استفتاء أمير تاج السر

اثنين, 2014-06-30 11:50

لفت نظري على موقع الجزيرة نت، في صفحة الثقافة والفن سؤال مطروح للاستفتاء، وهو:
هل تعتقد أن المهرجانات تساهم في تثقيف المواطن العربي؟
حقيقة لم يقل السؤال، ما هي تلك المهرجانات، لكن ما دام في الأمر تثقيف ما، فهو يقصد المهرجانات الثقافية بلا شك، ومعروف أن تلك المهرجانات متنوعة، وتندرج تحتها بحسب الاعتقادات السائدة، أنماط من الثقافة، قد لا تخطر على البال أبدا.. وقد لاحظت أن ثمة برامج في القنوات التلفزيونية يطلق عليها برامج ثقافية، ولا تبث سوى الغناء، والذي هو موجود بالطبع في تلك القنوات باستمرار سواء أن خصصت له برامج أم لا.. أيضا تعتبر برامج الطبخ ثقافة، ومباريات كرة القدم، والمصارعة الحرة، ثقافة، وربما جيء في برنامج ثقافي خاص بالآداب والفنون، بساحر غريب الأطوار، يستطيع أن يختفي ويعود، ويصنع المعجزات أمام المتفرج.
المهم أن كلمة الثقافة كما قلت، كلمة مندحرة، وضعيفة الشخصية في هذا الزمان، ولولا أن عددا من الموبوئين بحب الكتابة والقراءة، ما زالوا يستطيعون أن يحملوا لقب: مثقفين، لأصبحت تلك الكلمة مملوكة كلية، لنشاطات أخرى في الحياة، لا علاقة لها بالتثقيف.
الآن، ما هي الثقافة الحقيقية في نظري؟
أنا لا أعترض على الركض وراء المعرفة، وهو حتما يؤدي إلى ثقافة ما، فتعلم العزف على آلة موسيقية، أو إجادة النوتة الموسيقية نفسها، معرفة تؤدي إلى ثقافة، لكن الغناء الذي يقوم بأدائه كل من هب ودب، بلا خلفية سوى صوت جميل، و مستمعين مستعدين لتصنيف ذلك المغني نجما من أول يوم في ظهوره أمام الناس، لا يمكن أن يكون معرفة ولا ثقافة.. هنا لم يسع أحد لامتلاك أدوات جديدة، لم يسع لتطوير أدوات يملكها، فقط استخدام أدوات مملوكة عنده أصلا بلا زيادة ولا نقصان، وإذا ما سئل هذا الذي يعتبر مثقفا، ويلقب بالأستاذ عن أبسط قوانين الموسيقى، أو تاريخ العزف والغناء لما أجاب، ولكن يمكن أن يجيب على أسئلة كهذه أي مثقف عادي، لن يكون نجما في يوم من الأيام.
أعود لسؤال الجزيرة نت، وأعتبره كما قلت مختصا بمهرجانات الثقافة الحقيقية، مثل الندوات المقامة هنا وهناك لمناقشة عمل روائي صدر لكاتب ما، أو مجموعة شعرية أو قصصية، أو أمسية شعرية يحييها شعراء يملكون اللون والطعم، أيضا معارض الكتب التي تقام في كل بلد عربي تقريبا، كل عام، وعروض الباليه والفلكلور، والمسرح، وغيرها، ثم المهرجانات الصغيرة التي تقام في صالونات خاصة ويحضرها الصفوة في العادة.
أعتقد أن الأمر ليس مبشرا كثيرا في مسألة التثقيف هذه، لكنه حفر لا بأس به، يحتاج إلى حفر أعمق، وأعمق من أجل غرس الثقافة في أقصى بؤرة في الذهن. نعم المهرجانات تجدي إلى حد ما، وستجدي أكثر لو صاحبت تلك المهرجانات الأدبية، فعاليات أخرى، ذات روح جاذبة، مثل أن يقدم نص ما على شكل كتاب ومسرح، في نفس الوقت.
في نهاية العام الماضي وبداية العام الحالي، شاركت في عدة معارض للكتب في تونس والجزائر والسعودية وقطر، تحدثت في بعضها، وكنت زائرا عاديا في البعض الآخر، كنت في الحقيقة أتلمس انتباه الناس وأنا أقرأ مداخلاتي، وأعرف من نوع الأسئلة التي تطرح في نهاية المداخلة، إن كان من سأل قد غرق فعلا في الموضوع، أم هي مجاملة لضيف ما في بلده، يأتي لحضور مداخلته ويسأله. وأعترف حقيقة ان معظم الذين يحضرون ويجلسون صامتين في قاعات فعاليات معارض الكتب، يأتون عن قصد وإصرار، بغرض الاستفادة، حقيقة الحضور ليس كثيفا، بمعنى أنك لن تجد تزاحما وتضاربا بالأكتاف وصياحا، كما لو كان الأمر ذهابا لحضور مباراة كرة قدم، أو حفلا غنائيا لنجم ذائع الصيت، لكن على قلة ذلك الجمهور، يحس المحاضر بروعة التجربة وأن ثمة شتلة ما الآن تغرس في تربة الذهن وستثمر ذات يوم.
من معارض الكتب التي لا تنسى، معرض الرياض الذي حضرته مؤخرا لأول مرة، بداية هذا العام، وكنت أسمع عنه من قبل، أسمع عن زخمه وإبداعه في توفير أكبر جمهور من القراء، يعشقون الأدب والفكر، ويحتفون بالكتاب بكل أنواع الاحتفاء. شاركت في ذلك المهرجان أو العرس الكبير كما أسميه، بمداخلة عن دور الرواية في منظمات المجتمع المدني، بصحبة أساتذة متمكنين، وكانت ندوة ناجحة فعلا حضرها جمهور لا بأس به، بالنسبة لجمهور الندوات، وكنت مرة دخلت لأحضر ندوة في معرض الشارقة للكتاب، وعثرت على المحاضر، يلقي مداخلته على المصور، ولا شخص آخر.
المهم أن تلك الندوة وما تلاها من أسئلة واعية، بينت أن المهرجانات الثقافية يمكن أن تجدي.
بالنسبة لمعرض كتاب الرياض نفسه، يبدو الأمر بالنسبة لي غير قابل للتصديق، الجمهور أكثر من ما يمكن أن يتوقعه أي زائر حديث للمعرض، والشراء مكثف وواع جدا وأرى الناس يسألون عن كتب بعينها من روايات ودواويين شعر وفلسفة وتاريخ، وليس الكتب الرائجة المعروفة في كل معارض الكتب. كان ثمة تميز حقيقة، وتميز آخر، أن عددا كبيرا من القراء، يقرأون عادة في مجموعات، وبالتالي من يعثر على كتاب هام في نظره، يشتري منه عدة نسخ لأصدقاء آخرين يشاركونه الهم القرائي. التقيت بكثيرين وجدتهم يعرفون نتاجي، وعرفت بعضهم لأن وسائل التواصل الاجتماعي أتاحت للناس أن يعرفوا بعضهم بسهولة، وأن يتبادلوا الخبرات في كل المجالات، وكانت الحصيلة أن عدت بمؤلفات قيمة لمبدعين شباب من السعودية، وانطباع مبهج أن الثقافة بخير.
إذن سؤال الجزيرة لديه إجابة عندي، ربما تتفق أو تختلف مع إجابات أخرى، لآخرين قد يشاركون في الاستفتاء.

أمير تاج السر