للعربية نت وللمستهجنين!

أربعاء, 2015-01-07 08:26

تناقلت مواقع إخبارية محلية عن موقع " العربية نت " استغرابه من صلاة الرئيس الموريتاني في مسجد شنقيط العتيق وهو جالس على التراب، وتناقلت هذه المواقع أيضا إثارة الصورة لما سمته سخطا واستهجانا من طرف الموريتانيين لوضعية المسجد وجدرانه المتهالكة ومنبره الدرج الصغير وأرضيته الترابية.

ما كنا نعلم  به حتى اليوم، هو أن المشرفين على هذا المسجد هم من يرفضون ترميمه وتبليط أرضيته في كل مرة يعرض عليهم ذلك، سواء من طرف الدولة التي عرضت عليهم توسعته على نفس الطراز المعمارى، وبنفس مواد البناء وتزويده بدورات مياه عصرية، أو من طرف الخصوصيين الذين يبنون المساجد اليوم ويفرشونها ويجهزونها، لكن القائمين على المسجد وغيره من المساجد في المدن القديمة يرفضون ويقولون إن تلك المساجد كانت هكذا منذ ما يزيد على ستة قرون وينبغي أن تظل كذلك.

وحتى تصنيف المخطوطات في مكتبات هذه المدن وحفظها وإنقاذها، بل وطباعتها، ظل هو الآخر محل رفض من أصحاب هذه المكتبات الذين لا زالوا يعتبرون هذه المدن وما فيها ملكا خالصا لهم، وليست تراثا وطنيا مشتركا، بل وإنسانيا باعتبارها مصنفة تراثا عالميا، فتاريخها بالنسبة لهم تاريخ عائلي، ومكتباتها ومبانيها ومساجدها عائلية كذلك!

فلا أعتقد أن دولة يمكن أن تبخل بتبليط أرضية جامع من عدة أمتار بالرخام أو الزبرجد، أو حتى بالحجارة التي هي مادة بنائه على الأقل، أو يمكن أن تبخل بتأثيثة بأمتار من الموكيت أو السجاد الفاخر أو الرخيص.. وإذا بخلت الدولة بذلك فلن يبخل به الميسورون من أبناء المنطقة، أو غيرهم من المحسنين الذين يتبرعون ببناء وتأثيث المساجد والمحاظر والإنفاق عليهما في كل مناطق البلاد!

فإذا كانت الدولة هي من يبخل بذلك فهي بالتأكيد بخيلة، ومفهوم استغراب  العربية نت من وضعية مسجد شنقيط لأنها لم تستقص من أهله أو من الدولة عن أسباب وجوده في وضعيته تلك، لكن ما ليس مفهوما أو موضوعيا هو استهجان الموريتانيين الملمين بتفاصيل الموضوع، إلا إذا كانت لديهم معلومات غير تلك التي لدينا بأن المشرفين على مسجد شنقيط ومكتباتها، يبسطون أيديهم للتعاون والتشارك في ما يفترض أنه تراث وطني مشترك وليس تراثا عائليا، وهي عقلية أحق بالاستهجان من وضعية المسجد نفسه، لأنها هي السبب في وضعيته، وهي السبب كذلك في احتكار آلاف المخطوطات ومنع الآخرين من الاستفادة منها، والحيلولة دون مساهمتها في إبراز وتجسيد الاشعاع الثقافي للبلد وتاريخه!

استغربت " العربية نت "، واستهجن الفيسبوكيون، لكننا نطالب بجعل الموضوع على المحك، فعسى ذلك أن يقيم لنا الحجة على بخل الدولة وتقصيرها، ويكون الاستغراب والاستهجان في محلهما، أو يقيمها على من يقال إنهم هم من يرفضون التعاون مع الجهات المعنية بحفظ التراث وتثمينه، سواء تمثلت تلك الجهات في قطاع الثقافة الموريتاني نفسه، أو كانت هيئات أجنبية مهتمة بالتراث وتنفق الكثير على بحوثه وإبرازه، ولا ننساق بالتالي خلف استغراب " العربية نت " الذي هو عن جهل بالأساب وبالتفاصيل.. ويكون محل استهجاننا هو ما أوردته دون أن تبين أسبابه، فلو كانت أعدت برنامجا مواكبا لهذا المهرجان أستضافت خلاله المعنيين بقطاع الثقافة من جهة، والمشرفين على المحتويات التراثية في المدن القديمة من جهة أخرى، بدل التقاط صورة عبر الساتاليت والتعليق عليها لاتضح لنا المقصر من غيره.. لكن عزاءنا في ذلك أن لدينا خمس قنوات فضائية مستقلة بإمكانها تنظيم رحلات إلى هذه المدن ونقاش الموضوع من كل جوانبه مع أهلها، لتعود وتطرح الموضوع للجهات المعنية، فلربما اتضح لنا من خلال ذلك النقاش أن معلوماتنا غير صحيحة، وأن ملاك المخطوطات وأئمة المساجد في المدن التاريخية مستعدون للتعاون مع كل من يرغب في حفظ وإنقاذ الموروث الثقافي في تلك المدن، وأن الدولة أو الجهات المهتمة هم من يتقاعسون..

محمدو ولد البخاري عابدين