كلمة حق لا يراد بها باطل وغيرة على الوطن

ثلاثاء, 2014-09-02 16:10

رسالة مفتوحة إلى كل من: رئيس الجمهورية والنخبة السياسية والعسكرية والدينية، المثقفة، الحكومة، الشعب

سيدي الرئيس، إخوتي أخواتي

تحية طيبة تحمل في طياتها الحب والسلامة إلى الجميع، لكوني مسلم ومواطن يسهر على أن يكون مؤمنا حقيقا كان لزاما علي أن أحبكم وأسلم عليكم جميعا بوصفكم إخوتي في الدين والوطن وذلك ليتم إيماني ويتحقق حبي للوطن والذي هو كذلك من الإيمان.

سيدي الرئيس، إخوتي أخواتي

إنني ترددت كثيرا قبل كتابتي لهذه الرسالة ربما لشهور بل لسنوات بسبب التردد من الخوض في مسائل كبرى تخص الوطن من جهة ومن جهة أخرى خشيتي من أن لا تكون رسالتي محل ترحيب لدى البعض، إلا أنني في الأخير وبعد كثير من الأحداث والتغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية سواء منها الإيجابية أو السلبية جعلتني أمام الأمر الواقع ألا وهو مواجهة التردد وتأجيل ما كنت أريد أن أبوح به للجميع والدافع الوحيد هو إيماني بالله وحبي للوطن الذي حتم علي المساهمة في بناء الوطن ومواجهة كل ما من شأنه المساس بالقواعد والثوابت ومسيرة هذا الوطن.

وبمناسبة أنني موريتاني بالدم والروح ولا أعتبر نفسي من عرق أو عنصر أو فئة معينة وباعتباري خليط من كل ذلك والحمد لله مما جعلني غيور على الوطن وأوجب علي شرعا ووطنيا المحافظة على هذا الوطن من أجل بقائه متماسكا مزدهرا وعابرا لكل صيحات ونزوات أهل الفساد والزيغ والذين أطلق لهم العنان في ركب موجات سياسية غير وطنية ألبست بحق أريد به باطل لهدف واحد فقط ألا وهو الوصول إلى الغاية الشخصية (المادة، السلطة، مرتبة اجتماعية...إلخ) والأمثلة على ذلك كثيرة نتناول بعضها كالحملات الأخيرة ضد ديننا الحنيف والنيل من وحدتنا الوطنية والوقوف أمام تقدمنا إلى الأمام بسبب ظلم بعضنا لبعض في الحياة اليومية وجنون بعضنا في إذكاء النعرات العنصرية والعرقية والفئوية هذا إضافة إلى الفساد المستشري عن طريق القطيعة التامة بين المسؤولين الإداريين والمواطنين، وخداعنا لبعضنا بل ولأنفسنا ووطننا من خلال تغليب المصلحة الشخصية الضيقة على المصلحة العامة هذه الأخير التي هي الضمان الوحيد للعدل والمساواة وتحقيق الازدهار والنمو مما يصب بالتأكيد في المصلحة الشخصية عن طريق تحقيق حياة سعيدة للجميع.

سيدي الرئيس، إخوتي أخواتي

ما دمنا إخوة ومواطنين بما في الكلمتين من معنى فإن كل ما سبق ذكره يتطلب منا جميعا كل من موقعه التصدي لكل ما من شأنه أن يفسد علينا وعلى وطننا لكي نحافظ على خصوصياتنا المعروفة بالسلام والإخاء والتماسك، والرضا والقناعة والتضامن، والكرامة والصدق والأمان... إلخ، وكذلك مكتسباتنا ووحدتنا واستقرارنا ولو تطلب ذلك التضحية وبناء على ذلك سنبدأ ببعض المسلمات أو المبادئ لنتمكن من التواصل فيما بيننا والتوصل إلى الهدف العام (المصلحة العامة للجميع) وهي: النية الصادقة- مصلحة الدين والوطن- طي صفحة الماضي والأخذ بحسن النية.

