الفضيحة المالية "سويس ليكس"

ثلاثاء, 2015-02-10 13:19

كشف تحقيق استقصائي شاركت فيه وسائل إعلام دولية أن الوحدة السويسرية التابعة لبنك “إتش.إس.بى.سى” البريطاني استقبلت إيداعات لحوالي 100 ألف عميل بقيمة 180 مليار يورو في الفترة من نوفمبر/تشرين الثاني 2006 إلى مارس/آذار 2007، ما سمح لهم بالتهرب من دفع الضرائب عن هذه الأموال، التي أودعت في حسابات سرية.
وساهم التحقيق الذى شاركت فيه صحف (لوموند) الفرنسية و(الغارديان) البريطانية وهيئة الإذاعة البريطانية “بي.بى.سى” و50 وسيلة إعلامية أخرى، وتم بتنسيق من قبل الإتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين، في الكشف عن هذه الفضيحة المالية التي أطلق عليها اسم “سويس ليكس″، متضمنا في ذلك تفاصيل الآلية التي اعتمدها البنك البريطاني لمساعدة عدد من عملائه على إخفاء أموالهم بشكل غير قانونى .
وكشفت الوثائق التي كشف التحقيق عنها أن هذه الحسابات السرية تضمنت أسماء سياسيين عرب، وكذلك عددا من المسئولين في تنظيم القاعدة، فضلا عن عدد من مشاهير الرياضة والفن، إلى جانب تجار سلاح، ومهربي نساء في شبكات الدعارة، ومهربين للألماس.
واعتمد التحقيق على وثائق سرية سربها خبير في تكنولوجيا المعلومات يدعى هيرف فالشيانى، الذى كان يعمل فى “إتش.إس.بى.سى” في جنيف، وتتضمن بيانات أكثر من 100 ألف عميل للبنك فى مختلف أنحاء العالم، وذلك فى نهاية عام 2006 ومطلع عام 2007، وظلت المعلومات التي حصل عليها فالشيانى لسنوات عديدة حكرا على الجهات القضائية فى عدد من الدول.
وقد ضعت هذه المعلومات تحت تصرف “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين” في واشنطن، الذى قام بدوره بتنسيق مشاركة نحو 154صحفيا من 47 دولة، في التحقيق والمتابعة في خطوة وصفتها صحيفة (لوموند) الفرنسية بأنها جاءت لضمان معالجة أكثر شمولا و صرامة لقضية الفساد المالي.
من جانبه اعترف بنك “إتش.إس.بى.سى” البريطاني، بمسؤوليته عن إخفاق الوحدة التابعة له في سويسرا في الالتزام بقواعد الامتثال المصرفية.
وقال البنك فى بيان نشرته وسائل إعلام غربية إن الوحدة التي اشتراها في عام 1999 أجرت تغييرات جذرية منذ عام 2008 لمنع استخدام خدماتها للتهرب من الضرائب أو لغسيل الأموال.
وأشار إلى أن الوحدة السويسرية لم تندمج في البنك بالكامل بعد الاستحواذ عليها، مما سمح بوجود معايير أقل صرامة بكثير من حيث الامتثال للقواعد، مشيرا إلى انه قام بعدد من الإصلاحات لنشاط الأعمال المصرفية الخاصه مما خفض عدد الحسابات فى الوحدة السويسرية بواقع 70 ٪ فى عام 2007.
وقال البنك إن بعض الأشخاص تمكنوا من الاستفادة من مبدأ سرية الحسابات الذى يوفره البنك لعدم الإعلان عن تلك الحسابات.
وبنك “إتش.إس.بى.سى” البريطاني هو أكبر البنوك البريطانية قاطبة، وثاني أكبر بنوك العالم.
ومن أبرز الشخصيات العربية التي شملتها لائحة عملاء البنك الملك عبد الله الثاني والعاهل المغربي محمد السادس ورامي محمد مخلوف، إبن خال الرئيس السوري بشار الأسد، والوزير المصري الأسيق للتجارة والصناعة رشيد محمد رشيد الذي حكم عليه في يونيو/حزيران 2011 بالسجن 5 سنوات بتهمة إهدار المال العام.
واثار الكشف عن فضيحة مساهمة بنك بريطاني في تسهيل وإخفاء التهرب الضريبي معركة سياسية في بريطانيا حيث تبادلت الاحزاب الرئيسية الاتهام بعدم التحرك لوقف ذلك.
فحزب رئيس الوزراء ديفيد كاميرون عين ستيفن غرين، مدير “اتش.اس.بي.سي” السابق عضوا في مجلس اللوردات عام 2010 حيث تولى لاحقا منصب وزير التجارة.
لكن حزب العمال، المعارض الرئيسي الذي يامل بتولي السلطة بعد انتخابات ايار/مايو العامة، تعرض لانتقادات بانه امتنع عن مكافحة التهرب الضريبي في اثناء حكمه حتى 2010.
ويشمل حكم العمال الفترة التي يتهم فيها الفرع السويسري للمصرف البريطاني بمساعدة زبائن على التهرب من الضرائب.
ويسلط الخلاف الضوء على المهمة المعقدة التي يتحتم على الحزبين مواجهتها وتتمثل في تحديد علاقتهما مع قطاع الاعمال الكبرى قبل انتخابات 7 ايار/مايو العامة والتي تشير الاستطلاعات الى توازيهما فيها.
ردا على سؤال ان كان كاميرون مطلعا على المعلومات بخصوص المصرف عندما عين غرين اكد المتحدث باسمه انه لم يطلع على “اي سجل حول اية مخاوف” بشأنه.
من جهة ثانية قالت صحيفة (يديعوت أحرونوت) الإسرائيلية إن إسرائيل حلت سادسا في قائمة الدول التي يحتفظ مواطنوها بحسابات سرية في بنك “إتش.إس.بى.سى” في سويسرا، تبلغ قيمتها 10 مليارات دولار.
وشملت القوائم التي تم الكشف عنها 6200 حساب لإسرائيليين، ومن أبرزهم الحاخام الشهير دافيد بينتو الذي يمتلك حسابات أودع فيها ما يقارب من 2.3 مليون دولار.
وقالت الصحيفة الإسرائيلية أنه من بين الأسماء الواردة في القائمة المسربة اسم تاجر الألماس الشهير بيني شتاينتس وعائلته
ولم يتحدث التقرير الذى أوردته الصحفية الإسرائيلية عن أي حسابات لمسؤولين سياسيين إسرائيليين.

