الجوائز الأدبية.. صراع من أجل الوصول في ظل السجال الذي يدور حولها

ثلاثاء, 2014-07-01 12:51

أثير في المدة الأخيرة لغط كبير في الأوساط العربية حول كثرة الجوائز التي يعلن عنها هنا وهناك، وسبب هذا اللغط أن بعض أو أغلب النقاد والقراء والمتابعين يرون أن النصوص الفائزة غير ذات قيمة فنية، أو أنها نصوص لا تستحق أية جائزة، ومن بين ذلك جوائز عربية، أو عالمية يفوز بها عرب.
ربما تشكّل «البوكر» الجائزة الأهم في السرديات العربية، فضلاً عن الشارقة ودبي والعويس والجائزة التي تمنحها اليونسكو، وغيرها من الجوائز، محلّ تشكيك لدى الكثير من النقاد، وما حصل مؤخراً من آراء متباينة حول فوز الكاتب العراقي حسن بلاسم حينما فاز بجائزة الاندبندت البريطانية حول مجموعته القصصية (المسيح العراقي) واستحقاقها للحصول على هذه الجائزة نموذجاً واضحاً لهذه اللغط..
«القدس العربي» فتحت هذا الملف لاستقصاء آراء الأدباء العرب حول أهمية هذه الجوائز وما تقدمه للأدب العربي عموماً:

رغبة مشروعة
القاص والشاعر العراقي عبد الهادي سعدون يرى أنه من البديهي القول إن الكتاب قائم بذاته سواء حصل على جائزة أم لم يحصل، تشفع له رؤية الناقد وإطلاع القارئ ومدى بقائه في ذاكرة الأدب على المستوى المحلي والعربي (ولم لا والعالمي أيضاً). ولكن لا بد من إقرار حقيقة أخرى أن الكاتب إضافة إلى فكرة الكتابة للجميع والرغبة بوصول كتابه إلى أكبر قدر ممكن من القراء والحصول على أهم القراءات النقدية، ففي داخل كل واحد منا رغبة كبيرة برؤية كتابه يحصد جائزة ما على المستوى المحلي والعالمي، وهي رغبة مشروعة، خاصة لو كان الكتاب بمستوى عالٍ من الجودة.
ويضيف: التشكيك بالجوائز وأهميتها من عدمه متداول في كل بلدان العالم، كما أن كثرتها تتبع طبيعة هذا النوع الأدبي من غيره. الصحيح في هذا البحر من التلميحات والموافقات أو الرفض للجوائز هو الحرص على تشجيع الجوائز الحقيقية، ليس لقيمتها المادية بقدر قيمتها الفكرية والإبداعية. أوروبا ودول عديدة سبقتنا في هذا، وربما ينقصنا بعد التعود والرؤية المجردة للجائزة وقيمتها، وعدم الوقوع بشرك اعتبار الكتاب قيمة إبداعية فقط عندما يحصل على جائزة أو تباع نسخه بالآلاف. الكتاب الحقيقي لا ينشد غير البقاء في ذهن النقد والقراء، أما الجوائز فعلى أهميتها لكل كاتب، تبقى جائزة لا علاقة لها بصنعة الكتاب ولا خلطته الإبداعية. ولا يدعي سعدون أنه «بالضد من الجوائز التي بدأت تجد لها مكاناً في العربية، بل العكس، إذ لا بد من إيجاد صيغة تفاعل مع الكاتب وصنعته الكتابية، ولا بد أن يصل اليوم الذي نختبر فيه أدبنا عبر جوائز إبداعية مهمة وكثيرة تساهم بشكل فاعل بالترويج ومساندة الأدب الحقيقي. الخطوة المرتبكة في البداية لا بد أن تفرز في النهاية صبغتها المقنعة والمجدية والفاعلة».

