ولد محم كما عرفته، قبل الصراعات والتوجهات المثيرة!

خميس, 2014-08-21 15:13

بقلم: عبد الفتاح ولد اعبيدن المدير الناشر ورئيس تحرير صحيفة "الأقصى"
سيدي محمد ولد محم أول ما رأيته، كان بالمدرسة الإبتدائية في أطار مدرسة "العدالة" المجاورة لمقر الوالي حاليا، وكان في الصف الأول ابتدائي، صحبة عبد الله ولد أحمدو ومحمد عبد الرحمن ولد محمد سيدنه ولد عبد الله، وقد التحقت قبلهم بالمدرسة، رغم فارق السن، لأنهم أكبر مني بقليل، وحسب شهادة عبد الله كان ولد محم  يشتري بانتظام جريدة "الشعب" من الكشك غير البعيد من المدرسة ويقرأها كلها تقريبا، وكان ذلك مثيرا وقتها، مما يؤشر بنبوغ مبكر وشغف بالسياسة ومعالي الأمور بوجه خاص.
ثم سافر إلى لكصر ونواكشوط وربوع أوسع رحابة في السياسة والثقافة والإعلام العربي خصوصا، فتطورت مدارك الولد الشاطر، وبعد سنوات قليلة التحق بالتيار الإسلامي أواخر السبعينات.
وكان جميل الصوت جوهريه، سمعت له محاضرة مسجلة، أو بعض شطرها في محظرة بدر بلكصر، ذكرني صوته فيها بصوت الإعلامي الكبير الشهير مصطفى رمضان، رحمه الله، الليبي الإخواني الشهيد على يد رصاصات الغدر القذافي المعتادة ضدنا معشر الإسلاميين قديما وحديثا، إلى أن خلصنا الله منه.
اللهم تجاوز عن ذنبه وأرحمه، فقد ذهب إلى ما قدم عافاه  الله.
ولفتت انتباهي تلك المحاضرة إلى دور الرجل الشاب، في ساحة الدعوة الإسلامية، المنبثقة وقتها تحت تأثير إيجابي للإعلام  والفكر الإسلامي، المحلي والوافد على السواء، جراء انتشار الصحوة الإسلامية في الربوع المصرية والهندية والتونسية وغيرها، وبوجه خاص مدرسة الإخوان المسلمين التي أسسها حسن البنا الشهيد في الإسماعيلية سنة 1928، ومدرسة الجماعة الإسلامية الهندية، التي أسسها أبو الأعلى المودودي، وحركة الاتجاه الإسلامي التونسية أو النهضة حاليا، التي أسسها عبد الفتاح مورو صحبة راشد الغنوشي، ثم التقيت الشاب سيدي محمد ولد محم الملتزم المتوقد النابه، صحبة الشريف السباعي المرحوم الزميل التيجاني ولد عبد العزيز ولد أحمد المكي، تغمده الله بشآبيب رحمته ورفعه إلى فردوسه الأعلى، وكان لقاءنا العفوي الهام في مكتبة "الإيمان المسموعة" عند محمد فال مالكها في مقرها التجار المتواضع، شرق سوق "كبتال" الجزء الشرقي، وكان لقائي وقتها، رغم صغر سني، يعني لقاء رمز شبابي إسلامي قيادي، من مدينة أطار العريقة، وأبرز قيادات الإخوان في أطار، من صف الكهول والشباب على السواء، فما كان يمكن تعيين المكتب التنفيذي للجمعية الثقافية وقتها في أطار في سنة 1983 مثلا، إلا بحضور وعضوية لجنة التعيين، رغم وجود الكثير من الأساتذة الإسلاميين، وكنت  في السنة الثالثة الإعدادية، وفعلا التقيت بشكل موسع في ذلك اليوم، مع التيجاني رحمه الله، وكان مقيلنا المشترك في أحد منازل معارفه، و كان يتحدث بعفوية، ويعتبر التيجاني من الأصدقاء المقربين عند القائد سيدي محمد ولد محم، الذي كان وقتها جميل ولد منصور، أحد مجموعته وأقرانه في الصف الحركي السري، يقول جميل ذات مرة، وكنا في حفل عشاء متواضع في منزلي بـ"تنسويلم" سنة 2003، وبحضور المحامي سيدي محمد ولد محم  والأستاذ الحسن ولد مولاي اعل والأستاذ الجامعي محمد سعيد ولد أحمدو الدبلوماسي حاليا، يقول جميل: "عندما خاطبني سيدي محمد ولد محم، وقال لي يا جميل خذ مفتاح الغرفة، انشرح صدري وفرحت كثيرا لهذه الثقة الرمزية الكثيرة في تقديري". انتهى الاستشهاد من كلام الرمز الإسلامي الشهير جميل ولد منصور.
