دراسة شاملة: منافع الملح قد تكون أكثر من أضراره

خميس, 2018-08-16 00:48

ارتفاع ضغط الدم، أضرار في الكليتين، سكتات دماغية، هناك ربط بين الإفراط في تناول الملح والإصابة بالعديد من هذه الأمراض، لذلك فإن هناك الكثير من التوصيات الغذائية الصارمة بشأن الاستهلاك اليومي للملح.

ولكن دراسة كندية حديثة تؤكد الآن ما يعارض هذه السمعة السيئة للملح حيث ذهب معدو الدراسة إلى أن الملح ربما يحمي القلب والأوعية الدموية، فهم يؤكدون أن الملح، على الأقل، أن الأضرار الصحية للملح أقل مما يشيع عنه.

نشرت الدراسة اليوم الثلاثاء في مجلة “زي لانسيت” المتخصصة.

فالملح ذو أهمية بالغة لجسم الإنسان حيث يلعب دورا محوريا في استغلال الجسم للماء وفي تراخي الأنسجة بالإضافة إلى نقل النبض للخلايا العصبية والعضلات.

كما أن للملح دورا جوهريا في بناء العظام وفي الهضم.

وحيث إن الإنسان لا يستطيع بناءه بنفسه، فإن الجسم الإنسان يكافئه كلما تناول الملح بإفراز مادة دوبامين.

وبينما كان الملح نادرا جدا قبل بضعة قرون مما جعله يوصف بـ “الذهب الأبيض”، فقد أصبح اليوم أحب التوابل لدى الإنسان وأكثرها استخداما.

وفقا لدراسة أجراها معهد روبرت كوخ الطبي بتكليف من وزارة التغذية والزراعة في ألمانيا، فإن النساء في ألمانيا يستهلكن 4ر8 جرام من الملح يوميا في المتوسط مقابل عشرة جرامات للرجال وهو ما يتجاوز بشكل واضح العديد من التوصيات الغذائية المتخصصة، حيث تنصح الجمعية الألمانية للتغذية، على سبيل المثال، بألا يزيد الاستهلاك اليومي للفرد عن ستة جرامات.

بل إن منظمة الصحة العالمية تحذر بالفعل من تناول أكثر من خمسة جرامات من الملح يوميا وهو ما يعادل جرامين من الصوديوم.

لكن المشكلة هي أن الكثير من الناس لا يُقبلون على تناول الغذاء قليل الملح لأنه لا يستثير شهيتهم. لذلك فإن مثل هذه التوصيات الصحية فشلت في إثناء الكثير من الناس عن تناول الملح بشكل منتظم حيث لا يوجد بلد في العالم يستجيب سكانه لهذه التوصيات، حسبما أكد الباحثون تحت إشراف أندريو مينت، المتخصص في علم الإحصاء الحيوي وعلم الأوبئة بجامعة ماك ماستر الكندية في مدينة هاملتون.

وأكد الباحثون، أنه لا يوجد ما يثير للقلق بشأن تناول الملح وأن الأمر يصبح إشكاليا إذا تجاوز الاستهلاك اليومي 5ر12 جرام من الملح أو خمسة جرامات من الصوديوم وهو أمر يحدث بالفعل بشكل رئيسي في الصين وفقا لما رصده الباحثون، في حين أن سكان معظم الدول الأخرى يستهلكون أقل من هذا المعدل.

واعتمد الباحثون في دراستهم على بيانات دولية تابعة لمشروع “بور” وهو اختصار لـ “علم الأوبئة الحضرية الريفية المتوقعة”.

وحلل الباحثون بيانات 95767 مشارك في الدراسة بين سن 35 إلى 70 عاما من 369 منطقة سكنية في 18 دولة. عرف الباحثون خلال الدراسة قدر الصوديوم الذي يتناوله الإنسان من خلال تحليل عينة لبوله في الصباح.

كما سجل الباحثون ضغط الدم وغيره من البيانات ذات الصلة بصحة المشاركين. راقب الباحثون هؤلاء المشاركين على مدى نحو ثمان سنوات.

وقد توفي في هذه الفترة 3695 من الأشخاص الذين رصدتهم الدراسة، بينهم 3543 أصيبوا بأمراض شديدة في القلب والأوعية الدموية مثل النوبة القلبية.

وركز الباحثون بحثهم التالي على هؤلاء المشاركين وبالتحديد على مستوى البلديات، فبدلا من التركيز على أشخاص بمفردهم. و حلل الباحثون البيانات على أساس السكان الذين يعيشون في منطقة واحدة،وتبين لهم أن 80% من هذه البلديات التي شملتها الدراسة في الصين تستهلك نسبة مرتفعة من الملح تزيد عن خمسة جرامات من الصوديوم أي ما يعادل 12 جراما من الملح يوميا.

ولم يقل استهلاك أي من المناطق السكنية التي شملتها الدراسة عن ثلاثة جرامات من الصوديوم يوميا.

