فقه الرمس، وعمل الخلص

أحد, 2018-03-18 08:57

أرمس الميت : دفنه، وللميت  فقه  يدرس (من  تلقينه، إلى  تغميضه، إلى  غسله وكفنه ، إلى الصلاة عليه ودفنه، و أحكام تعزيته  و الاعتناء بأهله، وقسمة تركته ، وحسن ذكر محاسنه ، وزيارة قبره ، وتعهد الدعاء له ، ورعاية أيتامه، وقضاء ديونه).

و ارْتمَسَ في الماءِ : انغمس فيه حتى غَطَّى رأْسَه  والرَّمْسُ : القبرُ مستويًا مع وجه الأرضِ، و قيل :هو صوت الترابُ الذي يُحثَى على القبرِ.، قالت العرب:

المرءُ يخلقُ يومَ يخلقُ وحده ... ويموتُ يوم الرمسُ وحدهْ

وقالت:

وبينما المَرْءُ في الأحياءِ مُغْتَبطٌ ... إِذا هُوَ الرَّمْسُ تعْفُوه الأعاصيرُ وأنشد ابن الأعرابي لعقيل بن علفة:

وأعيش بالبلل القليل وقد أرى     أن الرموس مصارع الفتيان

وإنما  أذكر نفسي أولا ،وأذكر قراء المشاهد الإعلامية والسياسية والحقوقية بهذا، لأن فقه الرمس بات ضروريا  ، لتغافل الناس عنه أو لجهله، كعلم الفرائض.، ولأن رفاقا لنا تتابع رمسهم ، وحثونا عليهم التراب حثوا و حالهم كحالنا:

نعلّل بالدّواء إذا مرضنا **فهل يشفي من الموت الدّواء

ونختار الطّبيب فهل طبيب** يؤخّر ما يقدّمه القضاء

وما أنفاسنا إلا حساب** ولا حسراتنا إلا فناء

تأملت كم مضى  إلى القبور من ساستنا، ورجال أعمالنا، وعلماء بلدنا، وشعراء وأدباء الحكمة، ورجال الإعلام والنبوغ فينا.

تفرست في أحوال ذهابهم ، ومنازل رمسهم، وحال  ما تركوه وراءهم.

ألا يستحق ذلك أن يدرس ولا يرمس، أليس في ذلك عبرة لمن يعتبر، وذكرى لمن يدكر.

وما قيمة حياة  لا ينصر فيها  ويبلغ دين الله ، ولا يذاد  فيها عن لغة وهوية  لا اله إلا الله  محمد رسول الله  صلى الله عليه وسلم؟

هذا الشاعر والفارس الجاهلي عنترة بن شداد يرملكم رملا:

واخترْ لنفسكَ منزلاً تعلو به** أو مُتْ كريماً تحتَ ظلِّ القسطلِ

 فالموتُ لا ينجيكَ من آفاتهِ** حصنٌ ولو شيدتَهُ بالجندَل

موتُ الفتى في عزةٍ خيرٌ له** من أن يبيتَ أسيرَ طَرْفِ أ كحلِ

 لا تسقني ماءَ الحياةِ بذلةٍ** بل فاسقني بالعزِّ كأسَ الحنظلِ

رحم الله  الإعلامي  الوقور محمد  كابرهاشم  من بين أجيال الإعلاميين   فقد ترك بصمة  تالدة ، هي خدمة اللغة العربية في هذه الديار بأخلاق المتواضعين، وزكاة القانعين.

ورحم الله  الإعلامي عثمان ولد احويبيب  فقد توفي صابرا محتسبا ، وهو يطلب من الرب الكريم حسن الخاتمة ويقرنها  معتزا بطلب الذل لأعداء الدين.

رحم الله أبا بكر بن عامر من عصر الفاتحين دفين مكسم بن عامر، ما ترك لينة ولا واديا، إلا أسمعهما الأذان وجاس خلالهم يطبق القرءان.