سيدي الرئيس، إخوتي أخواتي

أجل! إن موريتانيا دولة إسلامية مائة في المائة والحمد لله عربية إفريقية وكفى، فهي وطن لشعب واحد عاش متلاحما ومسالما متحليا بالأخلاق والفضائل الكريمة (التواضع، الصدق، الكرامة، العلم، الأمان، الكرم، الانفتاح، الصفح، والسلام، والصبر، التكافل..) إلا أننا للأسف الشديد نلاحظ أن كل تلك القيم تبدلت أو انحرفت في هذا الزمان إلى قيم أخرى مضادة لها وهي (الكذب، النفاق، قلة الأمان، الخديعة، الظلم، الأنانية، والاحتيال، التزوير، السرقة، التجبر، الغش، التكبر، الاستحواذ، التملق، الاستغلال... إلخ) ومن هنا يمكننا أن نتساءل لماذا حصل ذلك؟ والجواب لا يمكننا الإحاطة به إلا أننا بإيجاز يمكننا القول أن هناك أسباب لذلك الانحراف ومن أهمها:
-تحول الدولة من الدولة الوطنية إلى ما يمكن وصفه بدولة المصالح والنفوذ بسبب عدم الاستقرار السياسي الذي نتج عن كثرة الانقلابات سواء العسكرية أو الديمقراطية، هذه  الأخيرة التي انتهجناها قبل أوانها لضعف مستوى الوعي الثقافي والسياسي وعدم الاقتناع بمبادئها وشروطها، وكذلك بسبب تدخل بعض المؤسسات سواء كانت عسكرية أو اقتصادية أو إدارية بل وخارجية في بعض الأحيان على أساس المصالح.

-انقلاب القيم وغياب الحس الوطني الذي كان سببه هو غرس قيم جديدة هدفها الأساسي التحكم في الناخبين (الشعب) من أجل البقاء في الحكم وهذه القيم الجديدة من أهمها:

  • الأنانية والمصلحة الضيقة بدل الإنصاف والمصلحة العامة.
  • الزبونية والمحسوبية بدل مراعاة الحق ومصالح الوطن.
  • القبلية والجهوية بدل الإخاء والوطنية.
  • الظلم والعناد بدل العدل والمساواة .
  • الكذب والنفاق بدل الصدق والوفاء.
  • الغش واختلاس المال العام بدل الشفافية والأمانة.
  • التزوير والرشوة بدل النزاهة والاستقامة... إلخ.

-عدم التركيز على مبادئ:

  • الرجل المناسب في المكان المناسب.
  • العقاب والجزاء.
  • تشجيع المنافسة الإيجابية.
  • غرس قيم الأخلاق والوطنية.
  • غرس القيم الروحية والمعنوية.

 

 

 

-انحطاط المنظومة التربوية والثقافية من خلال تدني المستويات المعرفية والعلمية بسبب الفساد الذي ساد التعليم بدءا باكتتاب الأشخاص غير المؤهلين للقيام بمهمة التعليم والتربية نتيجة الزبونية والمحسوبية والرشوة... إلخ هذا من جهة ومن أخرى عدم الاعتناء بأصحاب هذه المهنة النبيلة ماديا ومعنويا مما أدى إلى انحراف مسؤولية أصحابها في القيام بمهمتهم عن طريق التسيب الفوضى والهروب إلى التعليم الخصوصي بهدف الربح المادي.

-عدم تحقيق التنمية بسبب عدم برمجة وتخطيط البرامج والمشاريع التنموية على أسس إستراتيجيات تأخذ في الحسبان المستقبل المتوسط والبعيد للبلد، وعدم الجدية في الاهتمام بالقطاعات الاقتصادية الحيوية كالزراعة والتنمية الحيوانية والصناعة وتطوير الثروات المحلية كالمناجم والصيد والنفط... إلخ، هذا بالإضافة إلى عدم الاعتناء بقطاعات الثقافة والصناعة التقليدية والسياحة.

-طلق العنان للبرالية المتوحشة  عن طريق فوضوية الأسعار وعدم تنظيم وضبط القطاع التجاري والخدمي واستغلال مصادر البلد سواء من الداخل أو الخارج بالتواطؤ والاحتيال في مجالات الصيد والمناجم والنفط... إلخ.

سيدي الرئيس، إخوتي أخواتي

بعد هذه المقدمة التحليلية للأوضاع بصفة موجزة لما تسببت فيه الأحكام السابقة باستثناء حكومة الاستقلال والتأسيس علينا أن نتساءل هل هذه الأوضاع مازالت بحالها حتى اليوم أم لا؟ و الجواب على ذلك يتطلب هو الآخر الكثير من الكتابة والتحليل، إلا أننا سنحاول أن نقدم بعض  الحقائق بصفة موضوعية ونزيهة وجدية.