فضائح ومحاصصة
ومن وجهة نظر الناقدة والمترجمة الفلسطينية أماني أبو رحمة فإن الجوائز الأدبية تعددت بشكل يثير التساؤلات فعلا حول الجوائز والقائمين عليها، ومن ينالها أيضاً. والملفت أن الخليجَ هو من احتكر أغلب هذه الجوائز سواء كانت عربية الطابع أو ذات سمات تنسبها إلى العالمية. الخليج الذي نشط مؤخرًا في إقامة المهرجانات الأدبية والفنية والمسابقات والجوائز وورش الكتابة الإبداعية بشكل ملحوظ في وقت انحسر الاهتمام بالشأن الثقافي في دول تصدرت المشهد طويلا كالعراق ومصر وسوريا ولبنان، الأمر الذي قد يُفسر بسبب استقراره وثرائه وتأخره النسبي في المجال الإبداعي في العقود الماضية مما حذا بالمسئولين فيه إلى محاولة تعويض ذلك بالجوائز والمهرجانات والمسابقات والفضائيات التي تتطلب مالا واستقرارًا.
وتبيّن أبو رحمة: «على الصعيد ذاته لم يترافق هذا الكم من الجوائز والمهرجانات بنهضة أدبية وفنية وبحثية أصيلة وجادة لا في دول الخليج ولا في الدول العربية الأخرى. وإنما رافقت الفضائح أغلب هذه الجوائز وكثير من الفائزين بها وجلّ الأعمال كذلك. والناتج، بحوث مكرورة، بل مسروقة في أحايين، وأعمال متدنية المستوى ولجان تحكيم غير ذات صلة تعطي تقييمات انطباعية لا تقنع أحدًا حتى المتقدمين للجائزة، ويستمر السجال طويلا قبل الجائزة وبعدها عن كواليسها وأهلية أعضاء لجانها وأهمية العمل وظروف الفوز مما يفقدها الكثير من المصداقية، الأمر الذي وصل إلى أن بتنا نسمع مثلا إن جائزة ما ذهبت العام الماضي إلى مواطن ذلك البلد وعليه فإن الفائز لهذا العالم لن يكون منه. حتى بات المراقب يستنتج الفائز بالجائزة قبل إعلان نتائجها استنادًا إلى معايير لا علاقة لها بالنص الإبداعي أو النقدي». وتقدم أبو رحمة تساؤلات عدّة، منها: هل هذه موضوعية؟ ما علاقة الجنسية أو غيرها من الصفات أو العلاقات الشخصية والعامة بالإبداع؟ الأمر مجرد محاصصة سياسية وقُطرية وتجارية وجندرية وما شابه، لكن الإبداع الحقيقي لا يعترف بها أبدًا.
وتتصور أبو رحمة أن القضية سياسية اقتصادية إعلامية بالدرجة الأولى، فالجوائز تعني المال فقط ثم صناعة نجم يفوز بالجائزة لأسباب الإبداع ليس أهمها بحال. «لا أتجنى على المشهد الأدبي والفني، فقدت قرأت أعمالا فائزة ببعض الجوائز، حاولتُ جاهدةً أن اجعلها منصفة أو محايدة على الأقل، فكانت النتيجة أعمالا مترهلة، تفتقد إلى الابتكار والمغايرة عن السائد والمألوف. أعمال تقلد من هنا وتقتبس من هناك وتعرب وتغرب دون أن نعرف ما الذي يريده الكاتب وما الذي يميز عمله عن أعمال أخرى تغرق المشهد الأدبي. أعمال على مقاس وذوق مانحي الجوائز فقط». مشيرة إلى أن ذلك لا يمنع من وجود كتابات مهمة هنا أو هناك ولا يمنع أيضًا من وجود أعمال إبداعية قيمة لا يصلح أصحابها للنجومية ولا يعرفون طرق الزحف إلى الجائزة التي يجب أن تبحث عنهم لو كانت للإبداع فقط، لذلك همشتهم الجوائز والمهرجانات.

