إيقاعات الكتابة الإنسانية في نزاعات الخوف من الموت

خميس, 2014-10-30 19:12

ينتمي لتيار جديد في الكتابة الإبداعية فهو يبحث عن دلالات الأشياء وماهيتها في عمق اللحظة الدرامية، وربما عنوانه الصادم « ألبوم الأموات» يوحي بوجود نزعة تشاؤمية تتخلل سطور القصة وتفاصيل الحكايات والحواديت في مجموعته القصصية المتميزة الحاملة للعنوان الملتبس.
أيمن علم الدين واحد من كتاب القصة الشباب، يخلص لفكرته حتى النخاع فلا يلجأ لحيل التزويق والتجميل، ويترك عباراته وشخصياته وصوره عارية، ويتيح للمعنى فرصة الإفصاح عن مكنونه من دون مواربة، فتأتي الدهشة من ذلك الوضوح الفج، وهو شيء يجافي الحرية المطلقة في التعبير عن الشهوات والغرائز وفضح العلاقات الجنسية أو المثلية، كما يحدث في تيارات الكتابة الأخرى، ولكنه وضوح من نوع مختلف أقرب إلى المكاشفة الإنسانية والحوار المفتوح مع الذات.
في «ألبوم الأموات» تبدو آيات الرومانسية جلية في كثير من القصص وثمة أجواء تشي بتجارب بريئة متعددة للأبطال لا تتجاوز المعهود في كتب الحب وأدب العشق والغزل العفيف، فما يمكن رصده لا يعدو كونه أماني وأحلاما، أو أنه في قمة الواقعية ليس سوى حوار عبر العيون وتلاق لأطراف الأصابع حين تتجاسر الأيادي على العناق.
لغة رقيقة ومشاعر تتداعى في خجل تارة وفي جرأة تارة أخرى، لكنها في كل الأحوال تظل محكومة بالرومانسية وطهارة المشاعر البكر، ولا تخلو من مساحتها الإنسانية المتبدية في ذلك الوصل الروحي بين الشخوص والأماكن والمساجد والحواري والحوانيت والانزواء في الأركان الهادئة بالميادين والشوارع ومحطات المترو.
هكذا يصور أيمن علم الدين عوالم أبطاله الرومانسيين ويسرد تفاصيل حياتهم اليومية، فهم القائمون الليل الراكعون الساجدون المتمردون المتسكعون في جنح الليل .. فصائل بشرية متنوعة الخصال والصفات تجمع بين الأضداد، ولا تشرق شمسهم إلا على جديد ومثير كل يوم.
في قصة بعنوان «سوف أصبغ أحزاني بالحناء» وهي القصة الأكثر شفافية ورهافة يراود البطل ألامه وأوجاعه ويحاول ترويض نفسه كي تقبل كل ما هو محدث وآت، إذ لا ضرورة لتمرد ولا فائدة من عصيان أمام قدر محتوم وإرادة نافذة، ومن هذا المنطلق يستجلب الرضا ويعيش تحت أي ظرف عسى النفس ترضخ وتخضع وتتوب.
نوازع أقرب إلى الصوفية تكشف عن صفاء ذهني وطاقة مكنونة داخل ذات البطل الباحث، كبقية الأبطال، عن ناصية أمان في عطوف الحياة الهادرة العاصفة، وهو معنى دلالي يشير إلى الذوات المختبئة تحت الذات الشريرة لكل إنسان، فحين يعتزم البطل إصباغ أحزانه بالحناء فهو بذلك يتوق إلى صنع عالم جديد تتبدل فيه الهموم والأحزان وتنقلب ألوانه القاتمة إلى ألوان مبهجة تبعث السرور فيكون التحول.
وفي قصة أخرى بعنوان «السفينة» يستخدم علم الدين الرمز التاريخي ويستعرض ملامح من حكاية نبي الله نوح عليه السلام كدليل على وجوب النجاة حال توافر الأسباب، ويركز على الإيمان كحالة وقائية من الأذى، بيد أنه يشير إلى غوغائية القوم الظالمين ويربط ذلك بما نراه من أعمالهم في حياتنا المعاصرة، وقد يكون في غاية الربط استجلاء الحقيقة الإيمانية بتأكيد اغتراب الحق والجمال والفضيلة بين براثن الشر والقبح والجهل، وهذا ما تنطوي عليه القصة الواقعية في أقل من صفحتين، ولكنها رغم قصرها عميقة المعنى جزلة المفردات متناهية التكثيف.
الكتابة عند القاص أيمن علم الدين لها خصوصية وتأثير وتحمل الكثير من بواعث الإحساس.. القيمة، الكلمة والحرف والصورة الإبداعية فهي أشبه بالنثر المنظوم لكونها كتابة تنحاز للإنسان بقوته وضعفه وزلاته.

كمال القاضي