عميلة مخابرات موريتانية تروي قصتها و كيف روّضت رجال المال و السياسة و الجاه !!

خميس, 2014-11-27 12:04

كان أول شيء رأيته عندما أدركت لأول مرة عساكر يتجولون صباحا ومساء قرب منزل جدي لأمي، المشيد من الحجارة والطين، فكانت تكبر في عيني صورة أولئك الجند وهم يتمرنون تارة على السلاح وتارة عزل علي تمرينات رياضية، وتعودت أذناي الصغيرتان على صوت الرصاص الذي ينبعث من الثكنة آناء الليل وأطراف النهار، كما تعودت على الجري وراء العساكر أثناء خروجهم من باب الثكنة والتعلق ببدلات من كانوا يحملوني علي أكتافهم ويحتضنوني..

ومن بين من كنت أنتظر خروجه على باب الثكنة وأقفز إليه وأتعلق برقبته ضابط من المشرفين على التدريس والتدريب في الثكنة اسمر اللون أحببته من أول يوم رأيته، وكان تعلقي به مبعث تعجب لجميع سكان الحي، الذين استغربوا أمري معه، وتشبثي به بل إن البعض ذهب إلى انه ربما كان أبي بدل الضابط الذي تقول أسرتي انه تزوج أمي في السر ونقل من الثكنة بعد ذلك بفترة قليلة ..

فوتاميديا.كوموكبرت

الطفلة في أحضان أمي وجدي بالقرب من الثكنة التي تتجلي في صورتها الخارجية بصمة بناء الاستعمار، حيث كانت قبل أن تتحول إلى مدرسة للضباط وضباط الصف أهم قلعة للاستعمار في شمال موريتانيا، بناها ليحتمي فيها ويحمي ومصالحه من مستعمراته بشمال موريتانيا مثل المغرب والجزائر، و ضبط الأمور العسكرية والسياسية منها.

واشتد عودي و بدأت نظراتي توحي بذكاء خارق، بين الصبية من أقراني الذين أطوف معهم وديان الواحات المنتشرة في أركان المدينة مهد النخيل و طراوة التمور، ووجدت في انشغال والدتي في تربية إخوتي الصغار من زوجها الفرصة والوقت للتجوال بين أحياء المدينة، وأنا أرسم في مخيلتي صورة جميلة لمستقبلي وأبحث عن وسيلة لتحقيقها رغم صغري، وكان العمل الذي يشدني هو أن أصبح ضابطة أمر أنهي وتعزى إلي مهام سرية جسيمة، سمعت عنها من خلال ما يحكيه علي الضباط، فقد حكوا لي عن مخبر دسته احدي الحكومات في دولة عدوة لتعرف نقاط الضعف التي يمكن أن تتغلب عليها من خلالها، وما تعرض له ذلك المخبر السري من أهوال وتضحيات حتى قام بالمهمة على أحسن وجه.وعندما بلغت العاشرة من العمر وصار جميع في المدرسة من ضباط سامين وضباط صف و مدراء يعرفونني ب"افاتو" ، ويستعينون بي في مكاتبهم لصنع الشاي ومهام أخرى، وعبر تلك العلاقة استطعت أن أكسب ود الجميع، وقد استغل بعض الضباط سذاجتي وصغر سني فكانوا يستدرجونني في الحديث لأخبرهم عن كل شاردة تحدث في المدينة، وكان البعض منهم من غير البخلاء يقدمون لي بعض المال لتنفتح شهيتي أكثر للبحث عن الأخبار.

لكن تصاريف الزمن غدرت بنا حيث تعرضت والدتي لهزة عنيفة أثرت عليها فقد والدها، بعد شهور من طلاقها من والد إخوتي، فقررت الرحيل عن مسقط رأسها والابتعاد عن والد أبنائها الذي تزوج عليها من ابنة عم لها تسكن في المنزل بجوارها، فباعت كل ثمار واحات النخيل التي ورثت عن جدي ورحلنا إلي العاصمة "نواكشوط"، ونزلنا ضيوفا على خالتي في مقاطعة السبخة، وأثناء مقامنا مع الخالة قررت أن نرحل من تلك المنطقة إلي أحياء الصفيح لتحصل على قطعة أرضية، واختارت أحياء صفيح الميناء واشترت بما اكتنزت من ثمن بيع ثمار النخيل والمعونة التي حصلت عليها من أختها وزوجها كوخا من خشب "كونتر ابلاك" علي مقاس 6/4 وبعض التوابع "قطعة للمطبخ " وقطعة "لدورة المياه" ..