صحيح أنه مازال الكثير من هذه الأوضاع على حاله بالرغم من القضاء على بعضها وإنجاز الكثير من الأمور والحد شيئا ما من الفساد العام الفوضوية المنتشرة في جميع المجالات ولنكون مقنعين في ذلك سنتعرض لأهم هذه الإنجازات وهي كالتالي:

-العناية بالدين الإسلامي من خلال إنشاء إذاعة القرآن الكريم، قناة المحظرة الفضائية، اكتتاب بعض الأئمة، طباعة المصحف الشنقيطي، الجامع قيد الإنجاز، الاهتمام بالمحاظر والعلماء... إلخ.

-دعم الحريات الفردية والسياسية والإعلامية كخلو السجون من أصحاب الرأي السياسي وحصول موريتانيا على المرتبة الأولى في العالم العربي على مستوى حرية الإعلام وتحرير الفضاء السمعي البصري من قنوات وإذاعات وصفح ومواقع...إلخ.

-تدعيم الديمقراطية من خلال فتح باب الحوار السياسي والاجتماعي وتطبيق نتائج الحوار السياسي 2011 بين الأغلبية وبعض أحزاب  المعارضة وخاصة فيما يتعلق بإنشاء اللجنة المستقلة للانتخابات والتي أصبحت المسؤولة الوحيدة عن هذه الانتخابات من ألفها إلى يائها ودعم الحريات السياسية والمدنية.

-القضاء على الكثير من الفساد الذي كان يعم الكثير من القطاعات على جميع المستويات عن طريق محاربة المسؤولين عنه حتى دب الخوف في أوساط المسؤولين والمسيرين بسبب مقاضاة ومحاسبة بعضهم في هذا المجال وتفعيل آليات التفتيش والصفقات.

-تصحيح الوضعية المالية لبعض المؤسسات وتمكينها من القيام بمهامها بالتمام، هذه المؤسسات التي كانت تعيش إفلاسا ماليا بسبب الديون المتراكمة عليها والفساد المستشري فيها والأمثلة كثيرة (الشركة الوطنية للكهرباء التي كانت عاجزة عن توفير الكهرباء والكل يتذكر الانقطاعات المتواصلة والليالي المظلمة، الشركة الوطنية للصناعة والمعادن التي كانت معروضة للبيع بدعوى تطوير إنتاجها، الشركة الوطنية للاستيراد والتصدير سونومكس...إلخ.

-فتح وإعادة نشاط الكثير من المؤسسات المهمة في التنمية التي كانت قد أغلقت أبوابها إمام بسبب الإفلاس والفساد أو عدم الاهتمام بها مثل الشركة الوطنية للزراعة صوندير ومركز البحوث الزراعية ومدرسة تكوين المرشدين الزراعيين بكيهيدي...إلخ.

-مكافحة الفقر عن طريق برنامج أمل الذي يوفر المواد الغذائية الأساسية بأسعار مقبولة في متناول الفئات الهشة، وكذلك تحسين  الخدمات الصحية عن طريق إنشاء الكثير من المنشآت الصحية مثل:(مستشفيات ومراكز الإنكولوجيا، الأم والطفل، والصداقة، القلب..) هذا بالإضافة إلى تحسين خدمات المستشفيات والمراكز الصحية الجهوية والمقاطعاتية كتوفير أجهزة تصفية الكلى والفحوصات المتطورة كاسكانير.. إلخ.

-إعطاء العناية لقطاعي التنمية الريفية والصيد خاصة  الزراعة لتحقيق الأمن الغذائي عن طريق  الاكتفاء الذاتي في هذا المجال وهو ما تحقق بعض  منه بالزيادة المعتبرة للإنتاج الزراعي وتحقيق مردودية مهمة من قطاع الصيد عن طريق تحسين الاتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي في هذا الإطار.

-تحسين البنية التحتية عن طريق تخطيط الأحياء العشوائية وإنشاء الطرق المعبدة في العاصمة وعواصم الولايات وبعض المدن الداخلية وكذلك المطار الجديد، وإنشاء مدن الشامي وانبيكت لحواش، بورات وترمسه، فك العزلة عن مثلث الأمل وزيادة شبكات المياه والكهرباء خاصة هذه الأخيرة التي زيد  من طاقاتها بإضافة الطاقات الشمسية والهوائية بل والغازية...إلخ.

-تحقيق حالة مدنية صحيحة عن طريق إنشاء وكالة السجل السكان والوثائق المؤمنة والتي لا يمكن لأحد أن يجحد أهميتها وقيمتها.

