على وطني أبيضت عيناي من الحزن ..

جمعة, 2014-11-14 09:55

قديما قيل أن تصعد للقمة علي درجات نجاحك خير من أن تصعد علي أخطاء الأخرين ،ولذلك فإن المجتمعات التي تقف عند آلام ماضيها كثيرا بقصد الإجترار والإذكاء لا الإقصاء دائما ما تعيش واقعا مريرا و مستقبلا باهتا ،هذه هي الحقيقة التي يتغاضى عنها الكثيرون من نخبنا ومثقفينا المتنوعي المشارب للأسف والذين يدعون مناصرة القضايا الحقوقية لأنه يغيب عن أذهانها أن القضايا العادلة لكي يبزغ فجرها لا بد لها من تخطي مرحلة الشخصنة الظلامية والتطلع لشمس الحرية وخيوطها الذهبية الجامعة و التي ستزيل تلك العتمة الجاثمة على صدر الانسانية ككل فتدخل بذلك مرحلة الإستمرارية بأمان ولن يتأتى لها ذلك إلا بزرع بذرة التسامح لكي تحصد المحبة والتكاتف لتجسيد المفهوم العميق للإنسانية و لكي يحصل ذلك لابد من أن يجيد أصحابها فن الرسم الذي سيمكنهم من إظهار جميع ألوان الطيف الوطني مجتمعة وذلك حتى يتجنبوا طرق الرسم الباهتة التي تشوه التجانس بين مكونات اللوحة الوطنية...
إخوتي الكرام أنا الآن أتكلم وقد أبيضت عيناي حزنا وسد أفق الأمل أمامي ومن قال بمبالغتي ماعليه لكي يتبين صدق إحساسي إلا أن يتجول في أروقة هذا الفضاء الفكري وسيجد ما يسد رمق إحباطه وحيرته بل وإستغرابه حين يلاحظ ألتفاف عقول كانت تلتحف لباس الثقافة وهي اليوم تتنكر لقيمها في تحد صارخ للعقول حين تخلت عن مظلة الوطنية لتستظل بالمظلة العرقية في تنكر سافر لقيم التعايش المشترك نعم هذا ما أستوقفني مؤخرا في هذا الفضاء وأنا أتابع بعض الخطابات التي أبانت عن مستوى الإنتماء المضمحل للوطن وساهمت في انتشار الخطاب العنصري والجهوي بين النخب قبل العامة في اشد تجلياته حتى صار موضة تستقطب الكثيرين ونوعا من الترفيه والتنفيس عن بعض مظاهر الحقد الدفين لدى البعض مما يجعلك تعيش بكل ألم ووجع لحظات إعدام حلمك بوجود الوطن الجامع للكل ،الذي تختفي فيه عبارات من قبيل هذا بيظاني وهذا حرطاني وهذا كوري ،وهذا أمعلم .. 
هذا الوطن الذي كان من المفترض أن نجعله المرجعية لنا في كل ما نقدم عليه لأن الوطنية تملي ذلك وسأذكر نفسي والجميع بمفهومي للوطنية ...لأقول أن الوطنية يجب أن لاتخضع لقانون المحاصصة النفعية والربحية وليست كصكوك الغفران توزع على البعض ويحرم منها البعض بصورة جزافية ولا أيضا كروت للشحن تنتهي بإنتهاء رصيدها فالوطنية هي تشرب الفكر بالشعور بالإنتماء الذي يترجم بالعطاء اللامحدود وهي انعكاس لمفهوم التضحية التي لا يعجزها شيئ وهي الاستعداد لملامسة المعاناة بلا وجل حتى نرسم الإبتسامة على محي الألم الذي يعيشه الوطن وهي الإبتعاد عن لغة الخطاب من قبيل ــ نحن ــ وأنتم ــ وهم ــ وهي الإبتعاد عن الطرح المفرق والنتن الجالب للذباب فحين تطرح عليكم أسئلة التعريف ، أجيبوا بكل أعتزاز نحن مواطنون موريتانيون فقط و هنا فقط يجب أن تبلع الألسنة فالزيادة هنا نقصان والإضافة بعدها حشو والتمايز تفرقة حتى نتفادى الجار والمجرور ، 
