المستعرب الهولندي يان هوخ لاند: مشكلة العربية في كونها لغتين… فصحى ودارجة

أربعاء, 2014-11-12 20:06

يان هوخ لاند استاذ اللغة العربية في جامعة نيميخين الهولندية عام 1985 وهو الآن مدير المعهد الهولندي «نيمار» في الرباط ومنسق ومحرّر القاموس الهولندي/ العربي، والعربي/ الهولندي ويستعدّ حالياً لإصدار قاموس اللغة الدارجة المغربية. 
«القدس العربي» التقته في حوار حول المستعربين، خاصة الهولنديين ومساهماتهم في نسج علاقات ثقافية بين الدول العربية وهولندا. *درس المستعربون اللغة العربية بسبب الإسلام، ثم تكونت مدارس استعراب، أهمها المدرسة الروسية في القرن السابع عشر، لها فقهها وطرائقها البحثية، كذلك المدرسة الألمانية والفرنسية، هل سنطمئن الى القول بوجود مدرسة هولندية، حيث القسم العربي العريق في جامعة «لايدن» ومساهمات دار نشر «بريل»؟
ـ لا توجد البتة مدرسة استعراب هولندية، انما محاولات فردية هنا وهناك، لا تشكّل ملامح مدرسة كتلك التي ذكرتها، لاسيما ان الدولة الهولندية لا تدعم مؤسساتياً وبشكل ممنهج التوجه ذاك. الهولنديون لا يفتخرون بلغتهم ولا ينشرون آدابهم، وهكذا، لا يجعلون العامل اللغوي والثقافي بارزاً وحافزا في علاقتهم مع الأمم، ربما العامل الاقتصادي هو الحاسم عندهم، وعليه تجد مراكز هولندية قليلة في العالم العربي، مثل المركز الهولندي في سوريا والآخر فيالقاهرة.
هناك أسماء بارزة لكنها تبقى فردية الجهد في هولندا، من بينها من الرعيل الأول، فريدلم هاوس مترجم القرآن إلى الهولندية، كيس فستيخ، عالم في اللسانيات العربية، ومن الجيل الثاني، يان ياب دي راونر، ليزبت زاك، بيترا سابب بستين وغيرهم.
بعد صدور كتاب ادوارد سعيد «في الاستشراق»، ارتبطت حركة الاستشراق (للأسف) في الذاكرة العربية بالكولونيالية، شجع ذلك، تلك الصورة النمطية التي يروجها بعض المستعربين، ربما بعض من الاستعراب هو سياسي، لكن جلّه ثقافي واجتماعي. انا مستعرب، ولست مستشرقاً، وأهتم باللغة كلغة وكمعجميّ ولسانيّ، وقد دفعتني رحلة صدفة بالسيارة مع صديق إلى المملكة العربية السعودية، عندما كنت في التاسعة عشرة إلى الاهتمام بالعربية وآدابها. ولو كانت رحلة صديقي تلك، الى روسيا، لربما ستكون حياتي الراهنة في جهة ما من العالم. اللغة العربية؛ لغة وصفية، مرنة، فيها ميزان صرف يسهّل الاشتقاق، رغم حالاتها النحوية الكثيرة. تكثر في العربية الديباجات، وأحياناً الحشو اللغوي، بينما اللغة الهولندية، وظيفية وصارمة في ترتيب الجملة، مثلاً، يأتي الفعل في المرتبة الثانية، ودقيقة غير متسامحة في بناء بقية الجملة. بالنسبة لنا، نحن المستعربين، لا نعاني من اللغة بسبب قواعدها الكثيرة، حيث ثمة انظمة للصرف والنحو، انما تكمن مشكلتنا في:
أولاً: اللغة العربية بحسبنا، هي لغتان: الفصحى والدارجة، وبينهما فرق شاسع، مصحوب بتفاوت كبير في اللهجات، بين المشرق والمغرب.
ثانياً: تخلو الكتابة المعتمدة راهناً في الصحف والكتب من الحركات، كالضمة والشدّة وحركات الجرّ والرفع والنصب، التي هي باعتقادي ليست حركات تجميلية، بل تدلّ على الوظائف النحوية، وعلى فهم الجملة. لا استطيع التنبؤ الى ما ستؤول اليه اللغة العربية، هل ستشهد الفصحى تقدماً في استعمالها كتابة ولغة يومية؟ أم اننا سنشهد سيادة اللهجات في كل بلد عربي. اشتغلتَ شخصياً ومع مجموعة باحثين ومترجمين على اصدار القاموس العربي الهولندي، والقاموس الهولندي العربي. كانت الفكرة باقتراح من مدير مؤسسة «التبادل المعرفي في الشرق الأوسط»، بضرورة اصدار قاموس عربي وازن تستفيد منه الجالية العربية، وهي ذات حضور في المجتمع الهولندي، وكنتُ قد كتبت عام 1985 نقداً لاذعاً بوصفي استاذاً لمادة العربية في الإعلام، حول قاموس «شريف أمين» والى مؤلفه الذي لم يكن يُجيد اللغتين. بعد ذلك، طرح المشروع على «لجنة التسهيلات المعجمية للترجمة» التي وافقت على العمل باصدار قواميس روسية وتركية واندونيسية وعربية عام 1997. وانخرطت شخصياً منذ عام 1989- 1997 بجمع قاعدة بيانات لغوية من الصحف، ستكون نواة القاموس الجديد، من بينها مواد من جريدة «الحياة» اللندنية، وأخرى من موقع « القدس برس» ولاحقاً من موقع» اتحاد الكتّاب العرب». تشكلت هذهالقاعدة، المسماة « متن النصوص» من 17 مليون كلمة مع 50 نصاً روائياً، مستعملاً برنامج «القارئ الآلي» الذي يستطيع تحويل صورة النصوص، إلى نص بالحروف، ثم استعنت ببرنامج، بمقدور أن يبحث عن كلمة ما في متن النصوص ذاك. يُعتبرالقاموس الهولندي، اساس قاموس اكسفورد عربي/انكليزي، وانكليزي/عربي: قامت جامعة اكسفورد بالاستعانة بالقاموس الهولندي في اصدار قاموسها الشهير في مارس/اذار 2014 الذي نفدت طبعته الأولى. إن 90 بالمئة من القاموس الهولندي هو اساس لقاموس «أكسفورد»، واقول جازماً ان القاموس الهولندي العربي، والعربي الهولندي، فريد من نوعه بين قواميس اللغة كلّها. بسبب ثراء واتساع قاعدة بياناته، باسلوب» التلازم اللفظي»، مثلا كلمة علاقة، تجدها في القاموس متعدّدة ومتنوعة: علاقة عاطفية، سياسية، دولية ..الخ. كتبتُ في موقع الكتروني مهتم باللسانيات تجربتي بعد صدور القاموس في هولندا عام 2003 متوخياً فائدتين:
أولاً: تقريري عن المشروع كباحث علمي واستاذ جامعي.
ثانياً: تشجيع المؤسسات ودور النشر على اصدار قاموس يقتفي تجربتنا،. وفعلاً، بعد اطلاع دار نشر «أكسفورد»، على ما كتبت، اتصلت بنا، ثم عملنا معاً باستعمال القاموس الهولندي كأساس للانكليزي بعدما اضفنا مرادفات وكلمات كثيرة.
○ انت تتكلم ومهتم بالدارجة المغربية، كما تتكلم العربية الفصحى؟
• يعود اهتمامي بالدارجة المغربية الى أيام الدراسة في الجامعة، عندما أردت تعلّم اللغة العربية، فوقعت على الدارجة المغربية بسبب استاذي روول اوتن، مدرس اللغة الامازيغية والدارجة المغربية، وحينذاك بدأ اهتمامي.. انا منهمك راهناً في الاشتغال على قاموس الدارجة المغربية.. جلّ المستعربين الهولنديين يتكلم الدارجة المصرية والسورية نتيجة الدراسة هناك، وهم يفهمون العربية جيداً، ولكن للأسف لا يتكلمونها بطلاقة.
○ يكتب ديغول: «… كثيراً ما أفكر في العلاقة المصيرية بين أمريكا وبريطانيا.. ثم يقول.. إنها اللغة» ما علاقتك بالعالم العربي عاطفياً وأدبيا؟
• أقرأ روايات غسان كنفاني ومحمد شكري ونجيب محفوط تحديداً، كما اطالع الصحف المغربية من موقع عملي.. ارتبط بالعالم العربي نفسياً من جهة الشمس الفيزيائية، وعاطفياً متضامناً مع بشره ومنتقداً السياسات الجائرة، وهكذا هي علاقتي بالعالم كإنسان، لكنني مرتبط جداً بالعالم العربي من طريق اللغة. اللغة مصير وعاطفة ولدي علاقات جيدة مع بعض المثقفين العرب والكتاب الهولنديين من أصول مغربية.
○بوصفك مدير المركز الهولندي في الرباط «نيمار» هل لك أن تعطينا فكرة عنه؟
• «نيمار» هو جزء من السفارة الهولندية، يقوم بالتبادل العلمي بين المغربوهولندا، علماً بأن العلاقة بين البلدين عمرها تقريباً 415 سنة، يشجع الطلاب والمختصين الهولنديين على دراسة اللغة في الرباط، ويساهم بتقديم المشورة الى الباحثين في الشأن المغربي، وله مساهمات ضئيلة في المجال الثقافي، كما ندعم المغاربة الهولنديين، أهم رأسمال «نيمار» هو شبكة العلاقات التي كونها في الجانبين الهولندي والعربي.

٭ كاتب عراقي

حاوره: علي البزّاز

القدس العربي