كنت أشرف على بلوغ 15 من العمر...استأنفنا حياة جديدة في عالم جديد يختلف عن عالمنا البريء الذي كنت أجد فيه كامل حريتي، وقامت والدتي بناء على نصيحة أختها بتسجيلي في إحدى المدارس الابتدائية .. وفي هذه الفترة كان أحد أبناء مشايخ إحدى الطرق الصوفية يزور والدتي ويتودد إليها للتقرب مني، ومن أجل كسب رضاي طلب من أحد أتباع والده المتنفذين أن يوظفني، حيث استلمت مكتب استقبال في احد البنوك، ومن خلال مكتب الاستقبال استطعت أن ابني علاقة خاصة مع مدير المصرف فقام بدعوتي، وطلب مني مرافقته في بعض رحلاته بوصفي مترجمة وكاتبة خاصة له إلى بعض الدول الناطقة بالفرنسية مثل "دكار" ، وفرنسا تارة ، وتبدلت نظرتي بعد أن اضطلعت على العالم من حولي ورأيت ما يكنه من أسرار كانت غائبة عني، واخترقت عوالم المجهول عبر دليلي المدير، وكسبت الكثير من المال من وراء العمل معه حيث تحولت العلاقة بيننا من مهنية إلى عاطفية تخدم نزواته، وتعرفت بواسطته على شخصيات وطنية ودولية نافذة، ومن بين من تعرفت عليهم شخصية عضو في القيادة العسكرية التي تحكم البلاد في تلك الفترة، وقد اكتشف عضو القيادة العسكرية الذي كان يشغل منصبا حساسا بالاستخبارات في الجهاز العسكري انه يمكن أن يستغلني في عمله فتشبث بي وأصر على أن يضمني إلي خلية سرية في جهازه لما لامسه في من مؤشرات توحي بإمكانية توظيفي مخبرة، فقد كنت بالإضافة إلي لوني الخمري ورشاقتي الجذابة وجمال وجهي الساحر أتقن اللهجات الشعبية واللغة الفرنسة، وانقطعت عن والدتي شهورا بعد انخراطي في التنظيم السري صحبة بعض الأشخاص الذين بعثهم الرئيس معي، وعدت إلي الوطن حيث مكثت مع أمي أياما قليلة ثم غبت عنها دون أن أخبرها عن وجهتي، وكانت الوالدة تتحجج للجيران عندما يسألون عني بأني مشغولة في أعمال المدير الذي أعمل معه، وفقدني ابن الشيخ الذي كان سبب توظيفي مع المدير والذي كان يتحايل على والدتي ويلح عليها أن تزوجني له زواجا عرفيا في السر.

وفي إحدى الرحلات التي كنت مكلفة فيها بمهمة خاصة من طرف رئيسي لمتابعة مجموعات معارضة تتخذ من السنغال مقرا لعملها ضد النظام وتطلق على حركتها اسم "افلام" تعرفت على عضو من هذه الخلية واستطعت أن أوطد معه علاقة طيبة لأكون على علم بجميع ما يدور داخل الخلية وما تعد له وأنقله إلي رئيسي، لكن الرجل المعارض أصر لتثبيت علاقتي به علي الزواج مني وكانت ظروف عملي حسب تعليمات رئيسي تتطلب مني أن أجاريه ولو اقتضى ذلك الموافقة على الزواج منه.

زواج علي سنة المخابرات...

كان تفكيري قبل أن يدفعني رئيسي في العمل السري إلي هذا الزواج، أن أتزوج من رجل أعمال ثري أو أجنبي يوفر لي إقامة في احدى الدول الأجنبية المتحررة مثل فرنسا أو بلجيكا، أو دولة من دول ما أصبح يعرف بعد ذلك بدول أرويا، وقد مهدت لذلك مرات، لكن رئيسي كان على علم بتلك المحاولات فأحبطها لأنها ستؤثر على عملي معه، وحاول مديري السابق - الذي لاحظ فتور علاقتي معه بسبب علاقتي بالقيادي الجديد- عدة مرات توريطي في أعمال غير قانونية، لكن رئيسي الجديد كان لتلك المحاولات بالمرصاد، وتعرض المصرف الذي يعمل فيه للإفلاس هرب على أثره المدير إلى دولة أجنبية ثم حررت له أسرته بعد ذلك شهادة وفاة حتى لا يتابع قضائيا.

