادل في لقاء «يوفنتوس آرينا» بهدفين لمثلهما، لخبرة فريق السيدة العجوز في المواعيد الكبرى (باستثناء النهائي) من جانب، ولقدرة كتيبة ماوريسيو بوتشيتينو على إسقاط أي منافس سواء محلي أو أوروبي، كما حطمت الريال بالثلاثة في مرحلة المجموعات، لذا نصف مباريات الثلاثاء والأربعاء سيكون أشبه بالتحصيل الحاصل، والنصف الآخر سيكون علامة في تاريخ الفائز… سواء كان الريال الذي إذا فاز سيُحافظ على صورة البطل الذي لا يُهزم أبدا، أما باريس سيكون قاهر بطل آخر عامين، كذلك توتنهام يبحث عن وصوله للدور ربع النهائي للمرة الثانية في تاريخه، وبوفون من جانب ما زال يَحلم بمعانقة الكأس ذات الأذنين المُستعصية عليه.

القدس العربي