-تحسين قدرات قواتنا المسلحة والأمنية عن طريق تحسين ظروف عناصرها وتكوينهم إضافة إلى اقتناء العتاد والأجهزة الضرورية مما أضفى على قواتنا تميزا في القدرات المعنوية واللوجستية حتى أصبحت يشاد بها في شبه في المنطقة.

-توفير التشغيل والتكوين المهني للكثير من الشباب والعاطلين عن العمل حيث تم اكتتاب مئات الشباب من حاملي الشهادات في الوظيفة العمومية عن طريق فتح أبواب المدرسة الوطنية للإدارة التي أضيف إليها القضاء والإعلام، إضافة إلى إنشاء عدة مدارس ومعاهد ومراكز فنية عليا ومتوسطة لتمكين الشباب من التكوين وولوج سوق العمل.

-تدعيم الوحدة الوطنية ومحاربة العبودية وكل أشكال الاستغلال وذلك عن طريق المصالحة الوطنية كصلاة الغائب في كيهيدي، وطي ملف العائدين، وتجريم العبودي وكل أشكال التعذيب والاستغلال في الدستور، ومحاربة الفقر في أوساط آدواب، وحل مشكلة الجرنالية...إلخ.

 

سيدي الرئيس، إخوتي أخواتي

صحيح كل ذلك تحقق ولكن مازالت هناك أمور أخرى تقف حجرة عثر أمام الإرادة والتقدم وتحقيق الوئام والرخاء الاجتماعيين ومن أهم هذه الأمور ما يلي:

-عدم اختيار الشخص المناسب في المكان المناسب، حيث في  الغالب مازالت التعيينات تعتمد على التوازنات والعلاقات الشخصية بل وتارة العشوائية والزبونية بدل الكفاءة والأحقية (الأقدمية) والنزاهة والأخلاق.

-عدم تطبيق مبدأ المكافأة والعقاب الذي يخلق جوا من التنافس الإيجابي بين المسؤولين.

-عدم إنجاز السياسات والبرامج والمشاريع والبنى التحتية على أسس مدروسة تأخذ في الحسبان كل الانعكاسات متطلبات الأوضاع المستقبلية بعيد المدى.

-الإقدام على المساس بمقدسات الأمة الدينية والوطنية كالمساس بالدين والوحدة الوطنية والصالح العامة بل والوئام الاجتماعي  والوحدة الترابية...إلخ عن طريق حملات الهجوم على ديننا الحنيف وبث وإشاعة النعرات العنصرية والفئوية بل والطبقية والانفصالية والذي قد يؤدي لا قدر الله إلى  الفتنة التي هي أشد من  القتل وبالتالي إلى زعزعة أمن واستقرار البلد والمواطنين.

-عدم تحقيق العدالة والمساواة وعدم حل الأمور العالقة وانتشار والاستبداد والابتزاز والتسلط على المستضعفين في كثير من نواحي الحياة مثل ظلم بعض المسؤولين المباشرين لمشاكل المواطنين كما يحصل في تخطيط  الأحياء العشوائية من سلب واستيلاء ورشوة وبيع... إلخ.

-عدم ترسيم اللغة العربية كلغة رسمية في الإدارة حتى اليوم بالرغم من أنه دستوري.

-توسع وانتشار العقلية المادية (الميكافلية) الضيقة كالأنانية والمصلحة الشخصية مما تسبب في تردي الأخلاق والقيم (كالكذب والنفاق والاحتيال الخديعة..) وتفشي الفوضى على جميع المستويات بداية من التبول في الشوارع إلى فوضوية سير المرور...إلخ.

سيدي الرئيس، إخوتي أخواتي

تلكم هي الحقائق التي هي بادية للعيان والتي علينا جميعا محاولة تغيير سلبياتها إلى إيجابيات والمحافظة على إيجابياتها من أجل تصحيح الحاضر وبناء المستقبل على أسس تضمن وحدة واستقرار وطننا وتقدمه، وأخيرا وليس آخرا اسمحولي على الإطالة لأن الأمر تطلب ذلك وأخطائي لأني إنسان.

 

المعذرة والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

وفقنا الله جميعا وحفظنا من السوء والمكاره

 

ذ/ محمد محمود ولد أعل باحث اجتماعي

هاتف: 46.45.10.66/ 22.11.41.73

البريد الإلكتروني: [email protected]