محسن الرملي
لكن القاص والروائي العراقي محسن الرملي يقف في صف من ينادي بكثرة الجوائز، «لا أعتقد بأن الجوائز العربية كثيرة إذا ما قارناها بما هو موجود في ثقافات أخرى، ففي بلد واحد فقط من بين أكثر من عشرين بلداً ناطقاً بالإسبانية هناك أكثر من ثلاثة آلاف جائزة أدبية في إسبانيا، من بينها 300 مهمة، وفي فرنسا هناك ما يقارب الخمسة آلاف جائزة من بينها 1500 جائزة مهمة».
موضحاً أن الجوائز الأدبية تخدم الكاتب والناشر من حيث مردودها المعنوي والإعلاني والمادي كما تخدم القارئ بكونها تنبهه إلى أعمال ربما ما كان لينتبه إليها لولا الجائزة، وبالتالي فإن الجوائز إيجابية للأدب والثقافة بشكل عام، أما عن السلبيات التي ترافقها فهي أقل وهي ترافق كل الجوائز في كل الأماكن والأزمنة، والتي من بينها وجود اعتبارات غير أدبية في التقييم أو مصالح وعلاقات وأمزجة أو مصادفات وما الى ذلك، إلا أن هذه المسائل ستضر بالجائزة نفسها قبل أن تضر بالكاتب أو بالأدب الحقيقي، فالجائزة التي تخفق في اختيار العمل الأفضل ستفقد مصداقيتها مع تكرار ذلك، ولا أظن بأن المبدع أو المثقف أو القارئ بغافل عن كل ذلك. «عدا ذلك فإن الأعمال الأدبية الجيدة ستفرض نفسها في نهاية الأمر بغض النظر عن حصولها على جائزة أم لا، وما أكثر الكُتاب والكتب العظيمة في كل الثقافات التي لم تحصل على أية جائزة لكنها وصلت وأثرت بمساحة أكبر من القراء ونالت جائزة الخلود، من هنا فقد أصبح بديهياً أن الجوائز هي ليست مقياساً نهائياً لتقييم جودة وأهمية العمل الأدبي بقدر ما هي وجه من وجوه الدعم له، وأتمنى لو تزداد أكثر الجوائز في بلداننا العربية بأضعاف ما هي عليه الآن».

وتكمن أهمية أية جائزة؛ حسب ما يقول الشاعر الكويتي دخيل الخليفة، بمصداقية وقوة لجنتها التحكيمية، «بيد أن هذا لا يحدث في الجوائز العربية التي كثرت وما زالت تتناسخ وبعضها لنوايا خبيثة ليس إلا، لكونها تمثل وجهة نظر أصحابها في الحالة الإبداعية، هل نتأمل من لجنة تتكون من شعراء تقليديين أن يمنحوا الجائزة لشاعر حداثي؟».
مؤكداً أنه لا يحترم تلك الجوائز ولا يشجع على المشاركة فيها، «لأن لجانها تتكون من عصابات عربية، هذا يمنح الجائزة لهذا، والأخير يرد له التحية بجائزة أخرى.. لكن هل الرواية أو المجموعة الشعرية أو القصصية الفائزة تحمل قيمة إبداعية؟ في الغالب تكون الإجابة (لا)». مضيفاً: «لا أفهم، حتى الآن، كيف لمثقف يساري مثلاً أن يلهث وراء الجوائز التي تقدمها حكومات كثيرا ما هاجمها عبر التصريح أو الهمز واللمز واعتبرها «رجعية» أو «ديكتاتورية»! هذه الحالة تعكس واحداً من شيئين هما أمرّ من بعضهما؛ إما أنه مضطرب نفسياً، أو أنه موظف لدى بعض الحكومات». فشعار هؤلاء «أعطني هذه الجائزة وأضمن لك الجائزة الفلانية!» أو «سأمنحك المركز الأول بشرط أن يكون لي نصف المبلغ المخصص!!». لكن الخليفة يرفض أن يذكر بعض الفضائح التي حدثت في العامين الأخيرين تحديدا، وكيف أن شاعراً عربياً معروفاً، دعاه شاعر خليجي ليكون رئيسا للجنة التحكيم في مسابقتين، فمنح الجائزة «العربية» لابن بلده وصديق عمره الذي لم يصدر ديوانا منذ أكثر من 10 سنوات، ثم منح الجائزة «المحلية» للشاعر الخليجي نفسه! ولا يريد أن يكشف كيف أن بعض اللجان تتصل ببعض الأدباء لتحثهم على المشاركة، مقابل وعد بالحصول على الجائزة..! على حدِّ قوله.