الضغوط السياسية تضعف السرية المصرفية

مع ان وقائع “سويس ليكس″ تتصل بما حدث منذ اعوام عدة، لكن السرية المصرفية باتت منذ ذلك الحين عرضة للانحسار اثر الضغوط التي تمارسها الدول الباحثة عن زيادة مداخيلها المالية، من خلال محاصرة التهرب الضريبي.
وقال باسكال سان امان، المدير في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية “لن يكون ذلك ممكنا مستقبلا. فما حصل يعود الى الفترة بين 2005 و 2008. اي قبل مرحلة حدوث الاختراق في محاربة السرية المصرفية (…) انها صورة واضحة لما حدث في عالم غير شفاف غاب عنه تبادل المعلومات الاستخبارية”.
ويتولى سان امان قيادة المفاوضات الدولية حول السرية المصرفية.
وشاهدت سويسرا، احد الاماكن المفضلة للسرية المصرفية، كيف تصدعت بشكل تدريجي السواتر التي كانت تحمي زبائن مصارفها مع اطلاق العديد من الحكومات حملات لمكافحة التهرب الضريبي.
وتصدرت الولايات المتحدة القائمة مع اصدارها قواعد جديدة خصوصا “فاتكا” قانون امتثال الحسابات في الخارج للضرائب الذي اقرته العام 2010 ودخل حيز التنفيذ العام 2014.
ويسمح هذا القانون بالطلب الى المصارف الاجنبية بابلاغ دائرة الضرائب الأمريكية بحسابات وأصول زبائنهم الأمريكيين.
ونظرا للتعقيدات الادارية الناجمة عن هذا القانون، بات هؤلاء الزبائن يشكلون عبئا يثقل كاهل هذه المصارف بحيث اصبح من الصعوبة بمكان فتح حساب او الاحتفاظ به خارج الولايات المتحدة، خصوصا وان العقوبات لا تشجع على مخالفة القانون، وتنص على حجز 30 في المئة من عائدات الاستثمارات الأمريكية في المصارف.
ووافق على ذلك ما لايقل عن مئة الف بنك في اكثر من 100 بلد بينها فرنسا وسويسرا ولوكسمبورغ اختارت الامتثال.
ومنذ اقرار المبادرة الأمريكية، بدأت بعض الدول البحث عن عائدات مالية للسنوات العجاف وخصوصا في ظل الضغوط التي يمارسها الرأي العام الذي يعارض فرض ضرائب جديدة.
من جهته قال دومينيك بليون، الاقتصادي والمتحدث باسم حركة “اتاك” الناشطة لصالح العالم الثالث “اذا كان هناك تقدم في هذه الامور، فان هذا بفضل الولايات المتحدة. هذا البلد الكبير يريد التقدم والاخرون مرغمون على اللحاق به (…) اما بالنسبة للتهرب الضريبي فان الارباح الفائته كبيرة جدا. بالتالي، من المنطقي ان يؤيدوا ذلك”.
وفي تشرين الاول/اكتوبر، تم اجتياز مرحلة جديدة برعاية منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في برلين حيث وافق اكثر من 80 بلدا على اقامة نظام تلقائي لتبادل المعلومات المالية بحلول العامين 2017 و2018 بهدف ان تتعرف كل دائرة ضرائب على الأصول المالية التي يودعها في الخارج مكلفين تابعين لها.
ووعدت اول مجموعة من 51 بلدا بالتعاون اعتبارا من ايلول/سبتمبر 2017 غالبيتها من دول الاتحاد الاوروبي وإمارات لديها نظام السرية المصرفية مثل ليختنشتاين او ملاذات ضريبية مثل جزر كايمان وجزر العذراء البريطانية.
وفي اتفاق منفصل اكدت دول اخرى بينها سويسرا والنمسا وجزر البهاما انها ستتعاون اعتبارا من 2018.
لكن بعض الدول ما تزال تتباطأ رغم تعهدها بالتعاون، بحسب بليون “فالمملكة المتحدة مع حي المال (السيتي) في لندن لا تتعاون على الاطلاق وكذلك لوكسمبورغ. لقد قدمتا تنازلات اثر ضغوط مارستها الولايات المتحدة لكنها تقوم بالحد الادنى”. وتخضع لوكسمبورغ للمراقبة والانتقادات بسبب سياستها الضريبية المخصصة لجذب الشركات المتعددة الجسنيات كما كشفت وقائع “لوكسليكس″.
وفي هذا الملف، حيث تدعو المفوضية الاوروبية بلجيكا الى تقديم حسابات، يناور الاتحاد الاوروبي من اجل اصدار مذكرة تعليمات خلال السنة الحالية.

وكالات