وكنا كلنا رغم ظهورنا في الجمعية الثقافية، نرتبط بصلات اديلوجية إسلامية وسطية جادة، أكثر تميزا عن الإطار الثقافي العلني (الجمعية الثقافية الإسلامية) وقتها، الذي نستغله بذكاء وبصورة متفاوتة، ليس هذا مجال شرحها، وكنت من النافرين من "العمل الخيري"، وأجد نفسي أقرب للعمل السياسي والإعلامي، الذي عرفت من خلاله الكتابة الصحفية  منذ سنة 1983، عبر مراسلة جريدة "النذير" الإخوانية السورية، وجريدة "الطليعة" اللندنية المقربة من الثورة الإيرانية وجريمة عصام العصار التي تصدر في ألمانيا وتصلنا بانتظام، وهي باسم "الرائد"، وجريدة "الجهاد" الأفغانية، التي يصدرها الدكتور الشهيد عبد الله عزام وصحبه، وتصلنا في أطار من بيشاور على حدود أفغانستان أيام الاحتلال الروسي، وجريدة "المسلم" الباكستانية من بيشاور، وجريدة "الدعوة" الإخوانية الدولية، التي تصدر في مصر أحيانا، وجريدة "الجودي" التي تصدر في أمريكا من طرف الحزب الإسلامي الكردستاني، والتي صدرت منها أعداد قليلة فحسب، وكنت أراسلها وتصلني في أطار أيضا، وجريدة "الأخبار" التي يصدرها الاتحاد العالمي للشباب الإسلامي من مكان ما في أوروبا، وجريدة "البلاغ" الكويتية الإسلامية، وجريدة "الإصلاح" الإماراتية، وهاتين الجريدتين، أول ما حصلت عليهما عن طريق الشاب الإسلامي محمد سالم ولد الصوفي. وكان يراسلنا بالجريدة أيام وجود المعلم بت ولد باباه "المجلسي" في أطار، وهو الآن إمام الجامع "بتكند" وهو شاعر كبير بامتياز، وجريدة "الدعوة" الليبية، التي تصدرها جمعية الدعوة الإسلامية اللصيقة بنظام القذافي وقتها، وغير ذلك من فيض النشر والكتب الإسلامية التي كانت تصلنا في أطار بوجه خاص، وكانت لي أربع صناديق بريد، أذكرها 38،55،57 أرقام صناديق بريدي بأطار، وقد راسلني كثيرا، من خلال توصية إخوان سوريا المشرفين على جريدة "النذير"، الأمين العام لاتحاد الطلبة المسلمين بفرانكفورت بألمانيا، المصري صلاح الدين عادل الجعفراني.
وباختصار بعدما رجع الأستاذ الكبير المعروف محمد ولد الطلبه "اطليل" إلى موريتانيا إثر تخرجه من تونس، كان لولد محم نظرة انفتاح وتأمل في الفكر الإسلامي، ملت أسر الالتزام الزائد أو بعبارة أخرى الانشغال المبكر، ربما غير المتوازن بالأعمال الدعوية والقيادية الإسلامية الكبرى، فحدث من يومها، إعادة رسم المسار، ضمن ما اختار له البعض تسمية "اليسار الإسلامي"، ولكن سيدي محمد ولد محمد عبد الله ولد محم، كان مرهقا فحسب، من تبعات النبوغ والقيادة.
أسأل عنه أصحابه جميعا، كان غاية في السخاء والحرص على إرضاء الأصحاب والأصدقاء وخدمتهم، خصوصا من حيث الاستضافة في منزل والده وغيره، كان لا يمكن أن تختلف معه في أمر مادي، لأنه لا يلتصق بها كثيرا، لبعد نظره، وسمو اهتمامه الثقافي الدعوي الإسلامي.
ثم تقلبت  الأحوال وذهب إلى الدراسة العليا، بعد التخرج من المعهد العالي  للدراسات والبحوث الإسلامية، وكانت له تجربة في المغرب، مع الدراسة وجو حر مغاير.
ورجع إلى الوطن دون أن يتفاهم مع النظام المافوي القائم، الذي كان يقوده العسكري معاوية و"تيفايت" لكصر، ولم يستطع الخريج الشاب التوافق الحقيقي مع هذا الجو المختلف في العمق، عن ما يصبو إليه وقد لا يستطيع  الصبر عليه أو رسم طريق مناسب لتحقيق رؤيته الخاصة.
ووسط مصاعب الوظيفة والدخول في حيز التيار الاجتماعي الحقيقي، تغيرت نظرة ولد محم للكثير من الأمور، فضغطت عليه الحياة أحيانا، حتى فهم بعض ما لم يكن يفهم، لسخائه ومبدئيته، وعاش دون أن يدرك ربما تماما: "أن القرة إتم اتقول ول ول إلين تقول راسي راسي".
ورغم  ما حصل، مما هو مثير في نظري أو نظر البعض، أو يصعب تحمله في حساب البعض، مازال ولد محم سخيا خلوقا، رغم حدة طبع تعتريه. وقد اختلف معه أو يتفق معه غيري، لكن لعل الله اطلع على عمله الصالح وصدقه وبذله في وقت مناسب، فجاز فيه على غرار المنحة الربانية لأهل بدر.
فأهل السبق للعمل الدعوي والإسلامي، دون أن يخرجوا من الملة طبعا، لهم خاصة بصراحة، يصعب حسمها على وجه السلب والخسران، والاختلاف لا يفسد للود قضية