وهكذا تسد الذرائع أمام فطريات التفرقة حتى لا تتكاثر فهكذا أفهمها ،صحيح أنه أحيانا قد تجعلنا الحياة أمام بعض الاختبارات العصيبة والحاسمة وتكون الظروف السلبية لها ظهيرا في ذلك مما يكسب الأمر بعض الزخم إلا أنه سرعان ما يتلاشى ذلك الزخم وسرعان ما ينفض ذلك الحلف حينما نتمثل مقولة أن الوطن هو الأم وأنه لايقبل المساس وأنه خط أحمر وأن ما دون ذلك قابل للمناقشة فيه والتطرق له وأن المشاكل ليست عصية على الحل وأنه علينا أن لا نتكل على بزوغ فجر جديد يخصنا دون غيرنا ويحمل لنا ما نسر به لانه قد يتأخر علينا فعلينا أن نبحث عنه في غياهب الزمن سالكين في ذلك طريق العمل الوطني المروض بالهمة والحكمة ، لكي نفوت على الحسرة والندم فرصة التشفي علينا ،
ولذلك فإننا مطالبون بأن نقف مع ذواتنا وقفة مصارحة تبتعد عن المجاملة و تنبني على أسس النقد الآمن لأن النقد بصورة عامة مفهوم جميل لكن الأجمل منه هو التوفيق ما بينه وبين الإستهداف والتحامل وخصوصا حين تكون المجتمعات هي الوجهة ،فمشكلتنا التي نعاني منها هي التطرف الذي بدأ يستشري في بعض النفوس ــ المثقفة ــ وبدأ يلقى رواجا أيضا عند بعض المتلقين ،فالنقد يتناقض مع التحامل والحرص يتناقض مع الحقد والتوعية تتناقض مع العنصرية ،ولاينبغي أن يتعدى جلد الذات إلى أغتيالها ، فهذه مفارقات عجيبة في دنيا التناقضات والعقليات الراكدة ،فالنقد يجب أن لا يتعدى الحدود الآمنة للنقد والخروج عن إستقامة الطرح فأنا لن أصل لدرجة المكابرة بالقول بمثالية المجتمع المطلقة ولا بسلامته من الأمراض ،
على العكس تماما فهنالك الكثير من الأمراض التي يعاني منها ، حاله في ذلك كحال المجتمعات عموما ،لأنه حيث ما وجد الإنسان وجد الخطأ والمرض ...إلخ لكن بالله عليكم منذ متى ومجتمعنا يتعرض للنقد بهذه الشاكلة فمالجديد على مستوى العلاج لا شيئ إطلاقا هل تعرفون السبب ؛؛؛؟؟ 
لأن العلاج لا بد له من حصول أرضية للثقة يشترك فيها المعالج بكسر اللام مع المعالج بفتحها وهنا بيت القصيد ،لأن الجسم حينما يتعرض لعلاج غير فعال ولم يخضع للشروط الواجب مراعاتها سيكسب ذلك المرض منعة وقوة للتأقلم مع العلاج في المستقبل وبالتالي فما يفهمه البعض تقديسا للمجتمع لا يعدو كونه سعيا في الإبقاء على قابليته للعلاج ،فمشكلة مجتمعنا ترجع إلى المحاولات الغير مدروسة التي لم تبقي على قابليته للعلاج ،فالمجتمع تعرض دفعة واحدة لجرعة زائدة من النقد جعلته يصاب بتسمم الخوف من كلمتي ــوعي ــ و حقوق ـــ وصار ينظر لهما على أنهما إستهداف لوجوده ؛ ولذلك فالحل يعتمد على الطريقة التي سنسوق له بها الإصلاح بطريقة تجعله يدرك أنه إن أرتدى ذلك الثوب سيبدو به في حلة أبهى وأجمل..فكيف ذلك ؟؟؟
لأنه أحيانا بسبب واقعنا المجتمعي الصعب والمرير ؛والذي يخلف في نفوسنا من الشعور بالإحباط الكثير ،الأمر الذي يسمح لليأس بالتغلغل في آمالنا بالدرجة التي يصعب معها عدم إستساغته بل وتقبله ،لأن اليأس ماكر في طريقة التسلل إلى النفس البشرية خداع في إيجاد المبررات لها .....
