التعيين سياسـة والكفاءة بطالــة

أربعاء, 2014-09-17 17:45

بقلم د دداه محمد الأمين الهادي
توجد في العالم ككل سياسة محكمة في مجال التعيين، فدول لها حكومات ذات كفاءة ومهنية، ودول لها حكومات مبنية على المحاصصة السياسية، ودول تلعب المعرفة الشخصية والوساطة فيها دورا مفصليا في هذا الصدد، وموريتانيا ليست بدعا من تلك الدول، وليست بعيدة عن النهج العام، إلا أنها تخلط بين الخيارات الثلاثة، والعامل الوازن هو المعارف والعلاقات الشخصية والاجتماعية.
فلقد كانت موريتانيا منذ الاستقلال تعتمد البعد القبلي، والاثنولوجي في التعيينات، والترقيات، وظل منهج المعارف والعلاقات الاجتماعية حاكما، وحتى الآن لم يترجل عن جواده العربي الأصيل، فالأهالي والقبائل والعشائر يلعبون دورا حاسما ومحوريا في تحديد من سيشغل المنصب كذا ...، ومن سيفقد المنصب كذا ...، والكتل القبلية تختلف أوزانا وأحجاما من جهة لأخرى، وحسب تصور الحكام وقبائلهم وجهاتهم.
ولكن عامل السياسة الذي صار قويا بمرور الأيام جاء ليضع دعامة جديدة في طريق التعيين، ولينضاف إلى البعد الأول المبني على العلاقات الشخصية والأسرية والفئوية، فأصبحت السياسة متنفسا للراغبين في الدخول إلى الحكومات المتعاقبة، فحاملو الحقائب يلزمهم الانضمام للحزب الحاكم أحيانا كثيرة، وأن يعبروا من خلال بابه الواسع، الفاتح على المناصب، وقليلا ما يعبر المعينون من خلال أحزاب المعارضة، التي أحيانا تصبح هي الأخرى مكانا للعبور صوب التعيين بسبب المحاصصة بينها وبين الأحزاب الموالية في حالة وجود حوار بين الاثنين، واتفاق على تقاسم السلط، وبخاصة السلطة التنفيذية.
أما الكفاءة والمهنية فلطالما ظلت في الكثير من الدول بمعزل عن السيطرة التامة، أو حتي الواصلة حد المنتصف، فالحكومات عادة لا يوجد في طياتها الثلث من المهنيين والخبراء وأصحاب الكفاءة، وإن وجدوا فلابد أن يكونوا مختلطين بين السياسة والمهنية، وإلا فإن الحظ العابس لن يغادرهم.
وفي الآونة الأخيرة، ونتيجة لحركات التحرر، ومقاومة التهميش فإن مجموعات عرقية نشطة أصبحت تصدع مطالبة بالحقوق، التي منها الحق في التعيين والترقية، وهي مجموعات محقة في الكثير من مطالبها، وإلى جانبها تتعالى أصوات كفاءات مهمشة، تحاصر القصر الرمادي بين الفينة والأخرى تطالب حناجرها بالمشاركة في تسيير البلد، فحملة الشهادات العاطلون من العلميين والأدبيين يتظاهرون دائما رفضا للتهميش.
وإذا كان رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز قد استجاب لحد كبير لمطالب الفئات، وحملة الشهادات، إلا أن الملاحظ هو أن الفئة كالشهادة لا بد أن يعبر صاحبها من بوابة السياسة، وقد لا يكون حزبيا، ولكن مشاركا في حملة وطنية داعمة للنظام القائم، ولا تكفي المشاركة العابرة كالتصويت، والتحسيس، بل لا بد من البطولة في تقدم المشاهد السياسية، إضافة إلى قيادة الحملة بشكل صادح في الأبواق، وهنا يكون التقويم على أساس التواجد والمعرفة الشخصية، وماورئيات الأحداث، وأحيانا أنظمة ميتافزيقية معقدة، يلعب الحظ فيها دورا، إلى جانب إرادة النظام، واستخبارته.
ويبقى الأساسي، والباقي على نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز اليوم هو دمج، وتعيين شخصيات من خارج معترك السياسة، فالمسابقات الوطنية لدمج الشباب ليست كافية، وتحمل طابعا استحقاقيا في كثير من الأحيان، فالشخص يقرأ العلوم ويتعلم الفنون، ويحصل على شهادة عليا بعد ضياع العمر، يدخل عالم البطالة، ويسابق ويسابق ثم يبتسم له الحظ، وقد لا يبتسم له إلا في المرة العاشرة، أو العشرين، وفي النهاية يحصل على مرتب ضعيف جدا، يستعيد منه تكاليف الدراسة بعد 25 عاما على الأقل، وهو هنا بمثابة من يجد حقه بعد عناء وجهد، وهذا لا يجب أن تمنه الدولة على حملة الشهادات، ولكن عليها أن تنقي منهم جماعات تعينها في مناصب حساسة، تنتقيهم على أسس معرفية ومهنية خارجة عن عالم السياسة والمعرفة، وإلا فإنه لا جديد يذكر.
ما سبق يؤشر إلى حاجة ماسة لدمج الدماء الجديدة فعلا، تلك التي لم تغرق في أتون حكايات الأحزاب، وبؤس السياسة، فالبلاد لن تبنى إلا بسواعد جادة، أصحابها لا يعرفون إلا العمل، وهو ما لا يمكن أن تحققه السياسة، خاصة عندما تتشابه حالة السياسة مع حالة هجرة الأدمغة، بحيث يذهب المهنيون والحرفيون والأطباء إلى "حكواتي" السياسة، يستمعون لأحاديثه، في الوقت الذي تحتاجهم فيه الدولة كأطر وكفاءات.
والأدهى والأمر هو أن الدكتور و"الطرطور" يتساويان عندما يطرقان باب الحزبية الموريتانية، وقد يتفوق "الطراطرة" على الدكاترة، يتفوقون لأن عالمهم كان مائعا، والسياسة حتى الآن لا تزال ذات مفاهيم مائعة، أما الدكاترة فقد عودتهم الأيام على التقيد بالمنهج العلمي في الحياة والعمل، وهو ما لا يجدون له تطبيقا في عالم الحزب.
هل فهمتم ما أعنيه ترى؟ إذا فهمتموه فأنتم ضحايا، وإذا لم تفهموه فأنتم سياسيون!