لله يا محسنين / محمد الأمين ولد الفاضل

أحد, 2019-03-10 10:36

لستُ ضد جمع التبرعات لصالح المنتخب الوطني، فمثل ذلك يعد عملا وطنيا لا يمكن الاعتراض عليه، ولكني وعلى الرغم من ذلك فقد وجدتني مجبرا لأن أعبر عن كامل استغرابي لتنظيم حملتين كبيرتين لجمع التبرعات لصالح منتخبنا الوطني، وذلك في وقت يتم فيه التجاهل الكامل لقطاعات أخرى  من المفترض بأنها أكثر أولوية من قطاع الرياضة، وهي أحوج من المنتخب الوطني إلى حملة جمع تبرعات.

لله يا محسنين..من يتبرع بسيارة إسعاف؟

بوصفي ناشطا في حملة "معا للحد من حوادث السير"، والتي كانت قد انطلقت منذ ثلاث سنوات للحد من مجازر الطرق، فإنه يمكنني أن أقول بأن توفير سيارة إسعاف مجهزة قد يكون من أهم الأعمال التطوعية والخيرية لمن يريد أن ينفق مبلغا متواضعا من ماله لوجه الله، أما من أراد أن ينفق مالا مشكوكا في مصادره وفي ملكيته لوجه رئيس، فلينفق على المنتخب الوطني كلما أعلن الرئيس عن حملة لجمع تبرعات لصالح منتخبنا الوطني.

إن توفير سيارة إسعاف تنقذ الجرحى والمصابين في حوادث الطرق ليُعدُّ من أنبل الأعمال إنسانيا، ومن أسماها وطنيا، ومن أرقاها حضاريا، ومن أعظمها أجرا عند الله. نفس الشيء يمكن أن نقوله عن إنفاق مبلغ زهيد على دورة تكوينية  في الإسعافات الأولية لصالح بعض سكان القرى والمدن الواقعة على طريق "الأمل"، فكثير من المصابين في حوادث الطرق تزداد إصاباتهم خطورة بسبب سوء التعامل معهم في اللحظات الأولى من الحادث، فأين أنتم يا رجال أعمالنا وأين أنت يا رئيس أرباب العمل؟ أين أنتم يا وزراء ويا كبار الموظفين؟ أين الشركات والمؤسسات العمومية؟

لله يا محسنين..من يتبرع .للتعليم؟

إن التعليم أولى بالاهتمام وبالتطوع وبحملات جمع التبرعات من الرياضة ومن أي قطاع آخر، ولأن البعض قد يتساءل عن كيفية تنظيم حملة لجمع تبرعات لصالح التعليم؟ وعن كيف يمكن لمواطن عادي مثلي ومثلك أن يتطوع لصالح تطوير التعليم في بلاده؟

لأن البعض قد يطرح مثل تلك الأسئلة، فإني أتعهد لكم هنا بأني لن أقدم لكم إلا أفكارا بسيطة جدا قابلة للتنفيذ، ولن أعرض عليكم إلا مقترحات كنتُ قد جربتها ميدانيا.

الفكرة الأولى : التبرع بقليل من الجهد والمال لمدرستك

تتلخص هذه الفكرة بأنه علينا كأجيال تعلمنا في مدرسة ما أو ثانوية ما من ثانويات الوطن، أن نتجمع في مبادرات تضم عدة أجيال ممن تعلموا في تلك المدرسة، وأن نقوم بحملة جمع تبرعات وبأنشطة تطوعية لصالح مدرستنا التي تعلمنا فيها، ويمكن لتلك الأنشطة أن تشمل تقديم جوائز للمتفوقين في مدرستنا، وتوزيع حقائب مدرسية على التلاميذ المنحدرين من الأسر الأكثر فقرا، وإصلاح النوافذ والأبواب والطاولات، وتوفير الكتب أو فتح مكتبة....إلخ

هذه الفكرة كنتُ قد أطلقتها بالتعاون مع صديق (طبيب موريتاني في المهجر) في العام 2014 ، وذلك من خلال مبادرة " كنتُ طالبا في ثانوية لعيون"، وقد نظمت المبادرة ـ والمعذرة على استخدام كلمة مبادرة والتي أصبحت من الكلمات السيئة السمعة ـ حفلا لتقديم الجوائز للمتفوقين من طلاب الثانوية في باكالوريا 2014 و2015، هذا فضلا عن توزيع حقائب مدرسية وتنظيم أيام تفكيرية حول التعليم في ولاية الحوض الغربي، وقد تم تنظيم هذا النشاط الأخير بالتعاون مع آباء التلاميذ وبعض منتخبي الولاية.

في السنوات الأخيرة لم تنظم مبادرة "كنتُ طالبا في ثانوية لعيون" أي نشاط لصالح الثانوية، وكان ذلك بسبب تقاعس "الأطر" الذين درسوا فيها، ولتجاوز لذلك التوقف، وبمناسبة حفل جمع التبرعات للمنتخب الوطني، فإني أجدد الدعوة لكل من درس في هذه الثانوية، وخاصة الوزير الأول ورئيس قائد الحرس وغيرهم ممن تبرع في حفل المنتخب الوطني بأن يتبرعوا لثانويتهم التي درسوا فيها بمبلغ زهيد لشراء حاسوب أو هاتف أو مجموعة كتب يتم تقديمها كجوائز رمزية لمن سيتفوق من طلاب الثانوية في باكالوريا هذا العام . وعلى الطلاب القدماء من كل ثانوية أن ينظموا مبادرات من هذا النوع لرد الجميل لثانويتهم التي تعلموا فيها، وعليهم أن يحرجوا الوزراء وكبار الأطر ورجال الأعمال الذين درسوا في فترة ما في تلك الثانوية.