الفوضى غير الخلاقة
بلا شك أن للجوائز الأدبية، في جميع أوساط العالم الثقافية؛ أهدافها ومعطياتها وتجلياتها التي تتجسد في الاهتمام والعناية والاحتفاء بالنتاجات الإبداعية في مختلف الأجناس والأنماط الأدبية، من شعر وقصة قصيرة ورواية ودراسات نقدية، بحسب الشاعر العراقي سعد جاسم، الذي يعتقد أن هناك أجندات وغايات كثيرة تقف وراء معظم الجوائز الأدبية، وهناك ثمة توجهات تحددها، وقد تخضع لأسباب علمية وموضوعية، وكذلك فهي قد تخضع لما يمكن تسميته بالشللية والكارتلات والمافيات الثقافية وأمزجة لجان التحكيم في هذه الجوائز. و»ثمة ما يدعو للانتباه إلى أننا كمتلقين وكمنتجين للنصوص الأدبية غالباً ما نعاني من إشكالية الوقوع في فخ كون هذا العمل الأدبي قد حصل على جائزة أدبية، وعند قراءتنا لهذا العمل الفائز بهذه الجائزة الأدبية أو تلك، فإننا سرعان ما نكتشف أننا أمام عمل لا يستحق هذه الجائزة، وهو أدنى بشكل لافت من الضجيج الذي يثار حوله».
ويرى جاسم أن بعض الجوائز الأدبية قد تكون خاضعة لمعيار الجودة، أو معيار التوجهات والذائقات العامة والشعبوية، فضلاً عن أن هناك الكثير من الخفايا والأسرار والمسكوت عنه في كيفيات طرائق تحكيم الجوائز وإجراءات منحها لهذا أو لذاك؛ ومن الممكن أيضًا وقوع اختيارات إدارات الجوائز ولجان تحكيمها تحت تأثير (فكرة السلطة) والمعرفة كما يرى «ميشيل فوكو»؛ أي أن السلطة الثقافية تروج لعمل ثقافي معين، وتحاول إقناع الجمهور العام بتفرد هذا النتاج الذي تريده ويمثّل خطابها، فيرتكن إلى قناعات ربما هي خارج الذائقة والتلقي الحقيقيين.
و»يمكنني القول إن هناك كثرة لافتة بأعداد الجوائز الأدبية في عالمنا العربي وقد بلغت حد الإسفاف والفوضى غير الخلاقة».

معايير نسبية
الناقد العراقي حسن السلمان يبيّن أهمية الجوائز، إذا ما تجاوزنا مردودها المادي والإعلامي على الفائز، كونها تشكل حافزاً قوياً لصاحب الجائزة على تقديم أفضل ما لديه وتطوير قابلياته نحو مستوى لا يقل شأناً عن قيمة عمله الفائز، أي تذكي في ذات صاحب الجائزة منافسة مع الذات لتجاوز ما تم تقييمه وتكريمه للبرهنة على أن قدراته وطموحه وتطلعاته نحو الأفضل لا تقف عند حد الجائزة. الأمر الذي يجعل من الجائزة سلاحاً ذا حدين، فلربما يتسرب الغرور إلى نفس الفائز ويجعله يدور في فلك جائزته، وقد تشكل الجائزة للفائز دفعة قوية للابتكار والتطور. بيد أن الجوائز، بحسب السلمان، لا تعني بحد ذاتها القول الفصل في الأفضلية المطلقة للعمل الفائز على النصوص التي لم تفز. فالجوائز تخضع لاعتبارات كثيرة، منها أن بعض المؤسسات المانحة للجوائز تخضع لسياسات ومعايير معينة تمنح في ضوئها الجائزة، وهذا ما يضع الأعمال الفائزة بالجوائز على المحك فيما يخص قيمتها الفنية ومستواها الحقيقي. ومن الاعتبارات الأخرى التي تجعل الأعمال الفائزة بالجوائز لا يعول على أفضليتها واستحقاقات فوزها هو خضوعها للمنهج النقدي الذي يتبناه الخبير أو عضو لجنة التحكيم الذي ينطلق في تقييمه للأعمال وفق محددات ومعايير منهجه النقدي ويعتبره مقياساً للأفضلية التي قد يراها صاحب المنهج المقابل نقاط إخفاق وضعف. وهكذا لا يمكن الركون للقيمة الفعلية للأعمال التي تفوز بالجوائز كون معايير الفوز نسبية ومحددة بأجندات وميول نقدية خاصة. لكن على الأجمال تمثل الجائزة محطة تكريمية في حياة أصحابها، إذ يترتب عليها الإشادة والتقدير.