لكن صدقوني ، أنه ما إن نفتش جيدا وبصبر بين ثنايا تلك النفوس لوجدنا بأن ــ الشر الإجتماعي الممرض ـــ لم يتعمق فيها كثيرا ؛وأنه ليس عصيا على الإقتلاع منها فقط إن أجدنا طريقة التعاطي معه؛ بالصورة التي ننجح فيها بإستدراجه إلى الخارج بدون أن نصيب تلك النفوس بخدوش جديدة؛ لأنه قد تعاقب عليها من النقوش التي عدلت مسار الخير فيها الكثير وأكسبها ذلك مناعة ؛ما جعلها للوهلة الأولى تبدو ناقصة الأبهة، لكن سرعان ما سنكتشف ذلك الطيب الذي كانت تخفيه ،مجتمعنا بإختصار يحتاج لمن يريه صورته على مرآة جديدة عله يكسر حاجز التعود على عين الرضى إلى عين الحقيقة والتي ستريه الصورة بجميع الأبعاد لكن بإتقانه لفن التسويق هذا كل مافي الأمر وللأسف الشديد نجد أن الواقع غير ذلك ،
وكما هو معلوم أن المجتمع الموريتاني لم يتعرض لمشكلة أثقلت كاهله كمشكل العبودية هذا المشكل المعقد الأبعاد والذي مر بمراحل عديدة حتى وصل إلى ماوصل إليه الآن ولذلك فإنني أريد أن أوضح بعض الأمور المتعلقة به ،لأن اللبس الحاصل عند الكثيرين والذين تباينوا في حصوله إما لجهل منهم وهم معذورون جزئيا وإما عن عمد فهم مدانون كليا ،هو في التفريق بين وجود ظاهرة منتشرة تمارس بشكل علني وبدون رادع قانوني وبقبول من المجتمع بجميع أطيافه وبين مخلفات ظاهرة أستشرت في البلد لقرون كباقي دول العالم من حوله مما أدى إلى إنعكاسات سلبية على الصعيد الإقتصادي والإجتماعي والثقافي لشريحة معينة ،
وبالتالي فهم كمن يصدر بيانا بخصوص دولة ما يجرمها على أساس أنه يوجد لص قام مختلسا بسرقة ليلية على أراضيها وهم في ذلك الوهم نسوا أو تناسوا أن الدولة جرمت السرقة وأن السارق تنتظره العقوبة بالتأكيد حين يقبض عليه وأنه لولا ظلام الليل ما كان ليقدم على فعلته ،وأنه لن يلقى أي تعاطف يبرر له فعلته ، ووهذا ما يفسر محاولات البعض الإبقاء على كون العبودية كمشكل مازالت موجودة في البلد وهنا تكمن الخطورة فمن أعتاد على العيش من الفتات الساقط من مائدة الإستغلال لن يسمح لها بسلك مسار الحل على العكس سيكون بالمرصاد لأية خطوة تصب في إتجاه الحل والأمثلة على ذلك كثيرة ...ففي وطني اليوم أصبحت النفوس سكارى بالحقد العرقي المشؤوم، وأصبحت العقول طريحة فراش التدجين،أما الضمائر فصارت أشبه بالفطائر التي تعرضت للمبيت ففاحت رائحتها وفقدت لذة الطعم، وأستشرت نائبات الزمن الرديئ التي سقت نبات الفئوية المفرقة وعضت على الوئام بناب الخوف، وجعلت ضوء الوطنية يرتعد خوفا من البزوغ في الفجر،في وطني اليوم تستحب الإعاقة السمعية والبصرية وحتى الكلامية حتى نكفي أنفسنا شر التواصل مع الأحداث فاللهم احفظنا من فتنة لما تتضح بعد ملامحها انك بنا راحم ؛ 
