ماذا نتعلم من الدرس الفرنسى

أحد, 2015-01-11 15:55

بداية دعونا نتأمل مواقف و تصرفات الجريدة المشبوهة شارلى ابيدو التى تتعمد نشر رسوم و صور مسيئة للاديان، و نتسائل هل كانت تستهدف الدين الاسلامى وحده في تلك التصرفات الحمقاء و تتعمد تشويه الدين الاسلامى فقط دون باقى المعتقدات ؟ وإذا كان هناك تعرض لباقى الاديان فكيف تصرف الباقون ؟ و هل تلك الجريدة الفرنسية هى الوحيدة التى تعتمد ذلك النوع من الكاريكاتير المسيئ للاديان، ام هناك جرائد غيرها ؟

أولا تلك الصحيفة تفننت فى الاساءة الى كل المعتقدات و الاديان السماوية سواء منها اليهودية و المسيحية و الاسلام، أو حتى المعتقدات غير السماوية و بحكم و عادات و تراث الفكر الغربى الاوربى الحديث الذى أعتاد ان لا يوجد أى حد أو سقف للحرية و الابداع فأنه لا يذكر أنه حدث أى أعتداء بدنى أو نفسى على أصحاب تلك الرسوم، كما أن تلك النوعية من الصحف لم تكن تحقق أى نجاح يذكر لدى القارئ سواء فى أوربا عامة او فرنسا خاصة، و لا حتى يسمع عن هولاء أحد، فهم مجهولون فى الشارع الفرنسى كما كان حال الصحيفة الدنماركية التى نشرت صوار مسيئة للرسول صلى الله عليه و سلم، و لم يكن أحد فى كوبنهاجن نفسها يعرف تلك الصحيفة قبل أن يدخل العرب و المسلمون فى فخ ساذج، حتى بات وقتها راسم الكاريكاتير الدنماركى شخصية ذلك العام، و أصبحنا نحن فى موقف رد الفعل قبل أن نكون فى موقف التسلل .

ثانيا هناك العديد من الصحف الاوربية التى تعتمد تلك النوعية من الكاريكاتير سواء بعمد الاساءة أو غير عمد، و هو الاسلوب التى كانو يتبوعها رسامى الكاركاتير للسخرية من السياسيين و الرؤوساء و الحكام منذ عقدين قبل أن يوجهو فرشة رسمهم الى الانبياء و الرسل و المعتقدات الدينية .

و الان ماذا بعد أن وقعت الحادثة الارهابية الاخيرة و ما قامو به أرهابيون بالسلاح ضد مختلين عقليا بفرشة الرسم، ماذا بعد أن تورط الاخوين كواشي الجزائريين بتلك الحادثة فى الوقت الذى تتجه أنظار أغلب أجهزة الامن و الاستخبارات باوربا و الولايات المتحدة الى منطقة الساحل  والصحراء و المغرب العربى لكى يتم نقل مسرح العمليات من العراق و الشام الى منطقة المغرب العربى .

بداية الاعلام الفرنسى جسد لنا نموذجا رائعا فى كيف يكون الاعلام ذراع قوىا للدولة لمواجهة أى خطر داخلى و على رأسها خطر الارهاب، كما أن الاعلام مثل الذراع الخارجى الفعال للتأثير على الرأى العالم العالمى حتى بات العالم كله على مدار يومي 8 و 9 يناير يتابع احداث فرنسا بشغف يفوق متابعة الجماهير لمباريات كأس العالم، و باتت جميع الصحف بمختلف ارجاء الارض لا حديث لها سوى عن الارهاب الذى يهدد فرنسا و كيف لفرنسا ان تحمى نفسها بكل الوسائل، و بتأكيد البكاء على الضحايا الفرنسيين، قبل أن تتوعد العديد من الصحف المغمورة قبل المشهورة باعادة نشر الصور المسيئة لكى يترسخ مفهوم عام لدى الرأى العام العالمى بان الارهاب مرتبط أرتباطا و ثيقا بالعرب و المسلمين، و هو الامر الذى تم صنعه فى مسرحية هزلية ضخمة كان عنوانها أيلول الاسود و سقوط برجي التجارة العالمى بالولايات المتحدة الامريكية .

و بعد دعوة الرئيس الفرنسى فرنسوا هولاند بنزول الشعب الفرنسى بمختلف أطيافه، و التأكيد على وحدة الشعب الفرنسى، طالبهم هولاند بالاحتشاد و التظاهر يوم الاحد الموافق الحادى عشر من شهر يناير الجاري، لتفويضه لمواجهة الارهاب . و هنا تذكر البعض المشهد المصرى و مطالبة الفريق عبد الفتاح السيسي منذ عام و نصف بتفويض من الشعب المصرى لمحاربة الارهاب و لكن الموقف يختلف فى الزمان و المكان بين القاهرة و باريس فمنذ عام و نصف كان عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع و ليس رئيس الدولة المصرية، كما أنه كان لا يوجد برلمان، و لكن فرنسوا هولاند هو رئيس الدولة فعليا و جميع أجهزة و مؤسسات الدولة تدعمه و تقف بجانبه و على رأسها البرلمان الفرنسى، كما أن جميع خصوم هولاند بالامس هم اول من يدعون للاحتشاد و التظاهر لمسانده هولاند ضد الارهاب، فلماذا إذا الغرض الحقيقي من مطالبة هولاند بالتفويض و دعوة جميع ابناء الشعب الفرنسى للتظاهر، و هو المشهد الذى ستغطيه كل وسائل الاعلام بالارض ؟!

كما يجب على كل من ينظر للاحداث بعمق و هو يتأمل المشهد الفرنسى على مدار الساعات السابقة ان يتسائل لماذا أيدى داعش طالت باريس وحدها، برغم أن من يقود التحالف الدولى لمحاربة داعش هى الولايات المتحدة الامريكية نفسها ؟ لماذا أيدى داعش تطاول باريس وحدها التى تظل الدولة الوحيدة بغرب أوربا متمسكة بالعلاقات مع روسيا ؟ لماذا أيدى داعش تطاول باريس التى أختلفت بشدة مع لندن و واشنطن بسبب دعمهم للارهاب فى ليبيا و جماعة الاخوان بالمنطقة ؟ لماذا أيدى داعش تطاول باريس و هى العاصمة الاوربية التى أعادت كافت علاقاتها مع القاهرة و أبرمت معها أتفاقيات عسكرية ضخمة ؟

هنا سنعلم جميعا من هو الارهابى الحقيقى الذى يهدد أمن باريس و هل هو فعلا محسوب على العرب و المسلمين أم على فريق أخر هو من صنع داعش نفسها .

فادى عيد

كاتب و محلل سياسي مصري 

[email protected]

بوابة افريقيا