إن لسان حال ثانوية لعيون يقول لكل من درس فيها من كبار الأطر، وخاصة الوزير الأول وقائد الحرس الوطني: لله يا محسنين.. رمموا فصلا، أو وفروا كتابا، أو شجعوا متفوقا، فذلك أولى من أي عمل تطوعي آخر.

الفكرة الثانية : لنكرم المعلم أو الأستاذ المميز الذي درسنا

هذه الفكرة كنتُ قد استلهمتها من بعد متابعة تقرير لقناة الموريتانية! ففي ليلة 16 يوليو 2015 شاهدتُ تقريرا بثته قناة الموريتانية تحدث فيها الطالب الذي حصل على أعلى نتيجة في باكالوريا 2015 شعبة الرياضيات، وظهر في هذا التقرير أستاذ الرياضيات الذي كان يدرس الطالب المتفوق. اللافت في الأمر أن الأستاذ كان قد درس مادة الرياضيات لوالد الطالب المتفوق. لقد درَّس هذا الأستاذ (الوالد والولد) كما درسني أنا أيضا في آخر سنة لي في ثانوية لعيون، وقد كان أستاذا مميزا بحق،  وكان متواضعا جدا، لدرجة أن أي طالب كان يمكنه أن يوقف الأستاذ في أي مكان وفي أي وقت ليحل له معادلة على التراب. وبالإضافة إلى تميز هذا الأستاذ في الرياضيات، فهو شاعر وفقيه يدرس الفقه و علوم اللغة في مسجد قريته خلال العطل الصيفية.

لما شاهدت التقرير تساءلت في نفسي عن الثلاثين دفعة (1985 ـ 2015) التي درسها هذا الأستاذ؟ أين هي؟ ولماذا لم ترد له الجميل؟

تلك الأسئلة دفعتني لأن أنشر إعلانا على صفحتي الخاصة في الفيسبوك، وطلبتُ من خلال الإعلان من الثلاثين دفعة أن تكرم أستاذها للرياضيات، ولم تتأخر ردود الأفعال الإيجابية من طلاب ينتمون لدفعات مختلفة، وقد نظمنا بالفعل حفلا تكريميا رائعا لأستاذنا في أحد فنادق العاصمة وبحضور ومشاركة كبيرة جدا من طلابه ومن مختلف الدفعات.

هذه الفكرة البسيطة وذات الرمزية الكبيرة يمكن تطبيقها على نطاق واسع، وذلك لكي يستفيد منها أكبر عدد ممكن من المعلمين والأساتذة المتميزين الذين "صمدوا" لعقود في مهنة التدريس.

لله يا محسنين ..."ولو بشق تمرة"

هذا المشروع أذكر به من قبل شهر رمضان الكريم، فهو كان قد أطلق في شهر رمضان من العام 2016، وقد تم إطلاقه أيضا من خلال صفحتي الخاصة على الفيسبوك، وقد جاء في منشور الإعلان عنه : "عدد أصدقائي  من غير المتابعين5000 صديقا...فكرتُ فيما لو تصدق كل واحد منهم بمائة أوقية (قديمة) كل يوم من أيام رمضان أي أنه سيتصدق خلال كل الشهر الكريم ب3000 أوقية.

أتدرون ماذا يعني  ذلك؟مائة أوقية من كل صديق من أصدقائي تعني نصف مليون أوقية يوميا ...هذا المبلغ يمكن أن يمول مشروعا صغيرا لرب أسرة فقير.أي أنه يمكننا كمجموعة أصدقاء على الفيسبوك أن نمول ثلاثين مشروعا لثلاثين أسرة خلال شهر رمضان الكريم، هذا بشرط أن يتصدق كل واحد منا بمائة أوقية فقط في كل يوم من أيام رمضان..فما أبسط هذا ...وما أصعب تنفيذه.ليتنا نتوصل لطريقة عملية تمكننا من تنفيذ هذا المشروع الخيري الطموح. "

صحيح أن هذا المشروع الخيري صعب التنفيذ ميدانيا، وذلك بسبب صعوبة جمع مبالغ صغيرة جدا من آلاف الأشخاص، ولكن تلك الصعوبة يمكن أن تجد حلولا. هذا المشروع يمكن تطويره خلال شهر رمضان القادم، ويمكن لكل مجموعة أصدقاء على الفيسبوك أو على أرض الواقع، أن تتبنى الفكرة، وأن تبحث عن أسرة فقيرة في حيها، وأن تمول لها مشروعا صغيرا من خلال جمع مبالغ صغيرة جدا خلال أيام الشهر الكريم.

تلكم كانت مجموعة من الأفكار البسيطة من بين أفكار أخرى يضيق المقام عن تقديمها، وأرجو أن تجد هذه الأفكار من يهتم بها وينفذها، كما أرجو من الأطر ورجال الأعمال وكل أولئك الذين يتسابقون الآن إلى التلفزة الموريتانية ليتبرعوا للمنتخب الوطني أن يعلموا بأن هناك مجالات أخرى قد تكون أولى بالتبرع. فيا أيها الأطر ويا رجال الأعمال إن المدارس في قراكم ومدنكم أولى بالتبرع.. إن توفير سيارة إسعاف أو المشاركة في إطلاق قافلة صحية أو تنظيم يوم تفكيري لصالح تنمية قراكم أو مدنكم كل ذلك أولى من التبرع للمنتخب الوطني، هذا إن كنتم ترجون بتبرعاتكم خدمة الوطن والأجر من عند الله، أما إذا كنتم ترجون بها وجه رئيس سيغادر السلطة بعد عدة أشهر فذلك أمرٌ آخر .

حفظ الله موريتانيا..