وتوطدت علاقتي بالزنجي الذي سقط في شبكي واصطحبته تحت جنح الظلام إلي والدتي، التي صعقت عندما تقدمت إليها بطلب تزويجي من الضيف الذي اصطحبه..والدتي المسكينة كانت تتحين الفرصة لتفاتحني في أمر ابن شيخها الذي كان سبب العمل الذي فتح لي العز الذي أنا فيه، وحاولت معي جاهدة لإقناعي وثنيي عن الموضوع وأن أتذرع للضيف بأي شيئي، لكنني كنت مصرة لأن الموضوع لا يقبل العواطف، فالقرار لا بد منه لأنه من السلطات العليا وأي تأخير فيه أو مماطلة قد يفسد ما يعدون له.لم أشعر احدأ بأمر زواجي، ولم يكن في المنزل مدعوون رسميون، ورغم ذلك غص بالمتطفلين من نساء ورجال الحي، وبعد العقد خرجت وزوجي الزنجي الذي بدت صورته الخشنة للجمهور الذي حضر مراسيم عقد القران غير متناسقة مع جمالي الأخاذ، ولون بشرتي الخمري، حيث قضيت فترة غائبة عن الساحة، ظهرت بعدها مع الرئيس في مرقص ليلي ب"دكار"، وأحبطت الحكومة العسكرية بناء على المعلومات التي تقدمت بها للرئيس محاولة انقلاب كان الزنوج يدبرون لها من خلال أعوانهم في الجيش حيث حددوا يوم الاستقلال لتنفيذه، وكان من ضمن الضباط الذين تم ضبطهم أقارب للناشط والقيادي في التنظيم زوجي الذي انقطع عني بعد فشل العملية التي كتم النظام أصوات الضالعين فيها دون أن يحدث لغط عنها .وظلت رقبتي معلقة بالمعارض الهارب الذي تشتت تنظيمه بين الأقطار الإفريقية والأوروبية بعد فشل المحاولة الانقلابية، وذاب حتى لم يعد له وجود، ومرت سنوات علي دون أن أعثر علي خبر عنه، رزقت خلالها ببنت ..

وشهدت الدولة بعد ذلك مخاضا عسيرا للحياة السياسية حيث عرفت الدستور الجديد، والديمقراطية،وظهور الأحزاب، .وظهرت علي السطح بعد مدة طويلة استرجعت خلالها نشاطي وحيويتي وبشرتي التي ذبلت بسبب ظروف الحمل والوضع، أبحث عن أصدقائي القدامى الذين انقطعوا عني طيلة فترة غيابي، لكن جميع الأبواب التي كانت تفتح مصاريعها لي وجدتها مغلقة وعليها حراس من الطراز الجارح، وتبدد الأمل في عيني وارتسمت مكانه لوحة قاتمة ..

وعدت إلي المنزل حيث ابنتي ووالدتها وإخوتي وضيف آخر انقطع عني بعد زواجي بالزنجي، ابن شيخ والدتي الذي نظر إلي نظرة تشف ورماني بناكرة الجميل، لكن والدتي تشبثت بطرف فضفاضته وطلبت منه أن لا يغضب علي ويسامحني في ما مضى، ومرت الأيام دون أن أخرج المنزل وعاود ابن الشيخ زياراته للمنزل دون انقطاع، وحاولت الاقتراب منه ومجاراته بناء على رغبة والدتي، لكن أحس بما يشدني إليه.وأثناء مكوثي في المنزل طلبت من ابن الشيخ أن يحضر لي جهاز تسجيل من السوق لأستمع فيه لبعض الأشرطة التي تعجبني وتسليني من الفراغ الذي أعيشه، وفي يوم وبينما أنا أستمع لشريط جاء أخي وأدار على الإذاعة ليستمع إلي نتائج ختم الدروس الإعدادية وتفاجأت بصوت مقدم النشرة الذي تذكرت قصتي معه أيام كان يحب أختي وذهب في حبها إلي الاتفاق معها على الزواج، وكنت في تلك الفترة موجهة من رئيسي نحو العروبيين الذين ينشط فيهم الصحافي مقدم النشرة، وكان اقرب شخص لها يمكن من خلاله أن يكون مصدرا لها عليهم هو الصحفي عشيق أختها في تلك الآونة فاحتلت عليه بالدلال والغنج إلي أن جذبته وصرت أواعده وأذهب معه إلى أماكن بمفردنا إلى أن فقدته أختي عشيقته الأولى قبل أن تكتشف من خلال صور عثرت عليها في حقيبتي انه خانها معي مما أشعل فتيل حرب بيننا.ومن المعلومات التي كنت أحصل عليها من الصحفي استطعت أن اطلع رئيسها على نشاطات حزب البعث الذي ينتمي إليه الصحافي والذي كان جل المثقفين منقسمين بينه و الحراك الناصري ويعمل تحت إمرة قيادته المرتبطة بالقيادة العليا للحركة في العراق، وانتسبت إلي نادي الشباب الذي كان يؤطرهم المركز العراقي مصدر الفكر، فصرت أواكب المحاضرات والندوات والعروض التي يقيمها المركز لرواده رغم أني لا أفك رمز الحروف بالعربية، ولم تمض فترة طويلة على علاقتي بالصحفي حتى تقدمت بتقرير لرئيسي وضع على أساسه النظام حدا للحركة حيث ألقى القبض على بعض كوادرها والناشطين الحيويين..

