كاتب صحفي بارز يستذكر أحداث ازويرات

أحد, 2020-05-31 14:50

الكاتب الصحفي البارز حمزة ولد سيدي حمود

حسنا فعل صاحب السعادة عبد الله ولد اباه الناجي ولد كبد أن ذكرنا بواقعة ازويرات المأساوية. دون قبلي فأحيا لي من الذكريات ما يستحق التدوين و الفضل للمتقدم.
ليس الهدف نكأ الجراح القديمة، بل استذكار فترة مجيدة ومفصلية في تاريخ البلد أبان فيها الشعب الموريتاني ممثلا بالشباب عن أنبل وأرفع الصفات وأروع القيم وسطر فيها من معاني البطولة والاعتزاز و رفض الضيم ما يستحق أن يحفر في ذاكرة الأجيال.
لقد كان "نطق المدافع ضدنا في صالح المستعمرين" ـ كما وصفه أيقونة تلك المرحلة الشاعر أحمدو ولد عبد القادرـ صدمة قوية للضمير الوطني، و ردة الفعل كانت بمستوى الفاجعة، نضالا وشعرا.
في اليوم الموالي، يوم 29 مايو 1968، انطلقت مظاهرة الاحتجاج التي قادها سميدع وأطلق فيها دعوته للحمة الوطنية قائلا:
"لم يعد هذا وقت الصراعات التافهة فهلم بنا لتضافر الجهود في هبة قوية للرد على هذه المذبحة البشعة".
وصارت ذكرى "مذبحة ازويرات" تخلد كل سنة بالمظاهرات والكتابات على الجدران وتوزيع المنشورات.
تفتقت قرائح الشعراء وفي مقدمتهم أحمدو ولد عبد القادر، شفاه الله، وغردت البلابل وفي مقدمتهم الأستاذ محمد شين رحمه الله والنجمة المتألقة الفنانة المرحومة منت ديدي منت همد فال، شجبا للمأساة وشحذا للهمم.
وأصدر الشاعر أحمدو ولد عبد القادر في قصيدته "مختار يا رجل البلاد" لائحة الاتهام ضد النظام وختمها بالوعيد و قد بقي في ذاكرتي منها منذو كان عمري 12 سنة ما يلي:
"مختار يا رجل البلاد،
"مختار يا بدر السنين،
"ماذا دهاك وأي شيئ قلته للائمين
"نطق المدافع ضدنا في صالح المستعمرين ،
"واسمع وقائع قصتي
"وأفهم صراخ البائسين.
"أنا شيخة من عالم الصحراء والأفق الحزين،
"حيث الطبيعة فظة، حيث المشاكل لا تلين،
"قد كان لي ولد يسمى المصطفي نجل الدمين
"أرضعته لبن الأمومة في الطفولة في وضع مهين،
"قد كان في نفسي منى،
"قد كان في بطني جنين،
"بالأمس، بالأمس القريب،
"قرأت عنه رسالتين،
"إذ قيل أن رصاصة شقته بين المنكبين،
"أسفي عليه وحسرتي وتوجعي عبر الأنين،
"فأجب سؤالي ما استطعت وهل تجيب وهل تبين؟
"وإذا رفضت إجابتي ونسيت قولي كل حين
"فاعلم بأني قد فقدت المصطفي نجل الدمين،
"والدهر سوف يجيبني
"والشعب ليس بمستكين."
ولم يفتأ الشاعر أحمدو ولد عبد القادر بعد ذلك يذكر هذه المأساة بمرارة في قصائده، كما في قصيدة له عام 1970 بمناسبة عيد الاستقلال جاء فيها:
"ذكراك تُذكرني البطاح عشية اليوم العبوس،
"جيشا يصب رصاصه ضد المعاول والفؤوس،
"وشغيلة يهدى بها لحما لأصنام المجوس."
وأطلق أحمد باب ولد أحمد مسك من باريس نداء الثأر:
"قف بالبطاح زميلي، زر مسقط الشهداء
"قف بالبطاح زميلي تسمع عويل النساء
"هذى البطاح زميلي سالت بأزكى الدماء
"وقل لشعب نبيل هل تكتفي بالبكاء
"هل تكتفي بالعويل وهم سخوا بالدماء
"هم واجهوا الموت صبرا لينقذوا الشعب قهرا
"من مستغليه مكرا ومن غدر العملاء.
"ثر طالبا لك ثأرا من قاتل الأبرياء
"قف بالبطاح زميلي، زر مسقط الشهداء.
|||||
"ذا مسقط الشهداء بين ديار البطاح.
"سالت بأزكى الدماء بطاح تلك الضواحي،
"كانت من القحط تشكو فأمطرت بالسلاح،
"قنابل ورصاص من لي بعهد الرماح؟
"يا شعب خانك حكم للغير كلب نباح
"فانهض من أعماق نوم ملبيا للكفاح.

وفي ذكرى ازويرات، قال الإمام ولد اطفيل:
"ذكرى المجازر بالبطاح،
"ذكرى التمرد والكفاح،
"ذكرى النضال بلا سلاح،
"ذكرى ألوف العاملين،
"تثور ضد الظالمين،
"تثور ضد الظلم والميز المشين،
"تسعى إلى تحريرها من ربقة المستعمرين،
"تسعى إلى إنقاذ أجيال وإنقاذ البنين،
"فتبادر الشركات تستدعي الجنود الحاكمين،
"والحكم يرسل جيشه لحماية المستثمرين،
"والجيش يقتحم البطاح،
"ويدكها دكا، ويذرها رياح،
"وطغاة ميفرما تهلل بالنجاح،
"ونقابة العمال تطرى بالنباح،
"والشعب يقبل صاغرا لعق الجراح،
"لأننا بلا سلاح، ولسوف نبحث عن سلاح
"ونسير في درب الكفاح، فطريقنا هو الكفاح،
"والليل مهما طال في أرض سيجرفه الصباح،
"وغدا سينبلج الصباح. "
وأذكر قطعة من قصيدة تعود لنفس الفترة, لا أعرف قائلها وربما هو محمد للشدو، كان يهيم بها أحمد سالم ولد التاه، يرددها وفي فمه سجارة "الجيتان" المعهودة وذلك أيام قدومه إلينا في مقطع لحجار عام 1970 لقضاء العطلة مع زميله وصديقه أخي الأكبر عبد الرحمن. والقطعة هي:
"يا عنكبوت..
"مأساة عمال المعادن لن تموت،
"وحقوق عمال المعادن لن تموت،
"وسميدع البطل الذى نادي بشنقك لن يموت،
"والشعب قد سمع الكلام ولن يطول به السكوت،
"فانسج خيوطك حولنا وابني البيوت،
"ماذا ستجديك البيوت وهل تحمي الخيوط العنكبوت ".
خلاصة القول أن مأساة ازويرات كانت بدايةً لتحول كبير بفضل العنفوان الوطني وروح التضحية التي ميزت الشباب في ذلك الوقت، بما يطابق وصف ولد ممون لهم في نشيده:
"ونحن شباب بعيد الطموح
"رزين العقول عزيز النسب،
"نطحنا السماء برأس النهوض،
"حرقنا الشموس بنار الغضب"
وإذا كانت الاقتناعات والاعتقادات قد تغيرت، وحق لها، فإن تلك الروح الوطنية وذلك النفس وذلك الكبرياء كميزات للموريتاني، عليها أن تستمر دوما. والموريتانيون باقون ما بقيت إن شاء لله.