لم يفاجأ الباحثون بوجود علاقة بين تناول نسبة مرتفعة من الصوديوم والإصابة بضغط الدم وكذلك الإصابة بالسكتات الدماغية ولكنهم وجدوا أن ذلك يحدث فقط في المناطق الصينية ذات الاستهلاك المفرط للملح.

وفي الوقت ذاته، وهو ما فاجأ الباحثين، فإن ذلك حدث بالتوازي مع معدل ضئيل للإصابة بالنوبات القلبية ومعدلات وفاة ضئيلة إجمالا.

يتناسب ذلك مع حقيقة أن متوسط أعمار النساء في هونج كونج يبلغ 3ر87 سنة رغم أنهن يتناولن في المتوسط 8 إلى 9 جرامات ملح يوميا، حسبما أكد فرانس ميسيرلي، استشاري أمراض القلب بجامعة برن في تعليق على الدراسة.

ورغم ذلك، فإن ميسيرلي يحذر من تغيير التوصيات الغذائية السارية حاليا قائلا إن النتائج التي توصل إليها فريق الباحثين تحت إشراف مينت تتعلق في أغلبها بسكان آسيويين وتستند فقط إلى تحليل عينات البول. ويرى مينت وزملاؤه رغم ذلك أن دراستهم تساهم في تزايد أعداد الأبحاث التي تؤكد أن الصوديوم يلعب دورا إيجابيا في صحة القلب والدورة الدموية ولا يكون ضارا إلا إذا تناوله الإنسان بقدر مفرط أو بقدر ضئيل “فجسمنا يحتاج الصوديوم، السؤال هو فقط: ما هو القدر المناسب؟” حسبما أوضح مينت في بيان نشر مع الدراسة.

وأشار مينت إلى أن التوصيات الغذائية الحالية تستند في أغلبها إلى دراسات قصيرة الأمد وإلى افتراض أن كل خفض لضغط الدم يخفض مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.

وبالفعل، فإن تناول طعام قليل الملح يخفض ضغط الدم ولكن من الممكن أن يكون لذلك أيضا نتائج أخرى مثل الظهور المتزايد لهرمونات بعينها ذات صلة بإمكانية الوفاة المبكرة وبالإصابة بأمراض أخرى للقلب والأوعية الدموية.

ووفقا لطبيب القلب ميسيرلي، من الضروري الآن إجراء مزيد من الدراسات بهذا الشأن، “حيث أن نتائج هذه الدراسة مستفزة جدا ولابد من مراجعة نتائجها في إطار دراسة تشمل عينات عشوائية ويتم التأكد من صحة نتائجها. “

وهناك بالفعل اقتراح بإجراء هذه الدراسة في سجون أمريكية، في إشارة إلى مدى صعوبة خفض مقدار استهلاك الملح أثناء الاختبارات بسبب رفض الكثير من الناس تناول غذاء قليل الملح.

ونشر مينت قبل عامين بالفعل نتائج دراسة أخرى، حذر فيها من الاستهلاك الضئيل للملح وكان رد الفعل على هذه النتائج هائلا في عالم الطب حيث رأى البعض في هذه الدراسة “إدانة للبحث العلمي السيء” وطعنت الجمعية الأمريكية لأمراض القلب في هذه الدراسة بينما وصفت الرابطة الألمانية لارتفاع ضغط الدم النتائج في بيان لها بأنها “مثيرة للجدل ونقدية للغاية”.

وهناك يقين لدى ميسيرلي بأن هذه الدراسة الأخيرة ستثير هي الأخرى جدلا في الأوساط العلمية “ولكن الجدل هو روح العلم”.

ولكن إحدى النتائج الأخرى للدراسة لم تقابل بمثل هذه الجدل حيث وجد الباحثون أن الناس الذين يتناولون نسبة مرتفعة من البوتاسيوم كانوا أقل إصابة بالسكتات الدماغية وكانت نسبة الوفاة بينهم بسبب الإصابة بأمراض القلب والدورة الدموية أقل بكثير من أقرانهم.

يقوم الكالسيوم بمهام مماثلةلبما يقوم به الصوديوم وهو موجود بشكل خاص في أغذية مثل الموز و الجوز والسبانخ ومنتجات الحبوب الكاملة.

غير أنه ليس من الواضح ما إذا كانت التأثيرات الإيجابية تعزى للبوتاسيوم أم أنها مجرد علامة على انتهاج أسلوب حياة صحي بشكل عام يعتمد على تناول الكثير من الخضار والفاكهة.

بالنسبة لميسيرلي، فإنه من الأبسط أيضا إقناع الناس بزيادة استهلاكهم من البوتاسيوم من خلال تناولهم الفاكهة والخضروات، عن منعهم من تناول قدر كبير من الملح، “حيث إنه على الداعين لخفض استهلاك الملح و الداعمين لزيادة مقداره أن يدعوا اختلافهم المبدئي جانبا وأن يدعموا فرضية أن التغذية الغنية بالبوتاسيوم لها ميزات أكبر بكثير من التغذية التي تعتمد على الخفض الحاد من استهلاك الصوديوم”.

(د ب أ)