وكان من بين من ألقي القبض عليه ذلك الصحفي..وما إن طويت تلك الصفحة حتى وجهني النظام إلي فتح ملف الحركة الناصرية التي تتخذ من جمال عبد الناصر زعيما ومن نهجه فكرا إيديولوجيا، ومن اجل أن أكون بين الحركة زرعني النظام في الجامعة مناضلة ضد الاحتلال في فلسطين، وبين الجمعيات الثقافية التي تنشط في دور الشباب واستغليت أنوثتي لأكون على مقربة من النشطاء والمفكرين وتقربت من إدارة المركز الثقافي الليبي وحصلت على رحلات مع جموع الشباب الذين كانوا يحضرون المواسم في جامعة ناصر الأممية ويشاركون في المنتديات التي يحضرها وريث عبد الناصر العقيد معمر القذافي، وتقدمت شيئا فشيئا داخل التنظيم إلى أن وصلت إلى شخصيات قيادية في الشباب وجمعتني بهم علاقات خاصة كنت من خلالهم أطلع علي كل ما تنظمه الحركة وما تخطط له، ومن خلال تلك المعلومات تقدمت بتقارير استطاع النظام من خلالها أن يوقف المد الناصري الثوري بالقبض علي بعض منظريه وزعمائه والناشطين فيه من الشباب وغلق المركز الليبي بتهمة العمل علي قلب النظام .

لعنة الماضي ...

سئمت من الجلوس في البيت ومن وجه ابن شيخ والدتي، و أختي التي لم تنسي ما فعلت بها رغم ما مر عليه من الزمن، فتركت ابنتي لدى أمي وسافرت إلي" دكار" لعلي ألتقي ببعض المعجبين بي، وهناك ترددت على الملاهي الليلية التي كانت نقطة الوصل بين الجميع، ولكني هذه المرة التقيت بوجوه أخرى، وعرفت أن الصورة انقلبت، وحاولت خلق علاقة جديدة بناء على أنقاض ما انهار وتبدد، لكني وجدت الكل خائفا من الماضي يراه صفحة سوداء يهرب من إثارتها، وومض لي بلسم أمل من شخص التقيت به على طرف طاولة قمار فأعجب بلعبي وطريقة استحواذي على عقول اللاعبين، ووعدني بالكثير عندما يعود إلى العاصمة انواكشوط، ووجدت نفسي تائهة تبحث عن سلم تتسلق عبرها إلى الهرم الجديد، وأحسست أن كل الذين كانوا يقدرونني و يجثون عند أصابع قدمي تنكروا أو اختفوا كليا من الوجود.

وبعد عودتي إلى انواكشوط نظم لي رجل الأعمال الذي تعرفت عليه على طاولة القمار لقاء مع مدير امن الدولة يومها، وكان استقباله لي باهتا لا ينم عن إعجاب و لاحظت من خلال حديثه أن ماضي مع العسكر غير مشجع مع الإدارة الجديدة، ومع ذلك طلب مني مراجعته في نهاية كل أسبوع.

