في ندوة العقاد… من دون العقاد!

جمعة, 2014-09-12 17:35

شقة صغيرة في مصر الجديدة كانت بيت عباس محمود العقاد الكاتب المشهور.
وبعد وفاته ظلت هذه الشقة باسمه .
دعاني الصديق الأديب وديع فلسطين إلى ندوة العقاد. كان ذلك سنة 1984.
القائم على الندوة أبن أخيه، أبو عباس، وأسمه عامر العقاد. 
في مكتب العقاد ومكتبته، تمثال للعقاد من نحت فنانة سعودية أسمها ضياء السقّاف، التمثال رائع، ناجح جداً يحمل معالم العقاد في كل أطوار عمره، عيناه كأنهما تريان. لم تره الفنانة غير ثلاث مرات ثم طلبت عدة صور له، هي معجبة بالعقاد معجبة بروح العقاد التي سبغتها على التمثال فصار حياً. سألت عن هذه الفنانة فقيل لي أنها الآن تعمل أستاذة منتدبة في كلية الفنون بالإسكندرية. 
كان الحاضرون في ندوة العقاد كلهم يسمون أنفسهم تلاميذ العقاد. حتى وإن لم يكن لهم أي أنتاج أدبي أو موهبة. مثل ذلك المهندس المختص بالنسيج والذي يذكر نادرة عليه وليست له مع العقاد. كان يحضر مجلسه دائماً ومرة كان يحمل بيده صحيفة يومية فيها موضوع عن العقاد، أخذها منه فطلب من العقاد ثمن الصحيفة. يروي المهندس هذه (النادرة) مستبشراً وباسماً ثم يسترسل: فقال لي رحمة الله عليه، والشربات الذي أراك تشربه كلما مرّت الصينية عليك ألا تدفع ثمنه؟
المهندس معجب وواثق حينما يروي هذه النادرة.
بدأت ندوة العقاد في حياته سنة 1927 وحضورها أفراد: أحمد علاّم، عبد الرحمن صدقي، علي أدهم، د. أبو طايلة، طاهر الجبلاوي، أحمد صبري (هذا ما أخبرني به الصديق وديع فلسطين الذي صحبني للندوة). كانت الجلسة أولاً تعقد في حديقة الحيوان، ثم أضطر لعقدها في البيت تجنباً للرقابة. 
وأنضم إلى الندوة أو الجلسة بعد سنة 1935 الفنان صلاح طاهر، محمد خليفة التونسي، أنيس منصور،و الشاعر العوضي الوكيل. 
كان العقاد أرستقراطياً، فرضت عليه الظروف السياسية هذه الإرستقراطية ثم صار شعبياً في فترة الخمسينيات، حتى أتسعت الجلسات لطلاب الجامعات وكانت تدار عليهم القهوة وشراب الليمون. وحين يغادر الأكثرية، يظل الأقلية من المقربين لتناول الغداء المجهّز خصيصاً للمناسبة. وفي هذه الفترة (الخمسينيات) أصدر العقاد أكثر مؤلفاته. 
بعد وفاة العقاد سنة 1964 أستمرت الندوة بشكل جمعية رسمية باسم جمعية العقاد الأدبية لمشروعية الاجتماع وكان يديرها أبن أخيه عامر العقاد (أبو عباس) تدعمها مالياً الحكومة. تجري الأحاديث فيها عن ذكريات الحاضرين من تلاميذه معه، ويتناولون القهوة والليمون ويتخلف أكثرهم للغداء. 
لم يكن للعقاد من الثراء ما يلائم أرستقراطيته ويسعفها وربما كان ذلك سبب تعثر علاقاته العاطفية يستشف القارئ ذلك من قصته (ساره ) ,
ومن لوحة معلقة في غرفة نومه رسمها له صديق بتوجيه منه , وفيها قالب من الكيك وعليه ذباب , وكأنه يشير إلى بيت الشعر:
إذا سقط الذباب على طعام
رفعت يدي ونفسي تشتهيه
لأن المحبوبة المشهورة لم تقدر أن تحبس شهرتها الواسعة في هذه الشقة الصغيرة .
كتب العقاد في كل أبواب الأدب :المقالة ,القصة , البحث (ابراهيم أبو الأنبياء) وله أربعة دواوين من المنظوم المقفى , وكان من مشاهير عصره . لم يتزوج , وكانت له عاداته الخاصة ,فهو لا يرد على التلفون بعد الساعة العاشرة ليلا, ويفضل مشاهدة الأماكن السياحية بالتلفزيون إذ هي أوضح ولا تكلفه مشقة .واشتهر بخلافه مع اراء طه حسين .

٭ أديبة عراقية/ تقيم في كاليفورنيا/ سان دييغو

لميعة عباس عمارة