وعيُنا الزائف

ثلاثاء, 2015-01-13 19:49

صُدمت ـ كأي إنسان يكره ازدوجية المعايير ـ من الزخم الإعلامي والسياسي الذي نالته المظاهرة الباريسية على خلفية الهجوم الذي طال أسبوعية شارلي ابدو الأسبوع المنصرم، والحضور الكبير للزعماء العرب جنبا إلى جنب مع قتلة الأطفال والنساء والشيوخ في فلسطين المحتلة والعراق ولبنان وافغانستان... مما يشي بالشراكة والتنسيق في صناعة الإرهاب ورعايته، وارتكاب المجازر الوحشية والظلم والاستبداد التي تعاني منه أمتنا اليوم.
لكن صدمتي كانت أكبر ودهشتي أشد حين شاهدت من يدافع من بني جلدتنا عن الصحيفة المسيئة, ويرفع شعارات التضامن والولاء والنصرة, في الوقت الذي لايسترعي اهتمام أحدهم ـ للأسف الشديد ـ أحداث أشنع ومجازر أبشع على الضفة الأخرى, وما مجازر غزة منا ببعيد.
إن هذا الارتكان المقزز والوعي الزائف, ولّد استياء شعبيا وشجبا واضحا لدى فئة عريضة من المدونين والمثقفين ـ وحق لهم ذلك ــ، ولكن الحقيقة المرة هي أنّ هذا الاستياء لا يعدو أن يكون هَبّة آنية، وعواطف حماسية تمليها ظروف الوقت الراهن، ما تلبث أن تتلاشى جذوتها ويخبت لهيبها, وبالتالي فلن ترقى إلى مستوى المسؤولية والتحدي، الأمر الذي يفرض علينا الآن مساءلة ذواتنا كمسلمين في أفق تحديد مواطن العطب فينا أولا قبل الزعماء الذين أوصلناهم إلى سدّة الحكم إمّا بأصواتنا أو بلامبالاتنا، وفي الحالين نحن المسؤولون عن ذلك.
نعم لم تُحرِّك مجازر غزة وأخرى في لبنان والعراق والصومال واليمن ووسط إفريقيا... شعرة أحد من أولئكم الزعماء، وكأن دماءنا منزوعة الدال, ومعاناتنا مشهد روتيني لا يستحق التحرك بل وحتى الشجب والتنديد والاعتذار, ولكن في مقابل هذا التجاهل هل اهتممنا نحن بردّة فعلنا تجاه تلكم الأحداث، ونهضنا نهوض الرجل الواحد نصرة للضحايا, وقياما بواجب الأخوة الدينية والإنسانية, ونظّمنا مسيرات كما رأينا في شوارع باريس ونيورك... في الساعات الأولى من الأحداث التي شهدتها تلك المدن قبل انطلاق الدعوات السياسية للتضامن؟
لماذا بين عشية وضحاها صرنا كلنا شارلي ونسينا ضحايا غزة وضحايا الجوع والبرد في المخيمات والملاجئ في سوريا ولبنان...؟
هل أن دماءنا أرخص من دمائهم؟
لماذا يتم التطاول على مقدساتنا ومشاعرنا ومع ذلك نتفهم ذلك ونتعاطف مع شارلي مبررين ذلك بقيم حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير...؟
هل شارلي أحق بهذا التعاطف من مواطنين بين أظهرنا يطحنهم ثالوث الفقر والمرض والجهل؟
أسئلة كثيرة تستدعي منا وقفة تأمل وتفكير ومساءلة.
أحمدو ولد ابي