توطدت علاقتي به شيئا فشيئا رغم اكتشافي أن لديه شبكة من النسوة يعتمد عليها في الأخبار، تعرفت على بعضهن خلال لقاءات جمعتني بهن في قاعة الانتظار بمكتبه تجلي لي من خلالها أن جلهن زوجات شخصيات تقليدية و قريبات للمدير .. وفي تلك الظروف الغامضة التي أملتها التحولات اختلفت إلى المراقص في فندق الأحمدي صحبة بعض الأخلاء حضروا من "دكار" بينهم فرنسيين، ومن خلالهم كسبت ود أشخاص في السفارة الفرنسية وتوطدت علاقتي أكثر بهم وابتعدت عن أمن الدولة.

ولكن كراهية أختي لي و لعنة زوجي الزنجي ظلا يطارداني بين سكان الحارة التي تسكن فيها أمي مما دفعني إلى مغادرتها واستئجار منزل في ضاحية أخرى من العاصمة وجدت فيه حريتي بعيدا عن مراقبة عيون الحارة وملاحظات أمي، وجعلت من المنزل الجديد صالونا للعب القمار بالورق "ابوكير" تحت ستر "بلت" وتوجهت نحو التجارة وتهريب المواد الممنوعة خفية عن عيون الجمارك، ثم تحولت إلى التجارة عبر المغرب وعيون الساقية الحمراء عبر انواذيبو، وتطلعت إلي أن أكون سيدة أعمال فاشتريت بعض القطع الأرضية في مناطق مأهولة من العاصمة، وفتحت متجرا صغيرا في السوق.....

وفي ليلة من ليالي الشتاء الباردة رافقت مواطنا فرنسيا إلى ملهى للرقص في فندق "الأحمدي" الذي صار يعرف بفندق "ديد" للاحتفال معه بعيد رأس السنة، وبينما كان الجميع في الملهى ما بين غارق في نشوة الخمر، أو يترنح على موسيقي هادئة في حلبة الرقص إذا بالشرطة تداهم المكان يتقدمهم ضابط ارتعب الجميع عندما ذكر اسمه"ك،ر" وصار كل واحد يبحث عن منفذ يخرج منه هاربا، وكنت من بين ثلاث نسوة تم ضبطهن في ذلك المرقص تلك الليلة، ونقلتني سيارة بين جماعة كبيرة من الموريتانيين بينها رجال أعمال وشخصيات دبلوماسية فيها ملحقين بسفارات موريتانية في دول أجنبية، وتم الكشف عن هويتنا في مقر الإدارة الجهوية التي ضاقت بنا و بحضور الضابط الذي كان يزبد ويرعد وهو يتوعدنا بما لا تحمد عقباه، وكان الجميع خائفا ترتعد أوصاله بمجرد أن يتحرك الضابط أو يتكلم، وبعد يومين من الحجز أطلق فيهما سراح الكثير ولم يبقى من الموريتانيين إلا أنا، أو مواطنان واحد سيغالي والأخر من مالي، وفي اليوم الثالث استدعاني الضابط إلي مكتبه كنت أتأرجح كالغصن في وجه ريح عاتية من شدة التعب والجوع أمام الضابط، وطلبت منه أن يشتري لي بعض الطعام من نقودي في محفظة سحبتها مني الشرطة، ولكنه رفع صوته عاليا وهو يرميني بعبارات نابية: أنت زانية، شاربة خمر، عاهرة، وبدلا من أن يرسل للطعام أرسل في طلب مدية حلاقة وقام صحبة أفراده بحلق شعر راسي، وفي اليوم الثالث قام بإحالتي إلى سجن "بيله".

وبعد تسليمي لحرس السجن قام رئيس الحرس بتنزيل كل ما بحوزتي المحفظة التي لم تترك فيها الشرطة سوى ورقات قليلة من مبلغ كبير كانت تضيق به، ودفعوني إلى رئيسة السجينات والتي يدعونها " الغجرة" لما تتسم به من غجرية امرأة كبيرة الحجم دميمة الخلقة قصيرة القامة جهورية الصوت، كل النساء والأطفال في السجن يرتعدون خوفا منها.. أخذت "الغجرة" بطرف يدي وسحبتني إلى غرفة ضيقة تتسع لسريرين كانت نظراتها المخيفة تتجول بين صدري وفخذي ويداها تعبث بجبهتي ومنابت شعر رأسي ..

فوتاميديا.كوم

التواصل