قراءة في مواقف بعض قادة النضال الحقوقي في موريتانيا / الاستاذ: اسلمو ولد احمد

جمعة, 2020-02-21 15:22

يعاني النضال الحقوقي في موريتانيا من الاستغلال السياسي ، فقد ظل عبر التاريخ الحديث للدولة ، وسيلة للتلميع و التموقع، و قد شهدت المرحلة مناضلين تميزوا من حيث الخطاب و الشعبية و ممارسة السياسة ، و من أهمهم :
1- الرئيس / مسعود ولد بالخير:
و قد بدأ حياته إداريا و موظفا ملتزما ، لا يرى فرقا بين الشرائح ، معتبرا أن التفاوت الاقتصادي ناتج عن مستوى التعليم، و تأثير بعض بقايا العبودية، ثم دخل بقوة بخطاب مشحون، يتهم أحيانا فيه بالحقد و الكراهية ، لكن ذلك لم يدفعه للتعامل مع الأجنبي أو تسويق القضية خارجيا ، و لقد عاني مسعود من حظر حزبه و مضايقته ، لكنه لم يدع للعنف أو المواجهة .
ثم انتقل الرئيس مسعود إلى مرحلة الواقعية ، و دخل في تحالف مع الناصريين 1994 أعطاه طابعا قوميا ، و حسن صورته لدى الشعب ، و وصف بالوطنية الطافحة، لخطاباته الوطنية و دعوته للتماسك المجتمعي و التمسك بالأرض، و أظهر نوابه درجه كبيرة من النضج و الاهتمام بشؤون الفقراء دون تمييز.
و لا ينسى المواطنون الصوت القوي الجازم للنائب المعلومة بنت بلال و هي تسطر بلغتها الجميلة ملاحم من الحوارات الوطنية الساخنة تحت قبة البرلمان .
كان الرئيس مسعود واقعا ، يتعامل بعقل و حكمة ، ففي انتخابات 2006 دعم مرشح الأغلبية في الدور الثاني من أجل تموقع حزبه ، لقناعته ألا مناص من نجاح المرشح ، و لخوفه على تماسك الحزب ، و قام بحركات مماثلة في مراحل لاحقة ، لضمان أكبر استفادة من السلطة ، دون التخلي عن ثوابته و وطنية.
2\ الرئيس بيجل ولد هميت..
كان موظفا ماليا مرموقا، و قياديا معتدلا في حركة الحر ، و لم يشهد التطرف في المواقف ، و حافظ على أخلاق ارستقراطية رفيعة ، و درجة كبيرة من الثبات مع ممارسته للسياسة .
و قد عرف بصورة الرجل الموريتاني المتمسك بالقيم الحضارية ، الباذل ماله و علاقاته في الناس .
كما عرف بيجل بالوفاء ، فرغم العادة المتفشية في ساستنا في التسابق في طمس علاقتهم بالماضي كلما تغير نظام ، فإن بيجل يدفع ثمن وفائه و صدقه في موقفه بعد و قبل التغيير ، و قد وقع له ذلك مع معاوية ، و مع ولد عبد العزيز .
من الناحية الحقوقية ، لا يتحدث بيجل عن الشرائحية، و يعتبر الناطقين بالحسانية قومية واحدة ،و يظهر ذلك في حضوره القوي في مجتمعه و مدى تقديره و تأثيره.
3\ النائب بيرامه ولد الداه ..
بدأ حياته المعنية كاتب ضبط في القضاء ، ثم حقيقيا ، تدرج ليصبح حقوقيا لاذع اللسان في قضايا العبودية ، و ارتسم صورة الرئيس مسعود نموذجا ، لكنه ربط علاقات خارجية وطيدة مع منظمات ينتقد عليها البعض طريقتها في التعامل مع ملف حقوق الإنسان في موريتانيا ، و تنقل النائب بيرمه من مكان لآخر في أوربا يسوق اتهاماته للمجتمع بمحافظته على العبودية و عنصريته أحيانا في التعاطي مع الشرائح .
لا يأخذ النائب بيرمه وتيرة واحدة ، فهو أمام جماهير الحركة لاذع شديد التطرف ، و في الخارج متهم بالاستثمار في القضية، لكنه في مجالسه الخاصة و مع الأصدقاء و الأهل، يكون رجلا مثقفا عاديا و بأسلوب متمدن.
حديث بيرامه عن هذه القضايا خارجيا غير مبرر خاصة أنه برلماني يستطيع النقد تحت قبة البرلمان، و تفاعل الجهات الخارجية معه غير موضوعي لأنه لم يعد حقوقيا، و إنما أصبح رجل سياسة ، برلمانيا يمثل حزبا عروبيا في البرلمان .
يستمع لبيرامه الكثير من الناس، لكن أنصاره يفهمون الوضعيات المختلفة لخطاباته ، فهو أمام الجماهير مواطن جسور ، لا يخاف السجن و يناضل من أجل الضعفاء ، و هو في الخارج ينبغي أن يقنع أن هناك قضية إنسانية تتطلب المساعدة و الدعم، و في الحياة العامة موريتاني مسالم كبقية الموريتانيين، يعيش حياة ترف و هدوء ، و يحب الراحة و الذكر الحسن ..
لا توجد في نظري قوة تستطيع التأثير على تماسك المجتمع ، فالخلفية الإسلامية المحافظة، و روح التسامح و حب الرفاهية، و الكسل و الخوف من التجديد، كلها تجعل الموريتانيين يتعاملون مع كل الخطاب التي تحاول التأثير فيهم بالتجاهل و عدم الإكتراث..