رحم الله فقيه العلماء، وفتى الديار، الشيخ محمد سالم ولد عدود، نموذج فريد في تاريخ علماء الدولة الوطنية ، انتصر للإسلام وبارز عن لسان العربية المبين ،  يوم كان نصف الكأس يهادى خمرا ، ونصفه (كتابا أحمر) يلتزم  غثاء كغثاء السيل.

رحم الله (المنفق المحتسب حاجي) ، فقد كان  ابن عوف هذا ، نموذجا من رجال الأعمال في السبعينيات و الثمانينات ، أنفق لخدمة الإسلام (مساجد، و محاظر، ودعاة،  وأعلاما) يوم غلت أيدي التجار، وخاطر يوم جبن الناس في مولاة  الأكفاء وفزعوا إلى مداجاة  الأعداء (ومعنى المداجاة :عدم إظهار العداوة لهم).

أنتم ، ونحن ، الذاهبون إلي الرمس،  اليوم ، أوغدا.....

 ماذا قدمتم ، وماذا قدمنا ، لهذا الإسلام العظيم، ساسة بالمزاد، ورجال أعمال يضربون  الربا و المكس أسداسا بأخماس، وإمعات إعلاميين أو مداحين أو هجاءين  ، نهشا ينهشون، حلفا يتحالفون، ووشاية وغيبة يهمزون، يأكل بعضهم لحوم بعض..جهارا بلا رمس، ونهارا بلا ستر وترمس.

أنخ  القصواء ...

هذا مقام المتبتلين والمتسولين: يا رب ارحم  من (هفا وهفا)، فأنت أرحم الراحمين من ( دوما عفا) ، وأنت أكرم  الأكرمين  من ( دوما عافى).

نسألك (نصر) دينك، حنفاء، و(تبليغ) رسالاتك، لا نخشى غيرك، والمسارعة  في (بلوغ جهد)  المخلصين، لإعلاء كلمتك، والسير (في ركاب) المريدين، للذة النظر إلى وجهك، في غير ضراء مضرة  ولا فتنة مضلة.، وأن تحشرنا تحت (لواء الحمد ) مع الذين أنعمت عليهم ، أهل القرءان، والفرقان، من آويته، ففر إليك فرارا، واجتبيته فسقيته ماء طهورا أنهارا.

صدق سفيان الثوري التابعي  الجليل و فقيه  الأمصار، حين ناشد الأبرار منشدا:

يا نفس توبي فإن الموت قد حانا *** وأعصى الهوى فالهوى ما زال فتانا

أما ترين المنايا كيف تلقطنا *** لقطا وتلحق أخرانا بأولانا

في كل يوم لنا ميت نشيعه *** نرى بمصرعه آثار موتانا

يا نفس مالي وللأموال أتركها *** خلفي واخرج من دنياي عريانا

أبعد خمسين قد قضَّيْتها لعباً *** قد آن أن تقصري قد آن قد آنا

ما بالنا نتعامى عن مصائرنا *** ننسى بغفلتنا من ليس ينسانا

نزداد حرصاً وهذا الدهر يزجرنا *** وكان زاجرنا بالحرص أغرانا

أين الملوك وأبناء الملوك *** من كانت تخر له الأذقان إذعانا

صاحت بهم حادثات الدهر فانقلبوا *** مستبدلين من الأوطان أوطانا

خلوا مدائن كان العز مفرشها *** واستفرشوا حفراً غبراً وقيعانا

يا راكضاً في ميادين الهوى مرحاً *** ورافلاً في ثياب الغيِّ نشوانا

مضى الزمان وولى العمر في لعب *** يكفيك ما قد مضى قد كان ما كانا

وأحسن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه حين خاطب  جرم الإنسان مبينا:

لا دارَ للمرءِ بعدَ الموت يسكنُها . . . . إِلا التي كانَ قبلَ الموتِ يبنيها

فإِن بناها بخيرٍ طابَ مسكنها . . . . وإِن بناها بشرٍ خابَ بانيها

لكلِّ نفسٍ وإِن كانت على وجلٍ . . . . من المنيةِ آمالٌ تقويها

فالمرءُ يبسُطها والدهرُ يقبضُها . . . . والنفسُ تنشرُها والموتُ يَطْويها