“تسونامي” الدولة الاسلامية يجتاح الموصل ويؤسس لكيان على جانبي الحدود السورية العراقية وامريكا لن تتجاوب مع استغاثات المالكي والنجيفي وقد تترحم على ايام “القاعدة” وتورا بورا

جمعة, 2014-06-13 15:16

 

 

 
 

 

تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام الذي بات يشكل الصورة الاحدث والاخطر لتنظيم “القاعدة الام” حقق اليوم الثلاثاء اعظم انتصاراته عندما فاجأ كارهيه قبل محبيه، بما في ذلك حكومة السيد نوري المالكي، بالاستيلاء على محافظة نينوي بالكامل، واقتحام سجونها، والافراج عن ثلاثة آلاف معتقل فيها من رجاله، والسيطرة على محطتي تلفزيون وكل البنوك وجميع القواعد العسكرية والامنية.

هذا الانتصار لا يعكس قوة التنظيم وصلابته والخبرات العسكرية الهائلة التي يمثلها رجاله فقط، وانما يعكس ايضا في الوقت نفسه هشاشة الدولة العراقية، ومؤسساتها الامنية والعسكرية، وانهيار معنويات جنودها، فشهود العيان في مدينة الموصل عاصمة المحافظة قالوا ان هؤلاء خلعوا ملابسهم العسكرية، والقوا باسلحتهم على الارصفة، وحرقوا عرباتهم المدرعة وفروا مشيا على الاقدام باتجاه اقليم كردستان، طلبا للسلامة لان الدولة التي يدافعون عنها وهيبتها، والقيادات السياسية التي تتحكم بمؤسساتها لا تستحق الموت من اجلها.

محافظة نينوي تعتبر واحدة من اهم المحافظات العراقية لما تتمتع به من موقع استراتيجي بسبب كونها قريبة من الحدود السورية اولا وتعتبر البوابة الرئيسية للمناطق الكردية التي تتمتع بالحكم الذاتي، وخاصة مدينة كركوك الغنية بالحقول النفطية المحاذية.

***

زحف تنظيم الدولة الى الموصل بعد الفلوجة، واستيلائه على اجزاء من مدينة كركوك، وتقدمه نحو محافظة صلاح الدين، وسيطرته قبل ذلك على مدينة الرقة في سورية، كل هذه المؤشرات تؤكد ان هذا التنظيم بات “دولة داخل دولتين”، اي العراق وسورية معا، وفي طريقه للتمدد الى محافظات عراقية وربما دول اخرى.

اعداد عناصر هذا التنظيم بالآلاف، ولكنهم استطاعوا ان يهزموا الدولة العراقية ومؤسساتها العسكرية والامنية التي يزيد عدد جنودها عن المليون جندي، ومدججين بأحدث الاسلحة الامريكية ويحظون بخبرات عسكرية عصرية اكتسبوها من مدربيهم الامريكان.

الدولة العراقية، اذا كانت هناك دولة فعلا، تقف امام كارثة حقيقية، ولا نعتقد انها ستخرج منها في المستقبل المنظور، لانها اساءت تقدير قوة هذا التنظيم اولا، وتصرفت حكومتها بطريقة طائفية اقصائية، واضاعت كل الفرص لتحقيق المصالحة الوطنية وبناء هوية عراقية جامعة.

السيد المالكي دعا البرلمان لاجتماع طارىء الخميس من اجل اتخاذ قرار باعلان الاحكام العرفية، واستنجد بالعشائر وشيوخها وزعمائها وافرادها، ودعا المواطنين العراقيين الى حمل السلاح ومحاربة الارهاب والارهابيين، ولكننا لا نعتقد انه سيجد الاستجابة التي يتطلع اليها، فاذا كان جنوده قد هربوا بملابسهم المدنية، والقوا بسلاحهم في الشوارع، ولم يقوموا بواجبهم في الدفاع عن المحافظة الاهم في شمال العراق، فهل يتوقع من المواطنين العاديين ان يفعلوا ما عجز عنه هؤلاء الجنود الذين تخلوا عن ابسط واجباتهم؟

استغاثة السيدان المالكي واسامة النجيفي رئيس البرلمان بالادارة الامريكية، او بقوات البشمرغة الكردية، لمساعدتهم في التصدي لزحف عناصر الدولة الاسلامية ربما لا تجد الاستجابة المطلوبة او المأمولة ايضا، فالادارة الامريكية الحالية لا تريد العودة الى العراق مجددا بعد ان خسرت خمسة آلاف جندي علاوة على ثلاثين الف جريح، وثلاثة تريليونات دولار، فهي لا يمكن ان تلدغ من الجحر نفسه مرتان، ومن المستبعد ان تهرع قوات البشمرغة لنجدة السيد المالكي الذي يرفض زعيمها السيد مسعود البرازاني التحالف معه، ويصر على استبداله برئيس وزراء عراقي آخر، واذا استجابت فبشروط تعجيزية ابرزها التنازل عن كركوك درة التاج الكردي.

وصول عناصر الدولة الاسلامية الى كركوك والاستيلاء عليها كليا او جزئيا، سيشكل كارثة اكبر لاقليم كردستان العراق الذي يتنعم بحالة من الاستقرار الامني والازدهار العراقي ليس لها مثيل في منطقة الشرق الاوسط بأسرها، حتى ان البعض وصف اربيل بانها سويسرا الشرق الاوسط.

***

مواجهة الدولة الاسلامية لا تتم، في رأينا، باستدعاء الامريكان والعشائر والبشمرغة وانما بسياسات وعقليات غير طائفية تؤمن بالتعايش ومبدأ الشراكة، ولا نعتقد ان مثل هذه الصفات الجوهرية تتمثل في معظم قيادات النخبة السياسية العراقية في الجانبين السني والشيعي للاسف، وعلى رأسها السيدان المالكي والنجيفي وباقي المنظومة السياسية التي تدور في فلكها.

الولايات المتحدة الامريكية هي التي بذرت بذور الدمار والخراب، ليس في العراق وحده وانما في المنطقة بأسرها، ومن المؤلم ان من مهدوا لغزوها للعراق وتفكيك هياكل حكمه، وحل جيشه، وتكريس المحاصصات الطائفية، هم الذين يقودون عملية التفتيت وعدم الاستقرار.

تنظيم الدولة الاسلامية هو القوة القادمة العابرة للحدود، وهو الخطر الزاحف الذي خرج المستفيد الاكبر من الفوضى الامريكية الخلاقة، والدول الفاشلة التي اوجدتها في ليبيا والعراق وسورية واليمن، ولا نستبعد ان يتخذ من دولته الجديدة على طرفي الحدود السورية العراقية المشتركة منطلقا لهجمات ضد امريكا والدول الاوروبية في المستقبل القريب، فهو على عكس تنظيم “القاعدة” يملك حاضنة اسلامية واجتماعية قوية، واطنان من الاسلحة والعتاد، وموارد مالية ضخمة، عنوانها سيطرته على اكبر مخزونين لاحتياط النفط وصناعته في العراق وسورية، وفوق كل هذا وذاك خبرة “قتالية عالية وحديثة”.

لو كنت مكان الادارة الامريكية واسرائيل والعراق وزعماء الاكراد، وانظمة الحكم في سورية والعراق والاردن وايران والسعودية لشعرت ليس بالقلق فقط، وانما بالرعب من هذا “التسونامي” الذي اسمه الدولة الاسلامية في العراق والشام وبات يجتاح المنطقة وتتهاوى امامه المحافظات والمدن والجيوش.

 

عبد البارى عطوان

جديد الأخبار :