معطيات سياسية
الحديث عن منح الجوائز الأدبية في المجالات كافة حديث يحمل في ذاتها عديد التساؤلات يحاول الناقد والشاعر العراقي غسان حسن محمد طرحها، والكثير من الجدل لأسباب جوهرية ومنطقية وظرفية تحدد ماهية الجوائز والغرض منها ومدى حياديتها وموضوعيتها. فبعد الزيادة الكمية لا النوعية في إطلاق الجوائز على غير ما كان في الأزمنة السابقة.. حيث يمتاز منطق منح الجوائز قديماً، بالرصانة والعلمية والمنهجية والحيادية وإن كانت نسبية أحياناً، إلا أن من كان يحصل على تلك الجواز النوعية كان راسخ الفكر والنتاج مقنعاً لجمهور النخبة وغيره، ما يحدث الآن بخصوص الجوائز، إنها تخضع في غالب الأحيان لمعطيات سياسية وآيديولوجية وأهداف إعلامية تقف وراءها دور النشر الكبيرة وسياسات الدول المتحكمة بتمويلها ومدى توافق موضوعات النتاج الأدبي مع ما يرغبه القائمون على تلك الجوائز. وتلعب العلاقات الشخصية للمرشح أو المرشحين للجائزة الدور الكبير في نيل صيدها. فعلى سبيل المثال لا الحصر كنت من المتابعين لجائزة شاعر المليون على مدى دوراتها المتعاقبة وكنت أرى الشعراء العراقيين يبلون بلاءً حسناً وهم يطلقون أعذب الشعر وأرقه وتميزهم اللافت للنظر. إلا أن الجائزة دائماً ما تغادرهم لأسباب لا علاقة لها بالشعر والشعرية التي يمتاز بها الشاعر العراقي وينال الاعجاب.
مضيفاً أن الجوائز، وإن كانت محفزة للمبدع على مواصلة مشواره، إلا أنها لا تمنح الهوية الإبداعية أبداً، فالعديد من كبار المبدعين في القصة والرواية والشعر والفكر لم يفكروا في نيل الجوائز، بل كانت نتاجاتهم أكبر من الجوائز وقيمها المادية والنوعية.

رؤية العالم
أما الشاعر الشاب علي تاج الدين، فيوضح أنه لا يمكن أن نتجاوز هذه الجوائز أو نغض الطرف عنها مشككين في حكّامها أو توجّهاتهم أو حتّى مقدرتهم النقدية أو الأكاديمية، لأن ليس من المهم فيها من وجهة نظر موضوعية مَن هو الفائز، بل ما هي طبيعة النصوص؟ ما هي توجهاتها ورؤاها الأيديولوجية؟ إلامَ وصل التطوّر في الرواية والشعر في بلد عربيّ ما؟
ففي جائزة البوكر الأخيرة مثلاً، نرى أنّ هناك ثلاث روايات عراقية، هذه الروايات وغيرها مما لم تفزْ أو لم تصل إلى القوائم القصيرة أو حتى الطويلة تكشف إلى حدٍّ ما المعاناة العراقية بعد 2003، وما توصّلت إليه النصوص الروائية العراقية والعربية من تقدّمٍ بالموضوع والأسلوب والتكنيكات والتطوّر الروائي ومقدار مواكبتها للرواية العالمية، بل يتعدّى ذلك إلى الكشف عن وعي مجتمعٍ ما ومقدارِ تطوّره ودورة تفكيره، فالنقد بصورة أخرى هو سبر أغوار العقل المنتِج وبالتالي عقل الطبقة التي ينتمي إليها المؤلِّف ضمن بنية ذهنية يجتمع مع مجتمعه بها ليكوّنوا رؤيةً للعالم كما يقول جورج لوكاتش.
القدس العربي