صدقوني لا أبالغ لكن أن يصل الأمر إلى أن ترفع اللافتات الفئوية وتروى بدموع التقديس فهذا أمر جلل وليس بمبشر ولا أستطيع أمامه إلا أن أشعر بالوجل لأنه سيفتح الطريق أمام الكثير من ردات الفعل التي تختلف في الشكل إلا أنها تتوافق في النتيجة وهي إضعاف الوطن نعم إضعاف الوطن لأن الوطن حين ينظر له على أنه عبارة كعكة يجب أن تتقاسم يكون قد أفرغ من مضمونه المقدس وبالتالي فإنني أقولها أمام التاريخ وبضمير مرتاح ياشعب موريتانيا فلتستفق قبل أن تقاد للمقصلة ،بفعل ساسة عن شعوبهم فقدوا الصلة وإعلام متآمر حاد عن البوصلة ،ولمن يشبه الواقع المؤلم المعاش الآن بأنه لايعدو كونه ألما ناتج عن مخاض سيفضي الى الحرية والديموقراطية والتطور والمساواة فليعلموا أن للمخاض مدة معينة ان تجاوزها تسبب ذلك كمرحلة أولى في وضعنا أمام خيارين أحلاهما مر إما أن نفقد الأم أو أن نفقد الجنين ،لكن إن أطلنا الإنتظار ولم نأخذ القرار المناسب سنفقد الإثنين معا واخشى ما أخشاه هو أننا الآن أمام الخيار الأول والذي إن لم نحسن التعامل معه سيفضي بنا الى الخيار الثاني الذي لاسمح الله سيدخل البلاد والعباد في متاهة سلك الثقوب السوداء والتي نعرف جميعا ماهيتها ،وبالتالي فيا أخي المكلوم كان من المفروض أن ترفع شعارات أكثر شمولية حتى تسعني معك وكان من المفروض أن تلبس همومك لباس الوطن بأكمله لأنه حينها نعم سيتفهمك الوطن من الصميم وسيستشعر ذلك الألم المبحوح من كثرة الأنين ،نعم سيعذرك إن أصبت بعمى السعادة ،نعم سينصت لك رغم اللطم على الجراح ،
نعم سيمد يده لك و يفتح عيونه على مأساتك وسيصغي إلى تلك الآهات ،نعم سيتقبل نقدك اللاذع ويتحمل جلدك لذاته ، نعم سيهمس لك بآهاته وسيقاسمك الألم ، لكن فقط مد له يدك ، وألجم عنانك في الحماس قليلا ،ولا تدر بوجهك عنه ،وستقرأ على التعابير المرسومة على محياه قناعته في السعي قدما في الحلحلة ،ولا تنسى أو تتناسى حقيقة إرتباطك معه في المصير ، فمصيرك مرتبط بوجود الوطن الذي تحتاجه بقدر مايحتاجك فتداركه حتى يسترجع أنفاسه .... تداركه ...
فيا أخي الحرطاني ..أخي البيظاني ..أخي لمعلم ..أخي الولوفي ..أخي البلاري..أخي السونوكي.....أليست أخي ــ المواطن ــ أحسن وأبلغ ــ وأَبُلَقْ ــ من ناحية الفخر والإعتزاز بل وحتى الحكمة الموضوعية ؟؟ والقادرة على الإستمرار؟؟ لأن الله أنعم علينا بدين واحد وثقافات تختلف إختلاف الروافد إلا أن لها نفس المصب ولدينا ألسن نطرب لها كلها كما تفعل أوتار العود الأصيل و هذا تحت خمية الوطن ــ المشدحة ــ بأوتاد المحبة ..فلم تحاولون أن تسقطوا الأوتاد هل نسيتم أن الأوتاد إن استلت ستسقط الخيمة علينا جميعا ؟؟ أم تظنون حرصنا على الوطن خوفا وجبنا وتهوركم شجاعة ؟؟ بيننا الأيام ففيها ستفهمون أن الشجاعة لم تخلق إلا للوطنيين الأحرار...

الشيخ محمد فاضل ولد أكوهي